الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمسلمون أولى بما يكون منهم فيه بعدي، قال: أفترى ذلك من صنع من ولاه حقًّا؟ فبكى عمر وقال: أنظراني1 ثلاثًا فخرجا من عنده ثم عادا إليه، فقال عاصم: أشهد أنك على حقٍّ، فقال عمر لليشكري: ما تقول أنت؟ قال: ما أحسن ما وصفت، ولكن لا أقتات على المسلمين بأمر، أعرض عليهم ما قلت، وأعلم حجتهم، فأما عاصم فأقام عند عمر، فأمر له عمر بالعطاء، فتوفي بعد خمسة عشر يومًا، فكان عمر يقول: أهلكني أمر يزيد وخصمت فيه، فأستغفر الله، فخاف بنو أمية أن يُخرج ما بأيديهم من الأموال، وأن يخلع يزيد من ولاية العهد، فوضعوا على عمر من سقاه سُمًّا، فلم يلبثْ بعد ذلك إلا ثلاثًا، حتى مرض ومات".
"الكامل لابن الأثير 5: 17، ومروج الذهب 2: 171، والعقد الفريد 1: 216، وتاريخ الطبري 8: 131، سيرة عمر بن عبد العزيز لابن عبد الحكم ص 130، ولابن الجوزي 77".
1 أمهلاني.
201-
تأبينه ابنه عبد الملك:
ولما دفن عمر بن عبد العزيز ابنه عبد الملك، وسوى عليه قبره بالأرض، وجعلوا على قبره خشبتين من زيتون، إحداهما عند رأسه، والأخرى عند رجليه، استوى عمر قائمًا، وأحاط به الناس، فقال:
"رحمك الله يا بني، فقد كنت برًّا بأبيك، والله ما زلت مذ وهبك الله لي بك مسرورًا، ولا والله ما كنت قط أشد سرورًا بك، ولا أرجى لحظي من الله فيك، منذ وضعتك في الموضع الذي صيرك الله إليه، فغفر الله لك ذنبك، وجازاك بأحسن عملك، وتجاوز عن سيئاتك، ورحم الله كل شافع يشفع لك بخير، من شاهد أو غائب، رضينا بقضاء الله، وسلمنا لأمره، والحمد لله رب العالمين".
"البيان والتبيين 2: 182، وسيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي 264".
202-
خطبة يزيد بن الوليد حين قتل الوليد بن يزيد: 1
حمد الله، وأثنى عليه، ثم قال:
"أيها الناس: والله ما خرجت أشرا ولا بطرا، ولا حرصا على الدنيا، ولا رغبة في الملك، وما بي إطراء نفسي، وإني لظلوم لها إن لم يرحمني الله، ولكن خرجت غضبا لله ودينه، داعيا إلى الله، وإلى سنة نبيه، لما هديت معالم الهدى، وأطفئ نور أهل التوقي، وظهر الجبار العنيد2، المستحل لكل حرمة، والراكب لكل بدعة، الكافر بيوم الحساب، وإنه لابن عمي في النسب، وكفيئي3 في الحسب، فلما رأيت ذلك استخرت الله في أمره، وسألته ألا يكلني إلى نفسي، ودعوت إلى ذلك من أجابني من أهل ولايتي، حتى أراح الله منه العباد، وطهر منه البلاد، بحوله وقوته، لا بحولي وقوتي.
أيها الناس: إن لكم علي ألا أضع حجرًا على حجر، ولا لبنة على لبنة، ولا أكرى4 نهرًا، ولا أكنز مالا، ولا أعطيه زوجًا، ولا ولدًا، ولا أنقله من بلد إلى
1 قتل الوليد بن يزيد بن عبد الملك لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة سنة 126هـ، وكان قبل الخلافة منهمكا في اللهو، وشرب الخمر، وانتهاك حرمات الله، فلما أفضت إليه الخلافة، لم يزدد إلا انغماسًا في اللذات، واستهتارًا بالمعاصي، ذلك إلى ما ارتكبه من إغضاب أكابر أهله، والإساءة إليهم، وتنفيرهم، فاجتمعوا عليه مع أعيان رعيته، وهجموا عليه وقتلوه، وكان المتولي لذلك يزيد بن الوليد بن عبد الملك، وقد ولي الخلافة بعده، وتوفي هلال ذي الحجة سنة 126.
2 يشير إلى ما حدث من الوليد بن يزيد من أنه استفتح فألا في المصحف فخرج: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} ، فنصبه غرضًا للنشاب، وأقبل يرميه حتى مزقه، وهو يقول:
أتوعد كل جبار عنيد
…
فهأنذاك جبار عنيد
إذا لاقيت ربك يوم حشر
…
فقل يارب مزقني الوليد
3 كفيئه وكفؤه بضم الكاف وكفاؤه بكسرها: مثله.
4 كرى النهر: استحدث حفره.