الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
402-
مقام محمد بن كعب القرظي بين يدي عمر بن عبد العزيز:
قام محمد بن كعب القرظي بين يدي عمر بن عبد العزيز، فقال:
"إنما الدنيا سوق من الأسواق؛ فمنها خرج الناس بما ينفعهم وبما يضرهم، وكم نقوم قد غرهم مثل الذي أصبحنا فيه، حتى أتاهم الموت فاستوعبهم، فخرجوا من الدنيا مرملين1، لم يأخذوا لما أحبوا من الآخرة عدة، ولا لما كرهوا جنة، واقتسم ما جمعوا من لم يحمدهم، وصاروا إلى من لا يعذرهم؛ فانظر الذي تحب أن يكون معك إذا قدمت، فقدمه بين يديك حى تخرج إليه، وانظر الذي تكره أن يكون معك إذا قدمت، فابتغ به البدل، حيث يجوز البدل، ولا تذهبن إلى سلعة قد بارت على غيرك، ترجو جوازها عنك. يا أمير المؤمنين، افتح الأبواب، وسهل الحجاب، وانصر المظلوم، ورد الظالم".
"عيون الخبار م2 ص343، وسيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي ص134"
1 أرمل: نفد زاده وافتقر.
403-
وفد أهل الحجاز على هشام بن عبد الملك:
وفد أهل الحجاز من قريش على هشام بن عبد الملك بن مروان، وفيهم محمد ابن أبي الجهم1 بن حذيفة العدوي، وكان أعظمهم قدرا، وأكبرهم سنا، وأفضلهم رأيًا وحلمًا، فقام متوكئًا على عصا، فقال:
أصلح الله أمير المؤمنين، إن خطباء قريش قد قالت فيك فأطنبت، وأثنت عليك فأحسنت، ووالله ما بلغ قائلهم قدرك، ولا أحصى مثنيهم فضلك، أفتأذن لي في الكلام؟ قال: تكلم، قال: أفأوجز أم أطنب؟ قال: بل أوجز، قال: "تولاك الله أمير المؤمنين
1 في الأمالي "إسماعيل بن أبي الجهم".
بالحسنى، وزينك بالتقوى، وجمع لك خير الآخرة والأولى، إن لي حوائج أفأذكرها؟ قال: هاتها، قال: كبرت سني، وضعفت قواي، واشتدت حاجتي، فإن رأى أمير المؤمنين أن يجبر كسري، وينفي فقري"، قال: يا ابن أبي الجهم، وما الذي يجبر كسرك، وينفي فقرك؟ قال: ألف دينار، وألف دينار، وألف دينار، فأطرق هشام طويلا، ثم قال: هيهات يا بن أبي الجهم، بيت المال لا يحتمل ما سألت! فقال: أما إن الأمر لواحد؛ ولكن الله آثرك لمجلسك، فإن تعطنا فحقنا أديت، وإن تمنعنا نسأل الذي بيده ما حويت، إن الله جعل العطاء محبة، والمنع مبغضة، ولأن أحبك أحب إلي من أن أبغضك، قال: فألف دينار لماذا؟ قال: أقضي بها دينًا قد حم1 قضاؤه، وفدحني2 حمله، وأرهقني3 أهله، قال: نعم المسلك أسلكتها، دينًا قضيت، وأمانة أديت، وألف دينار لماذا؟ قال: أزوج بها من أدرك من ولدي، فأشد بهم عضدي ويكثر بهم عددي قال: ولا بأس أغضضت طرفًا، وحصنت فرجا، وأمرت4 نسلًا، وألف دينار لماذا؟ قال: أشتري بها أرضًا يعيش بها ولدي، وأستعين بفضلها على نوائب دهري، وتكون ذخرًا لمن بعدي، قال: ولا بأس، أردت ذخرًا، ورجوت أجرًا، ووصلت رحما، قد أمرنا لك بما سألت، قال: فالمحمود الله على ذلك، وجزاك الله يا أمير المؤمنين والرحم خيرا، وخرج، فقال هشام: تالله ما رأيت رجلا ألطف في سؤال، ولا أرفق في مقال من هذا، هكذا فليكن القرشي، وإنا لنعرف الحق إذا نزل، ونكره الإسراف والبخل، وما نعطي تبذيرًا، ولا نمنع تقتيرًا، وما نحن إلا خزان الله في بلاده، وأمناؤه على عباده، فإن أذن أعطينا، وإذا منع أبينا؛ ولو كان كل قائل يصدق، وكل سائل يستحق، ما جبهنا5 قائلًا، ولا رددنا سائلًا، فنسأل الذي بيده ما استحفظنا أن يجريه على أيدينا، فإنه يبسط الرزق لمن يشاء
1 حم الأمر: قضي وقدر.
2 أثقلني.
3 الإرهاق: أن تحمل الإنسان على ما لا يطيقه.
4 كثرت.
5 جبهه كمنعه: لقيه بما يكره.