الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شفاهها، فنساؤنا يقبلن علينا بأنفاسهن وقُبَلهن، وأنتم معشر بني أمية فيكم بخر 1 شديد، فنساؤكم يصرفن أفواههن وأنفاسهن عنكم إلى أصداغكم، فإنما يشيب منكم موضع العذار 2 من أجل ذلك. قال مروان: إن فيكم يا بني هاشم خصلة سوء. قال: وما هي؟ قال: الغلمة3. قال: أجل، نزعت الغلمة من نسائنا، ووضعت في رجالنا ونزعت الغلمة من رجالكم ووضعت في نسائكم، فما قام لأموية إلى هاشمي؛ فغضب معاوية، وقال: قد كنت أخبرتكم، فأبيتم حتى سمعتم ما أظلم عليكم بيتكم، وأفسد عليكم مجلسكم".
"العقد الفريد 2: 115"
1 البخر: النتن في الفم وغيره.
2 العذار: جانبا اللحية.
3 الغلمة: شدة الشهوة كالشبق بالتحريك.
122-
عقيل بن أبي طالب ومعاوية:
وكان عقيل بن أبي طالب قد خرج إلى معاوية مغاضبا لأخيه الإمام علي كرم الله وجهه1، فأكرمه معاوية، وقربه إليه، وقضى حوائجه، وقضى عنه دينه، ثم قال له في بعض الأيام:"والله إن عليًّا غير حافظ لك، قطع قرابتك، وما وصلك، ولا اصطنعك" قال له عقيل: "والله لقد أجزل العطية وأعظمها، ووصل القرابة وحفظها، وحسن ظنه بالله إذ ساء به ظنك، وحفظ أمانته، وأصلح رعيته، إذ خنتم وأفسدتم وجرتم، فاكفف لا أبا لك؛ فإنه عما تقول بمعزل".
وقال له معاوية يومًا: "أبا يزيد، أنا لك خير من أخيك عليٍّ" قال "صدقت، إن
1وكان قد قدم عليه بالكوفة، فسأله أن يقضي عنه دينه، قال: وكم دينك؟ قال: أربعون ألفا، قال: ما هي عندي، ولكن اصبر حتى يخرج عطائي، فإنه أربعة آلاف فأدفعه إليك، قال: بيوت المال بيدك وأنت تسوفني بعطائك؟ قال: أتأمرني أن أدفع إليك أموال المسلمين وقد ائتمنوني عليها؟ قال: فإني آتٍ معاوية، فأذن له، فقدم عليه "انظر أسد الغابة 3: 423، الفخري ص76" اقرأ أيضًا كلمة في هذا الصدد في شرح ابن أبي الحديد م3: 82 وفي ترجمة عليِّ بن أبي طالب للمؤلف ص83.
أخي آثر دينه على دنياه، وأنت آثرت دنياك على دينك، فأنت خير لي من أخي، وأخي خير لنفسه منك1".
وقال له مرة: "أنت معنا يا أبا يزيد" قال: "ويوم بدر قد كنت معكم! ".
وقال له يومًا: "إن عليًّا قد قطعك ووصلتك، ولا يرضيني منك إلا أن تلعنه على المنبر". قال: "أفعل، فَأُصْعِدَ فصعد، ثم قال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: "أيها الناس إن أمير المؤمنين معاوية أمرني أن ألعن علي بن أبي طالب فالعنوه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" ثم نزل، فقال له معاوية: إنك لم تبين -أبا يزيد- من لعنتَ بيني وبينه. قال: والله لا زدت حرفًا ولا نقصت آخر، والكلام إلى نية المتكلم".
ودخل عقيل على معاوية وقد كف بصره، فأجلسه على سريره، ثم قال له:"أنتم معشر بني هاشم تصابون في أبصاركم" قال: "وأنتم معشر بني أمية تصابون في بصائركم".
وقال له يومًا: ما أبينَ الشَّبَقَ في رجالكم يا بني هاشم! قال: لكنه في نسائكم أبين يا بني أمية.
وقال معاوية يومًا: "يأهل الشام، هل سمعتم قول الله تبارك وتعالى في كتابه:{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ 2 وَتَبَّ} ؟ قالوا: نعم، قال: فإن أبا لهب عَمُّه، فقال عقيل: فهل سمعتم قول الله عز وجل: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْ حَطَبِ 3} قالوا: نعم، قال: فإنها عَمَّتُه، ثم
1 وفي البيان والتبيين أن معاوية قال: هذا أبو يزيد، لولا أنه علم أني خير له من أخيه لا أقام عندنا وتركه، فقال له عقيل:"أخي خير لي في ديني، وأنت خير لي في دنياي".
2 هو أبو لهب بن عبد المطلب عم الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان شديد الإيذاء له، يرمي القذر على بابه.
3 هي أم جميل بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان، وقيل لها حمالة الحطب، لأنها كانت تحمل الشوك والسعدان وتلقيه في طريق النبي عليه الصلاة والسلام؛ إيذاءً له وكانت جارته، أو هو النميمة إذ كانت تسعى عليه بالنمائم وتوقد بذلك نار الخصومة، أو حطب جهنم، فإنها كانت تحمل الأوزار بمعاداته، وتحمل زوجها على إيذائه.
قال "يا معاوية، إذا دخلت النار، فاعدل ذات اليسار، فإنك ستجد عمي أبا لهب، مفترشًا عمتك حمالة الحطب، فانظر أيهما خير".
وقال له معاوية يومًا: والله إن فيكم لخصلة ما تعجبني يا بني هاشم. قال: وما هي؟ قال: لِينٌ فيكم. قال: لينُ ماذا؟ قال: هو ذاك. قال: إيانا تُعَيِّر يا معاوية؟ أجل والله إن فينا للينا من غير ضعف، وعزًّا من غير جبروت، وأما أنتم يا بني أمية، فإن لينكم غدر، وعزكم كفر. قال معاوية: ما كل هذا أردنا يا أبا يزيد.
وقال معاوية لعقيل: لم جفوتنا يا أبا يزيد؟ فأنشأ يقول:
وإني امرؤ مني التكرم شيمة
…
إذا صاحبي يومًا على الهون أضمرا
ثم قال: "وايم الله يا معاوية، لئن كانت الدنيا مهدتك مهادها، وأظلتك بحذافير1 أهلها، ومدت عليك أطناب سلطانها، ما ذاك بالذي يزيدك مني رغبة، ولا تخشعا لرهبة" قال معاوية: "لقد نعتها أبا يزيد نعتا هش لها قلبي، وإني لأرجو أن يكون الله تبارك وتعالى ما رَدَّاني برداء ملكها، وحباني بفضيلة عيشها، إلا لكرامة ادخرها لي، وقد كان داود خليفة، وسليمان ملكًا، وإنما هو المثال يحتذى عليه، والأمور أشباه، وايم الله يا أبا يزيد، لقد أصبحت علينا كريمًا، وإلينا حبيبًا، وما أصبحت أضمر لك إساءة".
"العقد الفريد 2: 110-119، البيان والتبيين 2: 174"
1 الحذافير: جمع حذفور أو حذفار "كعصفور وقرطاس" وهو الجانب.