الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
358-
خطبة معاوية:
فقال معاوية: "مرحبًا بكم يا معشر العرب، أما والله لئن فرقت بينكم الدعوة، لقد جمعتكم الرحم، إن الله اختاركم من الناس ليختارنا منكم، ثم حفظ عليكم نسبكم بأن تخير لكم بلادًا يجتاز عليها المنازل، حتى صفاكم من الأمم كما تصفى الفضة البيضاء من خبثها، فصونوا أخلاقكم، ولا تدنسوا أنسابكم وأعراضكم، فإن الحسن منكم أحسن لقربكم منه، والقبيح منكم أقبح لبعدكم عنه".
359-
خطبة الأحنف بن قيس:
فقال الأحنف: "والله يا أمير المؤمنين ما نعدم منكم قائلًا جزيلًا1، ورأيًا أصيلًا، ووعدًا جميلًا، وإن أخاك زيادًا لمتبع آثارك فينا، فنستمتع الله بالأمير والمأمور؛ فإنكم كما قال زهير -فإنه ألقى على المداحين فصول القول-:
وما يكُ من خير أتوه فإنما
…
توارثه آباءُ آبائهم قبلُ
وهل ينبت الخطَّيَّ إلا وشيجُه
…
وتغرس إلا في منابتها النخلُ"2
"زهر الآداب 1: 58"
1 الجزيل: العاقل الأصيل الرأي.
2 الخطي: الرمح، نسبة إلى الخط: مرفأ السفن بالبحرين تنسب إليه الرماح لأنها تباع به لا أنه منبتها، والوشيج، شجر الرماح جمع وشيجة.
360-
وفد العراق على معاوية وفيهم دغفل النسابة:
قدم وفد العراق على معاوية، وفيهم دغفل1؛ فقال له معاوية: يا دغفل أخبرني عن ابني نزار: ربيعة ومضر، أيهما كان أعز جاهلية وعالمية؟ فقال: يا أمير المؤمنين مضر بن نزار كان أعز جاهلية وعالمية. قال معاوية: وأي مضر كان أعز؟ قال:
1هو دغفل بن حنظلة النسابة من بني شيبان.
بنو النضر بن كنانة، كانوا أكثر العرب أمجادًا، وأرفعهم عمادًا وأعظمهم رمادًا. قال: فأي بني كنانة كان بعدهم أعزّ؟ قال: بنو مالك بن كنانة، كانوا يعلون من ساماهم، ويكفون من ناوأهم، ويصدقون من عاداهم. قال: فمن بعدهم؟ قال: بنو الحرب بن عبد مناة بن كنانة، كانوا أعزّ بنيه وأمنعهم، وأجودهم وأنفعهم. قال: ثم من بعدهم؟ قال: بنو بكر بن عبد مناة، كان بأسهم مرهوبًا، وعدوهم منكوبًا، وثأرهم مطلوبًا. قال: فأخبرني عن مالك بن عبد مناة بن كنانة، وعن مرة وعامر ابني عبد مناة. قال: كانا أشرافًا كرامًا، وليس للقوم أكفاء ولا نظراء. قال: فأخبرني عن بني أسد؟ قال: كانوا يطعمون السديف1، ويكرمون الضيوف، ويضربون في الزحوف2، قال: فأخبرني عن هذيل، قال: كانوا قليلًا أكياس3، أهل منعة وباس، ينتصفون من الناس، قال: فأخبرني عن بني ضبة؟ قال: كانوا جمرة من جمرات العرب الأربع4، لا يُصطَلَى بنارهم، ولا يفاتون بثارهم، قال: فأخبرني عن مزينة، قال: كانوا في الجاهلية أهل منعة، وفي الإسلام أهل دِعَة. قال: فأخبرني عن تميم، قال: كانوا أعزّ العرب قديمًا، وأكثرها عظيمًا، وأمنعها حريمًا، قال: فأخبرني عن قيس، قال: كانوا لا يفرحون إذا أُدِيلوا5، ولا يجزعون إذا ابتلوا، ولا يبخلون إذا سئلوا، قال: فأخبرني عن أشرافهم في الجاهلية، قال: غطفان بن سعد وعامر بن صعصعة وسليم بن منصور؛ فأما غطفان فكانوا كرامًا سادة، وللخميس6
1 شحم السنام.
2 مصدر زحف أو جمع زحف كشمس وهو الجيش يزحفون إلى العدو.
3 جمع كيس: وهو العاقل.
4 قال صاحب العقد: "جمرات العرب، هم بنو نمير بن عامر بن صعصعة، وبنو الحارث بن كعب، وبنو ضبة بن أد بن طانجة، وبنو عبس بن بغيض، وإنما قيل لهذه القبائل جمرات؛ لأنها تجعت في أنفسها، ولم يدخلوا معهم غيرهم، والتجمير: التجميع، ومنه قيل: جمرة العقبة لاجتماع الحصى فيها، ومنه قيل: لا تجمروا المسلين فتفنوهم، وتفتنوا نساءهم، يعني لا تجمعوهم في المغازي.. إلخ"- العقد 2: 57.
5 أداله الله من عدوه: نصره عليه.
6 الخميس: الجيش. سمي بذلك لأنه خمس فرق: المقدمة، والقلب، والميمنة، والميسرة، والمؤخرة.
قادةٌ، وعن البَيْض ذادَةٌ1؛ وأما بنو عامر فكثيرٌ سادتهم، مخشيةٌ سَطوتُهم، ظاهرة نجدتُهم؛ وأما بنو سليم فكانوا يدركون الثار، ويمنعون الجار، ويعظمون2 النار، قال: فأخبرني عن قومك بكر بن وائل واصدقْني، قال: كانوا أهل عز قاهر، وشرف ظاهر، ومجد فاخر، قال: فأخبرني عن إخوتهم تغلب، قال: كانوا أسودًا تُرهب، وسمامًا3 لا تُقرب، وأبطالًا لا تكذب، قال: فأخبرني كم أُدِيلوا عليكم في قتلكم كليبًا؟ قال: أربعين سنة، لا ننتصف منهم في موطن نلقاهم فيه، حتى كان يوم التحاليق، يوم الحارث من عُباد بعد قِتلة ابنه بجير، وكان أرسله في الصلح بين القوم فقتله مهلهل، وقال: بُؤْ بشِسْعِ4 نعلِ كليب، فقال الغلام: إن رضيَت بهذا بنو بكر رضيتُ؛ فبلغ الحارث، فقال: نعم القتيل قتيلًا إن أصلح الله به بين بكر وتغلب وباء بكليب، فقيل له: إنما قال مهلهل ما قال "الكلمة5"، فتشمر الحرث للحرب، وأمرنا بحلق رءوسنا أجمعين، وهو يوم التحاليق، وله خبر طول، وقال:
قربا مربط النعامة مني
…
لقحت حرب وائل عن حيال6
لم أكن من جناتها -علم الله-
…
وإني بحرها اليوم صالي
قربا مربط النعامة مني
…
إن بيع الكرام بالشسع غالي
فأدلنا عليهم يومئذ؛ فلم نزل منهم ممتنعين إلى يومنا هذا. قال: فمن ذهب يذكر ذلك اليوم؟ قال: الحارث بن عباد، أسر مهلهلًا في ذلك اليوم، وقال له: دلني على مهلهل بن ربيعة، قال: مالي إن دللتك عليه؟ قال: أطلقك، قال: على الوفاء؟ قال: نعم، قال له: أنا مهلهل، قال: ويحك! دُلَّني على كفءٍ كريم، قال: امرؤ القيس7
1 البيضة: حوزة كل شيء وساحة القوم، وبيضة الدار: وسطها.
2 كناية عن الكرم.
3 جمع سم مثلث السين.
4 الشسع: سير يشد به النعل.
5 هي قوله "بؤ بشسع نعل كليب".
6 النعامة: اسم فرسه، ولقحت الناقة: قبلت اللقاح وحالت حيالًا: لم تلقح سنة، أو سنتين أو سنوات.
7 هو امرؤ القيس بن أبان التغلبي.
وأشار بيده إليه عن قرب؛ فأطلقه الحارث، وانطلق إلى امرئ القيس فقتله، وبكر كلها صبرت وأبلت فحسن بلاؤها؛ إلا ما كان من ابني لُجَيم: حذيفة وعِجْل، ويشكر بن بكر، فإن سعد بن مالك بن ضبيعة جد طرفة بن العبد، هجاهم في ذلك اليوم، فقال:
إن لجيمًا عجزت كلها
…
أن يرفدوني فارسًا واحدا1
ويشكر العام على خترها
…
لم يسمع الناس لهم حامدا2
وقال فيهم أيضًا:
يا بؤس للحرب التي
…
وضعت أراهط فاستراحوا3
إنا وإخوتنا غدًا
…
كثمود حجر يوم طاحو4
بالمشرفية لا نفرّ
…
ولا نباح ولن تباحوا5
من صد عن نيرانها
…
فأنا ابن قيس لا براح6
فقال معاوية: أنت والله يا دغفل أعلم الناس قاطبة بأخبار العرب".
"ذيل الأمالي 26"
1 الإرفاد: الإعانة والإعطاء.
2 الختر: الغدر أو أقبحه.
3 أراهط: جمع الجمع لرهط.
4 الحجر: واد بين المدينة والشام: مساكن ثمود قوم صالح.
5 مشارف الشام: قرى من أرض العرب تدنوا من الريف منها السيوف المشرفية. وفي ذيل الأمالي "ولا نباح ولن نباحوا" بالنون، وقد أصلحته "ولن تباحوا" بالتاء على الالتفات من التكلم إلى الخطاب، أي ولن تباحوا يا قوم ما دمنا لكم حماة، وقال مصحح الأمالي:"ولن نباحوا" كذا في الأصل، ولعل هنا تحريفًا، ووجه الكلام "كمن يباح".
6 قولهم لا براح كقولهم لا ريب، ويجوز رفعه فتكون لا بمنزلة ليس.