الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
270-
خطبة عبيد الله بن زياد بن أبيه بين يدي معاوية
"قتل سنة 67هـ":
قدم عبيد الله بن زياد على معاوية بعد هلالك زياد، جعل يتصدى منه بخلوة، ليسبر من رأيه ما كره أن يُشْرَكَ في علمه؛ فاستأذن عليه بعد انصداع الطلاب، واشتغال الخاصة، وافتراق العامة، وهو يوم معاوية الذي كان يخلو فيه بنفسه، ففطن معاوية لما أراد، فبعث إلى ابنه يزيد وإلى مروان بن الحكم وإلى سعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحكم، وعمرو بن العاص، فلما أخذوا مجالسهم أذن له، فسلم ووقف واجمًا يتصفح وجوه القوم. ثم قال:
"صريح العقوق مكاتمة الأدنَيْنَ، لا خير في اختصاص وإن وَفَر، أحمد الله إليكم على الآلاء1، وأستعينه على اللأواء2، وأستهديه من عمى مجهد، وأستعينه على عدو مرصد3، وأشهد أن لا إله إلا الله المنقذ بالأمين الصادق من شفا جرف هار4، ومن بَدٍّ غارٍ5، وصلوات الله على الزكي نبي الرحمة، ونذير الأمة، وقائد الهدى، أما بعد يا أمير المؤمنين: فقد عسف بنا ظنٌ فرَّع6، وفذعٌ7 صدَّع، حتى طمع السحيقُ8، وبئس الرفيقُ، ودبَّ الوشاةُ بموت زياد، فكلهم مستحقِر9
1 النعم.
2 الشدة.
3 أرصدت له: أعددت.
4 الشفا: حرف كل شيء، والجرف كعتق وقفل: ما تجرفته السيول وأكلته من الأرض، وهار الجرف: انصدع ولم يسقط فهو هار كقاض، وهو مقلوب من هائر، فإذا سقط فقد انهار وتهور.
5 البد: التعب، والغاري: الملازم الشامل، من غرا السمن قلبه لزق به وغطاه.
6 فرّع بين القوم وفرق بمعنى واحد: أي أن هذا الظن فرق بيننا وبينك فجافيتنا.
7 هي في الأصل "فرع" وأراها محرفة عن قذع وهي التي تناسب المقام. قذعه قذعا "بالسكون" رماه بالفحش وسوء القول كأقذعه، والقذع محركة: الخنا والفحش والقذر، وصدع: شقق وفرق: أي أن مارمانا به الوشاة لديك من سوء القول فرق بيننا وبينك.
8 البعيد.
9 في الأصل هكذا بمعنى محتقر، أي محتقر لنا لمعاداته إيانا، وأنه لا يبالي بمعاداتنا لما نابنا من الضعف بموت زياد، وربما كان "متحفز للعداوة" أي متوثب مستوفز أو "مسحنفر للعداوة" من اسحنفر: إذا مضى مسرعًا.
للعداوة، وقد قلص الآزرة1، وشمر عن عطافه2 ليقول: مضى زياد بما استلحق به، ودل على الأناة3 من مستلحقه؛ فليت أمير المؤمنين سلم في دعته4، وأسلم5 زيادًا في ضيعته؛ فكان ترب6 عامته، وأحد رعيته، فلا تشخص7 إليه عين ناظرة، ولا إصبع مشير، ولا تندلق8 عليه ألسنٌ كلمته حيًّا، ونَبَشَته ميتًا؛ فإن تكن يا أمير المؤمنين حابيت زيادًا بأول رفات، ودعوة أموات، فقد حاباك زياد بحد هصور، وعزم جسور، حتى لانت شكائم الشرِس، وذلت صعبة الأشوس9، وبذل لك يا أمير المؤمنين يمينه ويساره، تأخذ بهما المنيع، وتقهر بهما البديع، حتى مضى والله يغفر له، فإن يكن أخذ بحق أنزله منازل الأقربين، فإن لنا بعده ما كان له، بدالة الرحم، وقرابة الحميم؛ فما لنا يا أمير المؤمنين نمشي الضراء10، ونشتف النضار11؟
ولك من خيرنا أكمله، وعليك من حوبنا12 أثقله، وقد شهد القوم، وما ساءني قربهم ليقروا حقًّا، ويردوا باطلًا؛ فإن للحق منارًا واضحًا. وسبيلًا قصدًا13. فقل يا أمير المؤمنين بأي أمريك شئت، فما نأرِزُ14 على غير جُحْرِنا، ولا نستكثر بغير حقنا، وأستغفر الله لي ولكم".
1 الآزرة والأزر بضمتين: جمع إزار، وهو الملحفة.
2 العطاف: الرداء، وجمعه عطف بضمتين، وأعطفة، وكذا المعطف بالكسر، وهو مثل إزار، ومئزر، ولحاف، وملحف.
3 في الأصل "الأنية" وأراه محرفا عن "الأناة" وهي الحلم.
4 الدعة: الخفض.
5 أسلمه: خذله، أي فليته ترك زيادًا ضائع النسب مغمورًا ولم يستلحقه.
6 الترب: من ولد معك: أي فكان تربًا لأحد عامة الناس، ولم يكن تربًا لك فلا يقدر له قدر.
7 أي فلا ترتفع.
8 اندلق السيل: اندفع، والسيف انسل بلا سل أو شق جفنه فخرج منه، وكلمته: جرحته وآذته.
9 وصف من الشوس بالتحريك، وهو النظر بمؤخر العين تكبرًا، أو تغيظًا.
10 الضراء: الشجر الملتف في الوادي، يقال توارى الصيد منه في ضراء، وفلان يمشي الضراء: إذا مشي مستخفيًا فيما يواري من الشجر.
11 اشتف ما في الإناء: شربه كله، والنضار: الذهب أو الفضة، والمراد: نمنع منه، ولا نمكن من أخذه، أي يحال بيننا وبين الولاية.
12 الحوب بضم الحاء وفتحها: الإثم، أي وعليك من آثامنا التي ارتكبناها في سبيل تأييد سلطانك أثقلها. وفي بعض النسخ:"من جوابنا" أي من جوابنا حين يسألنا المولى عما أتينا من أخذ الناس بالعسف والإرهاق لتمكين ملكك.
13 القصد: استقامة الطريق.
14 من أرزت الحية: أي لاذت بجحرها ورجعت إليه.