الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم يلقحون1 الفتن بالفجور، ويشققون لها حطب النفاق، عيابون مرتابون، إن لووا عروة أمر حنفوا، وإن دُعُوا إلى غيٍّ أسرفوا، وليسوا أولئك بمنتهين ولا بمقلعين ولا متعظين، حتى تصيبهم صواعق2 خزي وبيل، وتحل بهم قوارع3 أمر جليل، تجتث4 أصولهم كاجتثاث أصول الفقع، فأولى لأولئك ثم أولى، فإنا قد قدمنا وأنذرنا، إن أغنى التقدم شيئا أو نفع النذر5".
1 في الأصل "يلحقون" وهو تحريف، وصوابه:"يلقحون" من ألقح الناقة والنخلة.
2 جمع صاعقة: وهي الموت وكل عذاب مهلك. وأرض وبيلة: وخيمة المرتع.
3 جمع قارعة، وهي الداهية الفاجئة. قال تعالى:{وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ} .
4 تقتلع، والفقع بالفتح ويكسر: البيضاء الرخوة من الكمأة.
5 النذر: الإنذار. قال تعالى: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} أي إنذاري، وفي الإمامة والسياسة عقب هذه الخطبة:"فدعا معاوية الضحاك، فولاه الكوفة، ودعا عبد الرحمن فولاه الجزيرة".
234-
خطبة يزيد بن المقنع:
ثم قام يزيد بن المقنع، فقال:
"أمير المؤمنين هذا -وأشار إلى معاوية- فإن هلك فهذا -وأشار إلى يزيد، فمن أبى فهذا -وأشار إلى سيفه"، فقال معاوية: اجلس فإنك سيد الخطباء.
235-
خطبة الأحنف:
ثم تكلم الأحنف بن قيس، فقال:
"يا أمير المؤمنين: أنت أعلمنا بيزيد في ليله ونهاره، وسره وعلانيته، ومدخله ومخرجه، فإن كنت تعلمه لله رضا ولهذه الأمة، فلا تشاور الناس فيه، وإن كنت تعلم
منه غير ذلك، فلا تزوده الدنيا وأنت صائر إلى الآخرة، فإنه ليس لك من الآخرة إلا ما طاب، واعلم أنه لا حجة لك عند الله إن قدمت يزيد على الحسن والحسين، وأنت تعلم من هما، وإلى ما هما، وإنما علينا أن نقول:{سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} .
قال صاحب العقد: فتفرق الناس، ولم يذكروا إلا كلام الأحنف، ثم بايع الناس ليزيد بن معاوية، فقال رجلٌ وقد دُعِيَ إلى البيعة:"اللهم إني أعوذ بك من شرِّ معاوية" فقال له معاوية: "تعوذ من شر نفسك، فإنه أشد عليك وبايع" فقال: "إني أبايع وأنا كاره للبيعة"، فقال له معاوية: بايع أيها الرجل، فإن الله يقول:{فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} .
أما ابن قتيبة فيقول:
قالوا: فاستخار اللهَ معاويةُ، وأعرض عن ذكر البيعة، حتى قدم المدينة سنة خمسين، فتلقاه الناس، فلما استقر في منزله أرسل إلى عبد الله بن عباس، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وأمر حاجبه ألا يأذن لأحد من الناس حتى يخرج هؤلاء النفر، فلما جلسوا تكلم معاوية فقال:
236-
خطبة معاوية:
"الحمد لله الذي أمرنا بحمده، ووعدنا عليه ثوابه، نحمده كثيرًا، كما أنعم علينا كثيرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد، فإني قد كبر سني، ووهن عظمي، وقرب أجلي، وأوشكت أن أُدعى فأجيب، وقد رأيت أن أستخلف عليكم بعدي بزيد، ورأيته لكم رضًا، وأنتم عبادلة قريش وخيارها وأبناء خيارها، ولم يمنعني أن أحضر حسنًا وحسينًا إلا أنهما أولاد أبيهما، على حسنِ رأيي فيهما، وشديدِ محبتي لهما، فردُوا على أمير المؤمنين خيرًا، يرحمكم الله".