الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قولهم، إن السيوف لتعرف أكفنا، وإن الموت ليستعذب أرواحنا، وقد علمت الحرب الزبون، أنا نقرعُ جماحها، ونحلبُ صراها1" ثم جلس2.
"الأمالي 2: 259"
1 الصرى: بقية اللبن.
2 وفي رواية الجاحظ: "قالوا: ولما قدمت خطباء نزار عند معاوية؛ فذهبت في الخطب كل مذهب، قام صبرة بن شيبان فقال: "يا أمير المؤمنين: إنا حي فعال، ولسنا حي مقال، ونحن نبلغ بفعالنا أكثر من مقال غيرنا "البيان والتيين 1: 164"، وروى المبرد في الكامل هذا القول عن صبرة أيضًا –انظر تهذيب الكامل 1: 16، وقد تقدم لك أن صبرة بن شيمان من الأزد – انظر الجزء الأول ص436.
385-
سؤال عبد الملك للعجاج وما أجاب به:
ودخل العجاج1 على عبد الملك بن مروان، فقال: يا عجاج: بلغني أنك لا تقدر على الهجاء، فقال: يا أمير المؤمنين، من قدر على تشييد الأبنية، أمكنه إخراب الأخبية، قال: فما يمنعك من ذلك؟ قال: إن لنا عزًّا يمنعنا من أن نظلَم، وإن لنا حلمًا يمنعنا من أن نظلِم، فعلام الهجاء؟ فقال: لكلماتك أشعر من شعرك! فأنى لك عزٌّ يمنعك من أن تُظلَم؟ قال: الأدبُ البارعُ، والفهمُ الناصعُ، قال: فما الحلم الذي يمنعك من أن تظلِم؟ قال: الأدب المستطرف، والطبع التالد، قال: يا عجاج لقد أصبحت حكيمًا. قال: وما يمنعني وأنا بحيُّ2 أمير المؤمنين؟ ".
"الأمالي 2: 49، وزهر الآداب 2: 264"
1هو العجاج بن رؤبة راجز مجيد مشهور، مات سنة 90هـ.
2 مسار.
386-
وفود الحجاج بإبراهيم بن محمد بن طلحة على عبد الملك بن مروان
لما ولي الحجاج بن يوسف الحرمين بعد قتله ابن الزبير، استخص إبراهيم بن محمد بن طلحة، فقربه وعظم منزله، فلم تزل تلك حاله عنده، حتى خرج إلى عبد الملك بن مروان، فخرج معه معادلا، لا يقصر له في بِرٍّ وإعظام، حتى حضر به عبد الملك، فلما
دخل عليه لم يبدأ بشيء بعد السلام، إلا أن قال له:"قدمت عليك أمير المؤمنين برجل الحجاز، لم أدع له بها نظيرًا في الفضل والأدب، والمروءة، وحسن المذهب، مع قرابة الرحم، ووجوب الحق، وعظم قدر الأبوة، وما بلوت منه في الطاعة والنصيحة، وحسن المؤازرة. وهو إبراهيم بن محمد بن طلحة، وقد أحضرته بابك، ليسهل عليه إذنك، وتعرف له ما عرَّفتك". فقال: أذكرتنا رحمًا قريبة، وحقًّا واجبًا، يا غلام: ائذن لإبراهيم بن محمد بن طلحة، فلما دخل عليه أدناه عبد الملك حتى أجلسه على فراشه، ثم قال له: يابن طلحة، إن أبا محمد "الحجاج" ذكَّرنا ما لم نعرفك به من الفضل والأدب، والمروءة، وحسن المذهب، مع قرابة الرحم، ووجوب الحق، وعظم قدر الأبوة، وما بلاه منك في الطاعة والنصيحة، وحسن المؤازرة، فلا تدعن حاجة في خاصة نفسك وعامتك إلا ذكرتها. فقال: يا أمير المؤمنين، إن أول الحوائج، وأحق ما قدم بين يدي الأمور، ما كان لله فيه رضًا، ولحق نبيه صلى الله عليه وسلم أداء، ولك فيه ولجماعة المسلمين نصيحة، وعندي نصيحة لا أجد بدًّا من ذكرها، ولا أقدر على ذلك إلا وأنا خالٍ، فأخلني يا أمير المؤمنين ترد عليك نصيحتي، قال: أدون أبي محمد؟ قال: نعم، دون أبي محمد، قال عبد الملك: للحجاج قم، فلما خطرف1 الستر أقبل على إبراهيم، فقال: يابن طلحة قل نصيحتك، قال: بالله يا أمير المؤمنين لقد عهدت إلى الحجاج في تغطرسه وتعجرفه، وبعده من الحق وقربه من الباطل، فوليته الحرمين، وهما ما هما وبهما من بهما من المهاجرين والأنصار، والموالي الأخيار، يسومهم الخسف2 ويحكم فيهم بغير السنة، بعد الذي كان من سفك دمائهم، وما انتهك من حرمهم، ويطؤهم بطغام أهل الشام، ورعاع لا روية لهم في إقامة حق، ولا في إزاحة باطل، ثم تظن أن ذلك ينجيك من عذاب الله؟ فكيف بك إذا جاثاك محمدٌ صلى الله عليه وسلم غدًا للخصومة بين يدي الله تعالى؟ أما والله إنك لن تنجو هناك إلا بحجة تضمن لك
1 المراد أرخي، من خطرف جلد المرأة: إذا استرخى.
2 يوليهم الذل.
النجاة، فاربع على نفسك أو دع، وكان عبد الملك متكئًا، فاستوى جالسًا، وقال: كذبت ومنت1 فيما جئت به! ولقد ظن بك الحجاج ظنًّا لم نجده فيك، وقد يظن الخير بغير أهله، قم فأنت المائن الحاسد! قال: فقمت والله ما أبصر شيئًا، فلما خطرف الستر لحقني لا حق، فقال للحاجب: امنع هذا من الخروج، وأذن للحجاج، فدخل فلبث مليًّا، ولا أشكُّ أنهما في أمري، ثم خرج الإذن لي، فدخلت، فلا كشف لي الستر، إذ أنا بالحجاج خارج، فاعتنقني، وقبل ما بين عيني، وقال: أما إذا جزى الله المتواخِيَيْن خيرًا فضل تواصلهما، فجزاك الله عني أفضل الجزاء فوالله لئن سلمت لك لأرفعن ناظريك، ولأعلين كعبك، ولأتبعن الرجال غبار قدميك، قال: فقلت في نفسي إنه ليسخر بي، فلما وصلت إلى عبد الملك أدناني حتى أدناني مجلسي الأول، ثم قال: يابن طلحة: هل أعلمت الحجاج بما جرى أو شاركك أحد في نصيحتك؟ فقلت: لا والله، ولا أعلم أحدًا أظهر يدًا عندي من الحجاج، ولو كنت محابيًا أحدًا بديني لكان هو، ولكنِّي آثرتُ الله ورسوله والمسلمين، قال: قد علمت أنك لم ترد الدنيا، ولو أردتها لكانت لك في الحجاج، ولكن أردتَ الله والدار الآخرة، وقد عزلته عن الحرمين لما كرهت من ولايته عليهما، وأعلمته أنك استنزلتني له عنهما استقلالا لهما، ووليته العراقين وما هنالك من الأمور، التي لا يدحضها إلا مثله، وإنما قلت له ذلك ليؤدي ما يلزمه من ذمامك، فإنك غير ذام لصحبته مع يدك عنده، فخرجت مع الحجاج وأكرمني أضعاف إكرامه.
"العقد الفريد 1: 121، وسرح العيون ص119"
1 مان مينا: كذب.