الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
368-
وفود أم سنان بنت خيثمة على معاوية:
حبس مروان بن الحكم، وهو والي المدينة، في خلافة معاوية، غلامًا من بني ليث في جناية جناها؛ فأتته جدة الغلام، وهي أم سنان بنت خيثمة1 المذحجية؛ فكلمته في الغلام فأغلظ لها مروان، فخرجت إلى معاوية، فدخلت عليه فانتسبت فعرفها، فقال لها: مرحبًا بك يا بنة خيثمة، ما أقدمك أرضنا، وقد عهدتك تشتميننا2 وتحضين علينا عدوَّنا؟ قالت: إن لبني عبد مناف أخلاقًا طاهرة، وأعلامًا ظاهرة، وأحلامًا وافرة، لا يجهلون بعد علم، ولا يسفهون بعد حلم، ولا ينتقمون بعد عفو، وإن أولى الناس باتباع ما سن آباؤه لأنت، قال: صدقت، نحن كذلك، فكيف قولك؟
عَزَبَ الرقادُ، فمقلتي لا ترقد
…
والليل يصدر بالهموم ويورد3
يا آل مذحج لا مقامَ فشمروا
…
إن العدوَّ لآل أحمد يقصد
هذا عليٌّ كالهلال تحفُّه
…
وسط السماء من الكواكب أسعُد4
خير الخلائق وابن عم محمد
…
إن يهدكم بالنور منه تهتدوا
ما زال مذ شهد الحروب مظفرا
…
والنصر فوق لوائه ما يفقد
قالت: قد كان ذلك يا أمير المؤمنين، وأرجو أن تكون لنا خلفًا بعده؛ فقال رجل من جلسائه. كيف يا أمير المؤمنين؟ وهي القائلة:
إما هلكت أبا الحسين فلم تزل
…
بالحق تعرف هاديًا مهديّا
فاذهب -عليك صلاة ربك- ما دعت
…
فوق الغصون حمامة قمريّا5
1 في صبح الأعشى "جشمية"، وهو تحريف: وتحريره: ما ذكرنا.
2 وفي بلاغات النساء: "تشنئين قربى" أي تبغضين.
3 عزب: بعد.
4 سعود النجوم عشرة: سعد بلع "بضم ففتح" وسعد الأخبية، وسعد الذابح، وسعد السعود، وهذه الأربعة من منازل القمر، وسعد ناشرة، وسعد الملك، وسعد البهام ككتاب، وسعد الهمام كشجاع، وسعد البارع، وسعد مطر وهذه الستة ليست من المنازل.
5 ضرب من الحمام والجمع قمارى.
قد كنت بعد محمد خلفًا كما
…
أوصى إليك بنا، فكنت وفيّا
واليوم لا خلفٌ يؤمل بعده
…
هيهات نأمل بعده إنسيّا
قالت: يا أمير المؤمنين لسان نطق، وقول صدق، ولئن تحقق فيك ما ظنناه، لحظك الأوفر، والله ما أورثك الشنآنُ1 في قلوب المسلمين إلا هؤلاء؛ فأدحض مقالتهم، وأبعد منزلتهم، فإنك إن فعلت ذلك تزدد من الله قربًا، ومن المؤمنين حبًّا، قال: وإنك لتقولين ذلك؟ قالت: يا سبحان الله، والله ما مثلك من مدح بباطل، ولا اعتذر إليه بكذب، وإنك لتعلم ذلك من رأينا، وضمير قلوبنا، كان والله عليٌّ أحبَّ إلينا منك، وأنت أحب إلينا من غيرك قال: ممن؟ قالت: من مروان بن الحكم وسعيد بن العاص. قال: وبم استحققتُ ذلك عندك؟ قالت بسعة حلمك، وكريم عفوك، قال: وإنهما يطمعان في ذلك؟ قالت: هما والله لك من الرأي على مثل ما كنت عليه لعثمان بن عفان رحمه الله تعالى2. قال: والله لقد قاربت، فما حاجتك؟ قالت: يا أمير المؤمنين إن مروان تَبَنَّكَ3 بالمدينة تبنك من لا يريد منها البراح، لا يحكم بعدلٍ. ولا يقضي بسنةٍ، يتتبع عثراتِ المسلمين، ويكشف عوراتِ المؤمنين، حبس ابن ابني؛ فأتيتُه، فقال: كيت وكيت، فألقمته أخشن من الحجر، وألعقته أمر من الصبر، ثم رجعت إلى نفسي باللائمة، وقلت: لم لا أصرف ذلك إلى من هو أولى بالعفو منه، أتيتك يا أمير المؤمنين لتكون في أمري ناظرًا، وعليه معديًا4، قال: صدقت، لا أسألك عن ذنبه ولا عن القيام بحجته، اكتبوا لها بإطلاقه. قالت: يا أمير المؤمنين، وأنَّى لي بالرجعة، وقد نفد زادي، وكلت راحلتي، فأمر لها براحلة موطأة، وخمسة آلاف درهم.
"العقد الفريد 1: 131، وصبح الأعشى 1: 257، وبلاغات النساء ص67"
1 البغض.
2 تريد أنهما يأملان الخلافة بعدك كما كنت تأملها بعد عثمان.
3 تبنك به: أقام.
4 أعداه عليه: نصره، وأعانه، وقواه.