الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شكر وتقدير
بادئ ذي بدء لا يسعني إلا أن أقدم بين يدي هذه الرسالة العلمية، وأتوج جبين هذه الآثار السلفية، وأزين جيدها بحلل الشكر البهية، التي أتوجه بها إلى الخالق رب البرية، المنعم على عباده بالنعم الخفية والجلية، فله خالص الشكر، وطيب الذكر، فالعجز عن موافاة نعمه من طبيعة البشر.
كما أهتبلها فرصة مناسبة لتسطير أسمى مشاعر الفضل والعرفان، لأهل هذه البلاد الطيبة الأركان، التي أقمتُ في رحابها برحابة صدور الأهل والإخوان، وجاورت بمدينة سيد ولد عدنان، متعلما ومتربيا وناهلا من علوم أهل الإيمان.
وأخص بالذكر فضيلة شيخي ومشرفي الشيخ الدكتور محمد بن ربيع بن هادي المدخلي، الذي تفضل بالإشراف على هذه الرسالة، إلى أن اكتملت وخرجت في هذه الصورة، وكان نعم الموجه والمشجع في رحابة صدر، ودقة ملاحظة ولين جانب، وحرص على الرقيِّ بمستوى الرسالة إلى أعلى درجاتها فجزاه اللَّه عني خيرًا.
وكلًّا من أصحاب الفضيلة المشايخ: الشيخ الدكتور إبراهيم بن محمد نور سيف، والشيخ الدكتور عبد الرحمن الرشيدان، والشيخ الدكتور صالح العقيل، الذين استفدت من ملاحظاتهم العلمية وفوائدهم الحديثية، لا سيما في التخريج والتراجم.
وقسم المخطوطات بالجامعة الإسلامية وأخص بالذكر مديره فضيلة
الأستاذ أحمد الرحيلي الذي تعاون معي في تصوير كل مخطوطات ابن أبي الدنيا المتوفرة.
كما أتوجه بالشكر الجزيل للمناقشين الفاضلين اللذين تفضلا بقبول مناقشة هذه الرسالة وتفريغ جزء من وقتهما الثمين لتقويم هذا البحث، صاحب الفضيلة الأستاذ الدكتور أحمد عطية الغامدي. وفضيلة الدكتور عبد اللَّه دمفو، الذي عايش هذا البحث منذ بداياته الأولى، وتعاون معى بكل ما يمكنه، فتفضَّل بتزويدي بالمخطوطات النادرة لمصنفات ابن أبي الدنيا، وكذلك طبعات كتبه المختلفة، مع بحثه القيم في تلك الطبعات وتقويمها.
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد للَّه نحمده ونستيعنه ونستغفره، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا، من يهده اللَّه فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)}
(1)
(2)
(3)
، أما بعد:
فإن من أهم ما يجب على أهل الحق، أتباع الأنبياء والمرسلين -بعد العمل به- بيانه وتوضيحه، والدعوة إليه، والصبر والثبات على ما ينالهم في سبيل ذلك.
هذا وإن الدعوة إلى منهج السلف وسلوك طريقهم في العمل بهذا الدين وأحكامه، والاهتداء بهديه والالتزام بنصوصه، يتطلب تصوّر هذا الأمر وتقريب واقع تعاملهم مع ما ورثوه عن سيد المرسلين إلى الأنظار والأفهام، وذلك موقوف على تقليب صفحات كتبهم التي ألفوها في تلك
(1)
سورة آل عمران، من الآية (102).
(2)
سورة النساء، الآية (1).
(3)
سورة الأحزاب، الآية (70).
القرون المشرقة، والأزمان الفاضلة، وبحمد اللَّه وفضله أنهم نهضوا بهذا الواجب، وسدّوا هذا الجانب، ولم يتركوا ذريعة للمُجانب، يتذرّع بها إلى بدعة ويعاند.
ولا شكّ أن التأليف في كل عصر له ميزاته، ومن أهم ميزات تلك الفترة أن كلام السلف كان قليلا كثير البركة، وعلى قِلَّتِه فإنه مبثوث مفرّق في عدّة أنواع من الكتب، فمنهم من ألف كتبا حسب مواضيع معيّنة كالفقه والأخلاق والاعتقاد، ومنهم من ألف موسوعات كبيرة ضَمَّنَها كثيرًا من الآثار في مختلف العلوم، ككتب التراجم والتواريخ والجرح والتعديل وغير ذلك.
وإن من أولئك السلف الذين اهتموا بالآثار جمعا ودراسة وتصنيفا، الإمام العلامة الذي ذاع صيته وطبَّقَت شهرته وانتشرت كتبه، حتى إنه ليعرفه القاصى والداني، ذلك هو الإمام الهمام ابن أبي الدنيا رحمه الله، وهو اسم على مسمّى فقد ملأت الدنيا كتب ابن أبي الدنيا، حيث صنّف كتبا عديدة اشتملت على ثروة أثرية وأقوال سلفية قلّما توجد عند غيره، مع جودة التصنيف وتنوع التأليف، فألف في عدّة أبواب من أبواب العلوم الشرعية، اشتهرت -عند الناس- بأنها كتب زهدية وتآليف وعظية، لكن نظرة عابرة في هذه الكتب تعطي فكرة جديدة وانطباعا مغايرا، دفعاني -مع غيرهما من الأسباب- لأن أجعل موضوع بحثى لمرحلة الدكتوراة -إن شاء اللَّه- في جمع الآثار العقدية الواردة في كتب ابن أبي الدنيا، وذلك لما يلي: