الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: الآثار الواردة في النهي عن الاستماع لأهل البدع
.
55 -
حدثني أحمد بن إسحاق بن عيسى الأهوازي قال: حدثنا أبو عبد الرحمن المقري قال: بلغني أن يونس بن عبيد
(1)
قال لرجل: "آمرك بثلاث: بالتودّد إلى الناس فإنه نصف العقل، والاقتصاد في النفقة فإنه ثلث الكسب، وحسن المسألة فإنه نصف العلم، وقال لرجل: أنهاك عن ثلاث: إيّاك والأمراء وإن قرؤوا عليك القرآن وقرأت عليهم، ولا تخلونّ بامرأة لست منها بسبيل، ولا تمكّن أذنيك من صاحب بدعة"
(2)
.
التحليل والتعليق
تضمن أثر يونس بن عبيد رحمه الله التحذير من السماع لأهل البدع، وقد كان ذلك منهج السلف عموما، يذكرونه في عقائدهم، كما قال أبو عثمان الصابوني في عقيدة السلف وأصحاب الحديث: "ويبغضون
(1)
هو يونس بن عبيد بن دينار العبدي، أبو عبيد البصري، ثقة ثبت فاضل ورع، مات سنة (139 هـ)، التقريب (7909).
(2)
رجاله ثقات وفيه انقطاع، فالمقري يرويه بلاغا، وهو حسن لغيره بطرقه، الإشراف (182) رقم (169)، وعبد الرزاق في المصنف (10/ 326) رقم (20666)، ومن طريقه البيهقي في شعب الإيمان (7/ 60) رقم (9459)، عن معمر عمن سمع الحسن، والخطيب في تاريخ بغداد (5/ 437)، عن يونس بن عبيد عن الحسن قال:"لا يمكن أحدكم أذنه من صاحب بدعة"، والظاهر أن يونس رواه عن الحسن، وقاله من عنده.
أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم، ولا يصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم، ولا يجالسونهم، ولا يجادلونهم في الدين، ولا يناظرونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالآذان، وقرَّت في القلوب، ضرَّت وجرت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جرت"
(1)
، وقال الذهبي:"أكثر أئمة السلف على هذا التحذير، يرون أن القلوب ضعيفة والشبه خطافة"
(2)
، وقد أوضح الإمام الشاطبي رحمه الله وجه النهي عن الاستماع إليهم فقال:"قد يكون المرء على يقين من أمر من أمور السنة، فيلقي له صاحب الهوى فيه هوى مما يحتمله اللفظ لا أصل له، أو يزيد له فيه قيدًا من رأيه، فيقبَله قلبُه، فإذا رجع إلى ما كان يعرفه وجده مظلمًا؛ ، فإما أن يشعر به فيرده بالعلم، أو لا يقدر على رده، وإما أن لا يشعر به فيمضي مع من هلك"
(3)
، وهذا الاشتباه الذي يقع للمرء إنما هو عقوبة من اللَّه له على سماعه لصاحب البدعة كما قال سفيان الثوري:"من أصغى بأُذنه إلى صاحب بدعة خرج من عصمة اللَّه وَوُكِل إليها يعني إلى البدع"
(4)
.
ولما كان صاحب البدعة يتجارى به الهوى كما يتجارى الكَلَب
(1)
عقيدة السلف وأصحاب الحديث (298 - 299)، ولا تكاد تجد كتابا جامعا من كتب الاعتقاد المسندة إلا وفيه باب في هجر المبتدع والنهي عن الاستماع إليه ونحو ذلك.
(2)
السير (7/ 261).
(3)
الاعتصام (66).
(4)
شرح السنة (60)، وانظر هجر المبتدع للشيخ بكر أبو زيد (35 - 38).
بصاحبه، بيّن الشاطبي رحمه الله الربط بين الأمرين فقال:"داء الكَلَب فيه ما يشبه العدوى، فإن أصل الكَلب واقع بالكَلْب، ثم إذا عض ذلك الكَلْب أحدًا صار مثلَه، ولم يقدر على الانفصال منه في الغالب إلا بالهلكة، فكذلك المبتدع إذا أورد على أحد رأيه وإشكاله، فقلما يسلم من غائلته، بل إما أن يقع معه في مذهبه ويصير من شيعته، وإما أن يثبت في قلبه شكا يطمع في الانفصال عنه فلا يقدر. . . وقد أتى في الآثار ما يدل على هذا المعنى؛ فإن السلف الصالح نهوا عن مجالستهم ومكالمتهم وكلام مُكَالِمِهِم، وأغلظوا في ذلك"
(1)
.
(1)
الاعتصام (343).