الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التحليل والتعليق
تضمنت الآثار السابقة بيان فضل التوحيد، وعظيم منزلة شهادة أن لا إله إلا اللَّه، وقد تنوعت دلالتها على ذلك، حتى انتظمت تحت أنواع من النصوص كل نوع تحته مجموعة غير يسيرة من الآثار، وهى فضائل كثيرة لا يمكن استقصاؤها
(1)
، وإنما الغرض التنبيه بتنويعها على أهمية ما دلت عليه وفضله، كما قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله "ليس شيء من الأشياء له من الآثار الحسنة، والفضائل المتنوعة مثل التوحيد؛ فإن خير الدنيا والآخرة من ثمرات هذا التوحيد وفضائله"
(2)
.
فتفاضل الأعمال يكون بحسب التوحيد الذي في القلب، قال ابن القيم:"الأعمال تتفاضل بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والمحبة، والتعظيم والإجلال، وقصد وجه المعبود وحده دون شيء من الحظوظ سواه، حتى لتكون صورة العملين واحدة وبينهما في الفضل ما لا يحصيه إلا اللَّه تعالى"
(3)
.
وهو أعظم نِعَمِ اللَّه على العبد قال ابن القيم: "ما مُنِح العبد منحة أفضل من منحة القول الثابت، ويجد أهل القول الثابت ثمرته أحوج ما
(1)
انظر كلمة الإخلاص لابن رجب (56).
(2)
القول السديد في مقاصد التوحيد (3/ 11) ضمن المجموعة الكاملة لمؤلفات الشيخ.
(3)
المنار المنيف (33).
يكونون إليه في قبورهم ويوم معادهم"
(1)
.
وقد وصفه اللَّه بالإحسان كما فسر ابن المنكدر ومقاتل الآية
(2)
، ورتب عليه الجنة والجزاء من جنس العمل و"أعظم الإحسان الإيمان، والتوحيد، والإنابة إلى اللَّه، والإقبال عليه، والتوكل عليه، وأن يعبد اللَّه كأنه يراه إجلالا ومهابة وحياء ومحبة وخشية. . . فإن اللَّه إنما يرحم أهل توحيده المؤمنين به"
(3)
.
وهو كذلك مكفر للذنوب كما في أثر أبي حازم أن الذنوب تغفر عند تصحيح الضمائر، وهذه الفضيلة هي من بعض فضائله وآثاره
(4)
، وقد ترجم لها الإمام محمد بن عبد الوهاب في كتابه التوحيد بقوله:"باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب"، ولا شك أن التوحيد من جملة الأسباب لمغفرة الذنوب عموما، لكن في تكفيره كل الذنوب تفصيل ذكره ابن رجب الحنبلي فقال: "السبب الثالث من أسباب المغفرة: التوحيد، وهو السبب الأعظم، فمن فقده فقد المغفرة، ومن جاء به فقد أتى بأعظم أسباب المغفرة. . . فمن جاء مع التوحيد بقراب الأرض -وهو ملؤها أو ما يقارب ملأها خطايا- لقيه اللَّه بقرابها مغفرة، لكن هذا مع
(1)
الأمثال في القرآن (42).
(2)
وهى قوله تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60)} .
(3)
بدائع الفوائد (3/ 18).
(4)
القول السديد (12).
مشيئة اللَّه عز وجل؛ فإن شاء غفر له، وإن شاء أخذه بذنوبه، ثم كان عاقبته أن لا يخلد في النار، بل يخرج منها، ثم يدخل الجنة. . . فإن كمل توحيد العبد وإخلاصه للَّه فيه، وقام بشروطه كلها بقلبه ولسانه وجوارحه، أو بقلبه ولسانه عند الموت، أوجب ذلك مغفرة ما سلف من الذنوب كلها، ومنعه من دخول النار بالكلية"
(1)
.
كما أنه مطهر من الذنوب أيضًا بمعنى أن من حقق التوحيد فقد برئ من أنواع المخالفات وهي الشرك والمعاصي والبدع، كالشرك والنفاق والرياء التي وردت في الآثار السابقة، ولا شك أن التوحيد يقاوم المخالفات ويذهبها بحسبه، وفي تمام النص السابق لابن رجب يقول:"فمن تحقق بكلمة التوحيد قلبه أخرجت منه كل ما سوى اللَّه محبة وتعظيما وإجلالا ومهابة وخشية ورجاء وتوكلا، وحينئذ تحرق ذنوبه وخطاياه كلها، ولو كانت مثل زبد البحر، وربما قلبتها حسنات. . . فإن هذا التوحيد هو الإكسير الأعظم فلو وضع منه ذرة على جبال الذنوب والخطايا لقلبها حسنات".
وهو عُدَّةٌ لأهل الكبائر فقد تواترت النصوص على خروج أهل الكبائر من النار، وعدم خلودهم فيها، وهم تحت المشيئة إما أن لا يدخلوها أصلا وإن
(1)
جامع العلوم والحكم (1/ 398)، وراجع شروح كتاب التوحيد فقد ذكروا جميعا هذه المسألة وفصلوا القول فيها، وهداية الحيارى (1/ 130)، والمجموع (10/ 317).
دخلوها لم يخلدوا فيها، وسيأتي بيان ذلك في الأسماء والأحكام.
وهو أيضًا أعظم ما حورب به إبليس كما في توجيه مجاهد لمن لعن إبليس بأنه لا شيء أقطع لظهره من لا إله إلا اللَّه، قال شيخ الإسلام:"أهل الإخلاص والإيمان لا سلطان له عليهم، ولهذا يهربون من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة، ويهربون من قراءة آية الكرسي، وآخر سورة البقرة، وغير ذلك من قوارع القرآن. . . والكهانة كانت ظاهرة كثيرة بأرض العرب، فلما ظهر التوحيد هربت الشياطين، وبطلت أو قَلَّت ثم إنها تظهر في المواضع التي يختفي فيها أثر التوحيد"
(1)
، قال ابن القيم:"التوحيد حصن اللَّه الأعظم الذي من دخله كان من الآمنين"
(2)
.
ولذلك كان أجره عظيما في الآخرة حيث يجزى به العبد أحسن الجزاء كما في سبق في ثالثا، بل حتى في الدنيا كما جاء في أثر ابن واسع من إقبال القلوب عليه، بل الأمر أعم من ذلك كما قال ابن سعدي:"ومن فضائل التوحيد أن اللَّه تكفل لأهله بالفتح والنصر في الدنيا والعز والشرف وحصول الهداية والتيسير لليسرى، وإصلاح الأحوال، والتسديد في الأقوال والأفعال"
(3)
.
وهو كذلك من أعظم أسباب استجابة الدعاء كما في أثر الربيع
(1)
النبوات (280).
(2)
وذلك في معرض بيانه لأسباب الوقاية من الجن والعين والسحر، فعددها عشرة أسباب ثم ختمها بأعظمها وأهمها، بدائع الفوائد (2/ 470).
(3)
القول السديد (13).
والفضيل وابن إدريس وعبد العزيز بن سليمان، وقد قال شيخ الإسلام:"لو سأل اللَّه بإيمانه بمحمد، ومحبته له، وطاعته له واتباعه، لكان قد سأله بسبب عظيم، يقتضى إجابة الدعاء، بل هذا أعظم الأسباب والوسائل والنبي بيَّن أن شفاعته في الآخرة تنفع أهل التوحيد لا أهل الشرك"
(1)
.
ومن هنا كان آخر ما يقوله العبد في الدنيا ويلقن به من أشرف على الموت، هو لا إله إلا اللَّه، كما ورد في النصوص الدالة على التلقين والحث على أن تكون آخر كلمة يقولها المسلم وبيان الأجر العظيم على ذلك.
أما أثر النضر بن عربي من كون كلمة التوحيد شعار من يبعث من قبره، فهو وإن كان فيه فضل هذه الكلمة لكنه بلاغ ولم أجد ما يعضده، إلا في حديث ضعيف لم يثبت
(2)
، وبقية الفضائل كما قال الشيخ ابن سعدي -بعد تعداد لبعض فضائل التوحيد-:"وشواهد هذه الجمل من الكتاب والسنة كثيرة معروفة"
(3)
واللَّه أعلم.
(1)
المجموع (1/ 212).
(2)
انظر: ضعفاء العقيلي (4/ 193)، الكامل في الضعفاء (6/ 395)، مجمع الزوائد (10/ 359)، وفيض القدير (4/ 161)، التخويف من النار لابن رجب (170)، وضعيف الجامع (ص 497).
(3)
القول السديد (13).