الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة السادسة: الآثار الواردة في النهي عن بناء القبور بالآجر
.
386 -
حدثني المثنى بن معاذ قال: حدثنا المؤمل، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم في قوله:{يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا}
(1)
قال: بناه بالآجر، قال إبراهيم:"كانوا يكرهون أن يبنوا بالآجر، ويجعلوه في قبر"
(2)
.
التحليل والتعليق
تضمن أثر إبراهيم النخعي رحمه الله النهي عن البناء على القبر، والأثر ليس في البناء وإنما أن يوضع الآجر مكان اللبن، وهي مسألة مطروقة في كتب الفقه، وقد كرهها جماعة من العلماء ونصوا على استحباب اللبن والقصب، بدل الآجر، والفرق بينهما أن اللبن هو الطين يعجن ويجفف، فإذا أُحرق صار آجرّ
(3)
، وقد ذكروا تعليلات عدة لهذا النهى والكراهة، منها: أنها من بناء المترفين كما هو ظاهر كلام إبراهيم في هذا الأثر، ولأنه مسته النار تفاؤلا بأن لا تمسه النار
(4)
، ومحل الشاهد أن السلف عظموا أمر البناء على القبور وتشددوا فيه، إلى درجة نهيهم عن اتخاذ الآجر في اللحد، وهو وإن كان سيردم بالتراب، لكن سدا لأي
(1)
سورة غافر، من الآية (36).
(2)
إسناده لين، فيه المؤمل بن إسماعيل وهو صدوق سيء الحفظ، لكن الأثر صحيح من طريقيه الآخرين، قصر الأمل (186) رقم (292)، تفسير الثوري (263)، وأبو مسهر في نسخته رقم (62).
(3)
انظر مقدمة فتح الباري هدي الساري (1/ 182).
(4)
انظر: تفسير ابن كثير (4/ 80)، الجامع الصغير للشيباني (1/ 118)، والمبسوط (1/ 422)، المغني لابن قدامة (2/ 190).
ذريعة أو باب من أبواب الشرك أن يفتح، وهو داخل واللَّه أعلم في عموم البناء على القبور، فإذا كان السلف تورعوا عن غلق اللحد بالآجر لما ذُكِر، ولأنه نوع من البناء، فما بال البناء عليها وإيقاد السرج والعكوف عليها وزيارتها للتبرك بأصحابها ودعائهم. . .، وقد عقد ابن القيم رحمه الله مقارنة لطيفة بين هدي الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته وسلف هذه الأمة وحال عباد القبور في زمانه فقال:"من جمع بين سنة رسول اللَّه في القبور وما أمر به ونهي عنه، وما كان عليه أصحابه، وبين ما عليه أكثر الناس اليوم رأى أحدهما مضادا للآخر، مناقضا له بحيث لا يجتمعان أبدا، فنهى رسول اللَّه عن الصلاة إلى القبور، وهؤلاء يصلون عندها، ونهى عن اتخاذها مساجد، وهؤلاء يبنون عليها المساجد، ويسمونها مشاهد، مضاهاة لبيوت اللَّه تعالى، ونهى عن إيقاد السرج عليها، وهؤلاء يوقفون الوقوف على إيقاد القناديل عليها، ونهى أن تتخذ عيدا وهؤلاء يتخذونها أعيادا ومناسك، ويجتمعون لها كاجتماعهم للعيد أو أكثر، وأمر بتسويتها. . . وهؤلاء. . . يرفعونها عن الأرض كالبيت، ويعقدون عليها القباب، ونهى عن تجصيص القبر والبناء عليه. . . ونهى عن الكتابة عليها. . . وهؤلاء يتخذون عليها الألواح، ويكتبون عليها القرآن وغيره، ونهى أن يزاد عليها غير ترابها. . . وهؤلاء يزيدون عليه سوى التراب الآجر والأحجار والجص. . . والمقصود أن هؤلاء المعظمين للقبور، المتخذين لها أعيادا، الموقدين عليها السرج، الذين يبنون عليها المساجد والقباب، مناقضون لما أمر به رسول اللَّه محادون لما جاء به"
(1)
.
(1)
إغاثة اللهفان (1/ 195 - 197).