الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
384 -
وبه عن حجاج قال: "سألت عطاء عن ذلك؟ فقال: إنما جاءنا كراهيته من قبلكم يا أهل العراق"
(1)
.
التحليل والتعليق
تضمنت الآثار السابقة جواز تعليق نوع من التمائم والتعاويذ، وهي التي تكون بما في كتاب اللَّه أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، حيث ورد تقييدها بذلك إما بحكاية الواقع الذي كانوا يفعلونه كما في أثر ابن عمرو أنه كتب ما علمه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لمن لم يعقل من أولاده أن يحفظه، أو باشتراط من أجاز التعليق أن لا يكون بغير ما ذكر كما في كلام أبي جعفر، وبعضها اشترط عدم امتهانها بأن توضع في جلد أو فضة ونحو ذلك، كما في كلام سعيد ابن جبير، كما تضمنت هذه الآثار الإشارة إلى وجود خلاف في المسألة من القرون الأولى، حيث ذكر عطاء أن الكراهة جاءت من قبل أهل العراق.
والمسألة بصرف النظر عما صح ولم يصح من الآثار فيها، هي مسألة خلافية بين السلف، ذكرها غير واحد من العلماء، وسأذكر أقوال العلماء في التمائم عموما، لكي تتضح هذه المسألة أكثر، ولا يلتبس نوع بنوع آخر، فيحمل ما فيه خلاف على الجواز على ما فيه اتفاق على المنع.
= (2/ 868) رقم (663)، والبيهقي الكبرى (9/ 351) بسنده عن فضيل به وهو ابن عمرو الفقيمي ثقة التقريب (5465).
(1)
هو تتمة للأثر السابق، العيال (2/ 869) رقم (664).
القسم الأول: ما كان بغير العربية وبكلام لا يعرف، وهذا القسم داخل في عموم النهي الوارد في التمائم، كحديث عقبة بن عامر مرفوعا:"من تعلق تميمة فلا أتم اللَّه له"
(1)
، وفي بعض رواياته:"من تعلق تميمة فقد أشرك"
(2)
، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول:"إن الرقى والتمائم والتولة شرك"
(3)
.
القسم الثاني: ما كان بالقرآن الكريم، وسنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، والكلام المشروع.
وهو مذهب مالك رحمه الله في إحدى الروايتين، اختارها الباجي وابن رشد ونقل عن مالك أنه سئل:"أتعلق شيء من هذه الكتب أو يعلقها؟ قال: كذلك أيضًا إن ما لا بأس به فلا بأس بذلك"
(4)
، وقال:"و [هو أولى بالصواب من جهة النظر"
(5)
، وقال الباجي:"الصحيح من قول العلماء جواز ذلك في الوجهين [قبل نزول البلاء وبعده وهو قول مالك والفقهاء"
(6)
.
(1)
أورده الألباني في الصحيحة (1/ 888) وهو أحد طرق الحديث الذي بعده.
(2)
أخرجه أحمد في المسند (28/ 637)، وأورده الألباني في الصحيحة (1/ 889)(ح 492).
(3)
أورده الألباني في الصحيحة (1/ 648)(ح 331)، وصححه بشواهده.
(4)
البيان والتحصيل (1/ 426).
(5)
البيان والتحصيل (1/ 441 - 442).
(6)
المنتقى (2/ 255).
وذهب إليه من المتقدمين عطاء
(1)
وسعيد بن المسيب
(2)
كما في الآثار السابقة، وأبو عبيدة بن الهروي
(3)
، والبيهقي
(4)
، وحملوا أحاديث النهي على ما كان بغير لغة العرب مما لا يدرى ما هو.
وللسلف في هذه المسألة قولان آخران هما:
الأول: قول من يرى جواز ذلك لكن يخصه بما كان بعد نزول البلاء، ولا يجيزه قبل ذلك، قال الشيخ سليمان آل الشيخ:"وهو قول عبد اللَّه بن عمرو بن العاص وغيره، وهو ظاهر ما روي عن عائشة، وبه قال أبو جعفر الصادق وأحمد في رواية"
(5)
.
وقد وجه ابن رشد رحمه الله سبب تخصيص ما بعد نزول البلاء بالجواز فقال: "لا وجه له من طريق النظر للتفرقة فيما كان منها [التمائم بذكر اللَّه، بين الصحة والمرض إلا اتباع قول عائشة في ذلك إذ لا تقوله رأيا واللَّه أعلم"
(6)
، وهذا ما نص عليه الحاكم رحمه الله فقال: "لعل متوهما يتوهم أنها من الموقوفات على عائشة رضي الله عنها، وليس كذلك فإن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد ذكر التمائم في أخبار كثيرة فإذا فسرت عائشة التميمة
(1)
فضائل القرآن (384 - 385).
(2)
سنن البيهقي (9/ 351).
(3)
فضائل القرآن (382).
(4)
السنن (9/ 351).
(5)
تيسير العزيز الحميد (167 - 168).
(6)
البيان والتحصيل (1/ 426).
فإنه حديث مسند"
(1)
.
وأثر عائشة المشار إليه هو قولها: "ليست التميمة ما تعلق به بعد البلاء، إنما التميمة ما تعلق به قبل البلاء"
(2)
.
الثاني: تحريم تعليق التمائم مطلقا دون تفريق بين ما كان من القرآن أو غيره، أو ما كان قبل نزول البلاء أو بعده. وذلك للأمور التالية:
1 -
عموم الأدلة الواردة في تحريم التمائم ولم يأت مخصص يخص ما كان بالقرآن من غيره، قال الشيخ سليمان آل الشيخ رحمه الله:"يؤيد ذلك أن الصحابة الذين رووا الحديث فهموا العموم كما تقدم عن ابن مسعود، وروي عن عيسى بن حمزة قال: دخلت على عبد اللَّه بن عكيم وبه حمرة فقلت: ألا تعلق تميمة؟ فقال: نعوذ باللَّه من ذلك قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من تعلق شيئا وكل إليه"، وروى وكيع عن ابن عباس قال: دخلت على عبد اللَّه بن عكيم وبه حمرة فقلت: ألا تعلق تميمة؟ قال: اتفل بالمعوذتين ولا تعلق"، وأما القياس على الرقية بذلك فهذا إلى الرقى
(1)
المستدرك (4/ 217).
(2)
روي من طرق عن بكير بن الأشج عن القاسم بن محمد عن عائشة، رواه البيهقي في السنن الكبرى (9/ 350) والحاكم (4/ 217) وابن عبد البر في التمهيد (13/ 164) وقال الحاكم:"هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" وتعقبه الوادعي بقوله: "طلحة بن سعيد لم يخرج له مسلم فهو على شرط البخاري فحسب".
المركبة من حق وباطل أقرب"
(1)
.
2 -
"سد الذريعة، فإنه يفضي إلى تعليق ما ليس كذلك.
3 -
أنه إذا علق فلا بدّ أن يمتهنه المعلق بحمله معه في حال قضاء الحاجة والاستنجاء ونحو ذلك"
(2)
.
ويجاب عن الأثرين الواردين عن عبد اللَّه بن عمرو وعائشة بأن الأول ضعيف لا يثبت سنده عنيه، أما أثر عائشة فإنه على سلامة سنده من مطعن فهو معارض بفهم غيرها من الصحابة الذين فهموا العموم من النصوص الواردة في التمائم وكذلك من بعدهم من كبار التابعين الذين أدركوا الصحابة، قال إبراهيم النخعي رحمه الله:"كانوا يكرهون التمائم كلها من القرآن وغير القرآن"
(3)
، قال الشيخ عبد الرحمن آل الشيخ:"مراده بذلك أصحاب عبد اللَّه بن مسعود كعلقمة والأسود وأبي وائل والحارث بن سويد وعبيدة السلماني ومسروق والربيع خيثم وسويد ابن غفلة وغيرهم، وهم من سادات التابعين، وهذه صيغة يستعملها إبراهيم في حكاية أقوالهم"
(4)
واللَّه أعلم.
وقد ختم الشيخ مبارك الميلي كلامه على التمائم وأقسامها بقوله:
(1)
تيسير العزيز الحميد (168).
(2)
فتح المجيد (170).
(3)
أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن (358). وقال الألباني عنه: (سنده صحيح)، الكلم الطيب (45).
(4)
فتح المجيد (177). وانظر منهج الإمام مالك في إثبات العقيدة (408 - 415).
"وقد علمت من الأحاديث السابقة استعظام من استعظم من الصحابة للتعليق، حتى قال: الموت أقرب من ذلك، هذا مع كمال توحيدهم ومعرفتهم بربهم، فلندع التمائم وما في معناها ولنُقَوِّ إيماننا بآية:{قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)}
(1)
"
(2)
.
(1)
سورة التوبة، الآية (51).
(2)
رسالة الشرك ومظاهره (176).