المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌التحليل والتعليق تضمنت الآثار السابقة في هذا المطلب بيان بعض المسائل - الآثار المروية عن أئمة السلف في العقيدة من خلال كتب ابن أبي الدنيا - جـ ١

[حميد بن أحمد نعيجات]

فهرس الكتاب

- ‌مقدِّمة معالي مدير الجامعة الإسلاميَّة

- ‌شكر وتقدير

- ‌أسباب اختيار الموضوع

- ‌أهمية الموضوع

- ‌منهج البحث

- ‌خطة البحث

- ‌تمهيد: في ترجمة موجزة لابن أبي الدنيا

- ‌الفصل الأول: دراسة جوانبه الشخصية

- ‌المبحث الأول: اسمه ونسبه وكنيته ولقبه

- ‌المبحث الثاني: مولده ونشأته

- ‌المبحث الثالث: وفاته

- ‌الفصل الثاني: دراسة جوانبه العلمية

- ‌المبحث الأول: طلبه للعلم ورحلاته

- ‌المبحث الثاني: شيوخه وتلاميذه

- ‌أولا: شيوخه

- ‌ثانيا: تلاميذه

- ‌المبحث الثالث: عقيدته ومذهبه في الفروع

- ‌أولا: عقيدته

- ‌أولا: مسألة حياة الخضر

- ‌ثانيا: بعض المسائل في توحيد العبادة

- ‌ثالثا: الرواية عن أهل الكتاب عموما، وسؤال الرهبان ونحوهم خصوصا

- ‌رابعا: الكلام في الأنبياء

- ‌ثانيا: مذهبه في الفروع

- ‌المبحث الرابع: مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

- ‌المبحث الخامس: آثاره العلمية

- ‌الباب الأول: الآثار الواردة في الاتباع والابتداع

- ‌الفصل الأول: الآثار الواردة في الاتباع

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في تعظيم السلف للكتاب والسنة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في ترك ما ليس للعبد فيه سلف

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في النهي عن الكلام في العلماء

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في الهدي العام للسلف في السلوك

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الفصل الثاني: الآثار الواردة في الابتداع

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في خطورة البدع

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في نهي السلف عن الأهواء وتعوذهم منها

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في تمني الموت قبل وقوع البدع

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في سرعة وقوع البدع في الناس

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في أن البدع سبب هلاك مَن هلك مِن هذه الأمة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الخامس: الآثار الواردة في تألم السلف من ظهور البدع وترك السنن

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في سد الذرائع إلى البدع

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في التحذير من أهل البدع والرأي والقياس الفاسد

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في النهي عن الخصومات في الدين

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في النهي عن الاستماع لأهل البدع

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في منع الحكام أهل البدع من الكلام فيها

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الخامس: الآثار الواردة في عدم الاعتداد بصلاح أهل البدع

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السادس: الآثار الواردة في عدم ذكر محاسن الفاسق المبتدع

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السابع: الآثار الواردة في الحذر من الكلام الذي يكون للمبتدع فيه حجة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثامن: الآثار الواردة في تورع السلف عن أفعالٍ خشية أن تكون بدعة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثالث: الآثار الوادة في أحكام المبتدعة في الدنيا والآخرة

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في أحكام المبتدعة في الدنيا

- ‌المسألة الأولى: الآثار الواردة في حكم غيبتهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثانية: الآثار الواردة في حكم لعنهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثالثة: الآثار الواردة في حكم تزويجهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الرابعة: الآثار الواردة في حكم من خالطهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الخامسة: الآثار الواردة في حكم مجالستهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة السادسة: الآثار الواردة في حكم مغفرة ذنوبهم في شعبان

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة السابعة: الآثار الواردة في حكم قتلهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في أحكام المبتدعة في الآخرة

- ‌المسألة الأولى: الآثار الواردة في تسليط بعض الحيات عليهم بعد موتهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثانية: الآثار الواردة في عذاب أهل البدع في قبورهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثالثة: الآثار الواردة في تحويل وجوههم عن القبلة في قبورهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الباب الثاني: الآثار الواردة في التوحيد

- ‌الفصل الأول: الآثار الواردة في توحيد الربوبية

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في فضل معرفة اللَّه

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في استلزام التفكر والمعرفة للعبادة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الفصل الثاني: الآثار الواردة في توحيد الألوهية

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في أنواع العبادة

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في فضل التوحيد

- ‌أولا: الآثار الواردة في أنه سبب تفاضل الأعمال

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في أنه أفضل نعمة على العبد

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في أن اللَّه وصفه بالإحسان

- ‌رابعا: الآثار الواردة في أنه مكفر للذنوب

- ‌خامسا: الآثار الواردة في أنه مطهر من الشرك والذنوب

- ‌سادسا: الآثار الواردة في أنه عُدَّة أصحاب الكبائر

- ‌سابعا: الآثار الواردة في أنه أعظم ما حورب به إبليس

- ‌ثامنا: الآثار الواردة في الجزاء العظيم الذي أُعَدَّ لصاحبه

- ‌تاسعا: الآثار الواردة في أنه جالب لمحبة الناس للعبد، ودافع لبغضهم

- ‌عاشرا: الآثار الواردة في أنه سبب إجابة الدعاء

- ‌حادي عشر: الآثار الواردة في مشروعية تلقين الميت كلمة التوحيد

- ‌ثاني عشر: الآثار الواردة في أنها شعار الناس إذا خرجوا من قبورهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في الإخلاص وصلاح العمل

- ‌أولا: الآثار الواردة في الإخلاص وأهميته

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في صلاح العمل

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في الدعاء

- ‌أولا: الآثار الواردة في أسباب الإجابة

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في إنزال كل الحوائج باللَّه عز وجل وحده

- ‌ثالثًا: الآثار الواردة في الدعاء وكرامات الصالحين

- ‌رابعا: الآثار الواردة في دعاء اللَّه في السراء والضراء

- ‌خامسا: الآثار الواردة في بعض آداب الدعاء

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في التوكل

- ‌أولا: الآثار الواردة في فضله

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في تعريفه

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في التوكل واتخاذ الأسباب

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الخامس: الآثار الواردة في اليقين

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السادس: الآثار الواردة في حسن الظن باللَّه

- ‌أولا: الآثار الواردة في فضل حسن الظن باللَّه ومعناه

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في حسن الظن والعمل

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في إحسان الظن باللَّه عند الموت

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السابع: الآثار الواردة في الرجاء

- ‌أولا: الآثار الواردة في رجاء ثواب الطاعة

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في رجاء مغفرة الذنب

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في رجاء لقاء اللَّه

- ‌رابعا: الآثار الواردة في رجاء دفع الضر وجلب النفع

- ‌خامسا: الآثار الواردة في الرجاء والعمل

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثامن: الآثار الواردة في الخوف

- ‌أولا: الآثار الواردة في تعريفه

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في الخوف والعمل

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في الخوف عند الموت

- ‌رابعا: الآثار الواردة في الخوف وتمني الموت

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب التاسع: الآثار الواردة في الجمع بين الخوف والرجاء

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب العاشر: الآثار الواردة في الشكر

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الحادي عشر: الآثار الواردة في التوسل

- ‌أولا: الآثار الواردة في التوسل بالطاعات

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في التوسل بأسماء اللَّه وصفاته

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في التوسل بدعاء الصالحين

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني عشر: الآثار الواردة في حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث عشر: الآثار الواردة في التبرك

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في نواقض وقوادح التوحيد

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في نواقض التوحيد

- ‌المسألة الأولى: الآثار الواردة في النهي عن الشرك

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثانية: الآثار الواردة في ذم الشرك

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثالثة: الآثار الواردة في التحذير من الشرك

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الرابعة: الآثار الواردة في السحر

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الخامسة: الآثار الواردة في سد ذرائع الشرك

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في قوادح التوحيد

- ‌المسألة الأولى: الآثار الواردة في الرياء

- ‌أولا: الآثار الواردة في تعريفه

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في خطورته

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في خوف السلف وتحذيرهم منه

- ‌رابعا: الآثار الواردة في الفرق بينه وبين حب الذكر الحسن

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثانية: الآثار الواردة في الحلف بغير اللَّه

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثالثة: الآثار الواردة في قول الرجل: لولا اللَّه وأنت

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الرابعة: الآثار الواردة في التمائم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الخامسة: الآثار الواردة في الطيرة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة السادسة: الآثار الواردة في النهي عن بناء القبور بالآجر

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الفصل الثالث: الآثار الواردة في توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في أن أسماء اللَّه حسنى

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في فهم معاني الصفات

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في قطع الطمع عن إدراك الكيفية

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في العلو والفوقية

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الخامس: الآثار الواردة في المجيء والنزول

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث السادس: الآثار الواردة في اليد

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث السابع: الآثار الواردة في الساق

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثامن: الآثار الواردة في النظر إلى اللَّه ورؤيته

- ‌أولا: الآثار الواردة في تفسير الزيادة بالنظر إلى اللَّه عز وجل

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في أن رؤية اللَّه أعظم نعيم في الجنة

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في زيارة المؤمنين ربهم يوم الجمعة

- ‌رابعا: الآثار الواردة في تجلي اللَّه عز وجل لعباده

- ‌خامسا: الآثار الواردة في بروز اللَّه عز وجل لعباده

- ‌سادسا: الآثار الواردة في الفرق بين نظر المؤمنين لربهم ونضارة وجوههم

- ‌سابعا: الآثار الواردة في كون رؤية اللَّه جزاءا لأعمال معينة

- ‌ثامنا: الآثار الواردة في يقين السلف بهذه العقيدة

- ‌تاسعا: الآثار الواردة في الحجب، واحتجابه تعالى عن الكفار

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث التاسع: الآثار الواردة في المكر

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث العاشر: الآثار الواردة في الاستهزاء

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الحادي عشر: الآثار الواردة في الخداع

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني عشر: الآثار الواردة في الغضب والأسف

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثالث عشر: الآثار الواردة في السخط

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الرابع عشر: الآثار الواردة في الغيرة

- ‌التحليل والتعليق

الفصل: ‌ ‌التحليل والتعليق تضمنت الآثار السابقة في هذا المطلب بيان بعض المسائل

‌التحليل والتعليق

تضمنت الآثار السابقة في هذا المطلب بيان بعض المسائل المتعلقة بنوع مهم من أنواع توحيد العبادة ألا وهو التوكل، حيث اشتملت العناصر الثلاثة على فضله وتعريفه وعلاقته باتخاذ الأسباب:

فأما فضله فقد تضمنت الآثار بيان فضله من أوجه عديدة؛ فمنها: أن اللَّه يكفى المتوكِّلَ عليه كما في أثر علي رضي الله عنه وهدَّاب البصري، وبيان ذلك أن التوكل على اللَّه من أهم الأسباب لحصول النفع ودفع الضر، وليس التوكل مجرد عبادة محضة لا تأثير لها في حصول المقصود، بل هو سبب يحصل به ما يرجوه العبد من ربه، وقد ذكره اللَّه في معرض الترغيب فيه فقال تعالى عز وجل {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)}

(1)

، فرتب الجزاء على العمل وعلق الحسب على التوكل تعليق الشرط بالمشروط، فعلم أن توكله هو سبب كونه حسبا له، وهذا ما فهمه الخليفة الراشد أمير المؤمنين علي رضي الله عنه في الأثر السابق حيث ورد كما في التخريج أنه قال له منجِّم حين انصرف إلى أهل النهروان: لا تسر في هذه الساعة. . . .، فخالفه عليٌّ وانتصر فقال: "إنما أردت أن أبين للناس خطأه، وخشيت أن يقول جاهل إنما ظفر لكونه وافقه، ومنها: أنه لم يُرَ عمل مثله كما في رؤيا ابن سلام رضي الله عنه، وأيده أثر وهب بن منبه من أنه الغاية القصوى، التي من ظفر بها فقد ظفر بالعبادة،

(1)

سورة الطلاق، الآية (3).

ص: 323

وهذا فقه عظيم يبيّن فضل التوكل ومنزلته، وأنه مقام عالٍ من مقامات الدين، وليس منزلة من منازل العوام، وقد شرح هذا المعنى ابن القيم رحمه الله شرحا جميلا فقال:"العبد لا بد له من غاية مطلوبة، ووسيلة موصلة إلى تلك الغاية؛ فأشرف غاياته التي لا غاية له أجلُّ منها عبادة ربه والإنابة إليه، وأعظم وسائله التي لا وسيلة له غيرها ألبتة التوكل على اللَّه والاستعانة به، ولا سبيل له إلى هذه الغاية إلا بهذه الوسيلة، فهذه أشرف الغايات وتلك أشرف الوسائل"

(1)

، وقال:"التوكل أصل لجميع مقامات الإيمان والإحسان، ولجميع أعمال الإسلام، وأن منزلته منها منزلة الجسد من الرأس، فكما لا يقوم الرأس إلا على البدن، فكذلك لا يقوم الإيمان ومقاماته وأعماله إلا على ساق التوكل واللَّه أعلم"

(2)

، ومنها: ما ورد من حصول بعض المقاصد في الدنيا للمتوكَّل؛ فإن المتوكِّل يحصل له الغنى والعز كما في أثر الحسن، ومنه احتياج الأمراء للمتوكل دون العكس كما في أثر سليمان الخواص، واندفاع المكروه عنه لا سيما ما كان من أذى الجن كما في أثر بعيم العجلي، وابن الورد، وكل هذا تأكيد لما سبق من أن التوكل سبب لكفاية اللَّه للعبد

(3)

، ومنها: أنه يذهب الطيرة التي يجدها ولا

(1)

طريق الهجرتين (387).

(2)

المصدر السابق (387)، وانظر رسالة في تحقيق التوكل (91)، والفتاوى الكبرى (2/ 325).

(3)

انظر مجموع الفتاوى (10/ 36).

ص: 324

بد كل أحد من نفسه، كما في أثر ابن مسعود رضي الله عنه، ووجه ذلك أن:"الطيرة إنما تصيب المتطير لشركه، والخوف دائما مع الشرك، والأمن دائما مع التوحيد. . . فالتوحيد من أقوى أسباب الأمن من المخاوف، والشرك من أعظم أسباب حصول المخاوف، ولذلك من خاف شيئا غير اللَّه سُلِّط عليه، وكان خوفه منه هو سبب تسليطه عليه، ولو خاف اللَّه دونه ولم يخفه لكان عدم خوفه منه وتوكله على اللَّه من أعظم أسباب نجاته منه"

(1)

.

وأما تعريفه فقد وردت آثار مختلفة العبارة فمنها: أنه الثقة باللَّه، أو الرضا عنه، وعدم التسخط، أو حسن الظن به، أو أنه يأتي بعد بلوغ غاية الزهد، قال ابن القيم رحمه الله:"وحقيقة الأمر: أن التوكل حال مركبة من مجموع أمور لا تتم حقيقة التوكل إلا بها، وكلٌّ أشار إلى واحد من هذه الأمور أو اثنين أو أكثر"

(2)

، ثم ذكر الأمور التي يتركب منها التوكل وهي: "فأول ذلك معرفة بالرب وصفاته. . . فكل من كان باللَّه وصفاته أعلم وأعرف كان توكله أصح وأقوى، الدرجة الثانية: إثبات في الأسباب والمسببات فإن من نفاها فتوكله مدخول. . . ولكن من تمام التوكل عدم الركون إلى الأسباب، وقطع علاقة القلب بها، فيكون حال قلبه قيامه باللَّه لا بها، وحال بدنه قيامه بها، فالأسباب محل حكمة اللَّه وأمره ودينه، والتوكل متعلق بربوبيته وقضائه وقدره، فلا تقوم عبودية الأسباب إلا

(1)

مفتاح دار السعادة (3/ 387).

(2)

مدارج السالكين (25/ 123).

ص: 325

على ساق التوكل، ولا يقوم ساق التوكل إلا على قدم العبودية، الدرجة الثالثة: رسوخ القلب في مقام توحيد التوكل؛ فإنه لا يستقيم توكل العبد حتى يصح له توحيده، بل حقيقة التوكل: توحيد القلب، فما دامت فيه علائق الشرك فتوكله معلول مدخول، وعلى قدر تجريد التوحيد تكون صحة التوكل. . . الدرجة الرابعة: اعتماد القلب على اللَّه واستناده إليه وسكونه إليه، بحيث لا يبقى فيه اضطراب من تشويش الأسباب، ولا سكون إليها، بل يخلع السكون إليها من قلبه ويلبسه السكون إلى مسببها. . . الدرجة الخامسة: حسن الظن باللَّه عز وجل فعلى قدر حسن ظنك بربك ورجائك له يكون توكلك عليه، ولذلك فسر بعضهم التوكل بحسن الظن باللَّه، والتحقيق: أن حسن الظن به يدعوه إلى التوكل عليه؛ إذ لا يتصور التوكل على من ساء ظنك به ولا التوكل على من لا ترجوه. . . الدرجة السادسة: استسلام القلب له وانجذاب دواعيه كلها إليه وقطع منازعاته، وهذا في غير باب الأمر والنهي، بل فيما يفعله بك، لا فيما أمرك بفعله، فالاستسلام كتسليم العبد الذليل نفسه لسيده، وانقياده له، وترك منازعات نفسه وإرادتها مع سيده. . . الدرجة السابعة: التفويض، وهو روح التوكل ولُبُّه وحقيقته، وهو إلقاء أموره كلها إلى اللَّه، وإنزالها به طلبا واختيارا، لا كرها واضطرارا، بل كتفويض الابن العاجز الضعيف المغلوب على أمره، كل أموره إلى أبيه العالم بشفقته عليه ورحمته، وتمام كفايته وحسن ولايته له وتدبيره له. . . فإذا وضع قدمه في هذه الدرجة،

ص: 326

انتقل منها إلى درجة الرضى، وهي ثمرة التوكل، ومن فسر التوكل بها فإنما فسره بأجل نمراته وأعظم فوائده. . . فباستكمال هذه الدرجات الثمان يستكمل العبد مقام التوكل وتثبت قدمه فيه"

(1)

.

وأما التوكل واتخاذ الأسباب فهي من أجل العلاقات وأمتن التلازمات، فقد سبق ذكره في درجات التوكل التي لا يتم إلا بها مجتمعة، وأن من نفاها فإن توكله مدخول، وقد تضمن أثر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بيانا شافيا للفرق بين التوكل والاتكال حيث بيّن أن التوكل مقارن للأسباب وضرب لذلك مثلا بأن المتوكل هو الذي يلقي الحبة ويتوكل، أما الجالس فهو متَّكِل لا متَوَكِّل، وهذا هو الأصل الذي لا شك فيه، وأما ما ورد من الآثار التي قد تدل على ترك الأسباب، كأثر أبي سليمان لو حققنا التوكل ما بنينا حائطا. . .، وأثر أبي جعفر في سوق الرزق للمتوكل بلا تعب ولا تكلف، ونصيحة العابد للبراثي في أن المتوكل يريح جسده من طلب الرزق، ويقل همه، وعدم اكتراث أبي فروة الزاهد بإبطاء الرزق ولا بسرعته، فإن هذه الآثار ليس فيها ترك اتخاذ الأسباب فضلا عن استحبابه، لكن في بعضها إيهام لشيء من ذلك، وكلما تأخر العهد عن زمن النبوة قلَّ الصواب فعلا وقولا، قال ابن القيم: "أجمع القوم على أن التوكل لا ينافي القيام بالأسباب؛ فلا يصح التوكل إلا مع القيام بها،

(1)

مدارج السالكين (2/ 123 - 129)، وانظر جامع العلوم والحكم (1/ 436).

ص: 327

وإلا فهو بطالة وتوكل فاسد"

(1)

، وإنما تفيد هذه الآثار:"أن الناس إنما يؤتون من قلة تحقيق التوكل، ووقوفهم مع الأسباب الظاهرة بقلوبهم، ومساكنتهم لها؛ فلذلك يتعبون أنفسهم في الأسباب، ويجتهدون فيها غاية الاجتهاد، ولا يأتيهم إلا ما قدر لهم، فلو حققوا التوكل على اللَّه بقلوبهم لساق إليهم أرزاقهم مع أدنى سبب، كما يسوق الطير إلى أرزاقها بمجرد الغدو والرواح، وهو نوع من الطلب والسعي لكنه سعي يسير"

(2)

.

وقد عقد ابن القيم فصلا في كتابه الروح في الفرق بين التوكل والعجز، ردّ فيه على من عطل السبب واعتمد على التوكل بزعم أن:"الرزق يطلب صاحبه كما يطلبه أجله، وسيأتيني ما قدر لي على ضعفي، ولن أنال ما لم يقدر لي مع قوتي، ولو أني هربت من رزقي كما أهرب من الموت للحقني" فقال رحمه الله: "فيقال له: نعم هذا كله حق، وقد علمت أن الرزق مقدر، فما يدريك كيف قُدِّر لك؟ بسعيك أم بسعي غيرك؟ وإذا كان بسعيك، فبأي سبب؟ ومن أي وجه؟ وإذا خفى عليك هذا كله، فمن أين علمت أنه يقدر لك إتيانه عفوا بلا سعي ولا كدٍّ؟ فكم من شيء سعيت فيه فقُدِّر لغيرك، وكم من شيء سعى فيه غيرك فقُدِّر لك رزقا؟ فإذا رأيت هذا عيانا، فكيف علمت أن رزقك كله بسعي غيرك؟ وأيضا فهذا الذي أوردته عليك النفس يجب عليك طرده في جميع الأسباب مع مسبباتها، حتى في أسباب دخول الجنة، والنجاة من النار، فهل تعطلها اعتمادا على التوكل؟ ! أم تقوم بها مع التوكل؟ بل لن

(1)

مدارج السالكين (2/ 121).

(2)

جامع العلوم والحكم (1/ 438).

ص: 328

تخلو الأرض من متوكل صبر نفسه للَّه، وملأ قلبه من الثقة به، ورجائه وحسن الظن به، فضاق قلبه مع ذلك عن مباشرة بعض الأسباب فسكن قلبه إلى اللَّه، واطمأن إليه ووثق به، وكان هذا من أقوى أسباب حصول رزقه، فلم يعطل السبب، وإنما رغب عن سبب إلى سبب أقوى منه، فكان توكله أوثق الأسباب عنده

(1)

، فكان اشتغال قلبه باللَّه، وسكونه إليه، وتضرعه إليه، أحب إليه من اشتغاله بسبب يمنعه من ذلك، أو من كماله، فلم يتسع قلبه للأمرين، فأعرض أحدهما إلى الآخر، ولا ريب أن هذا أكمل حالا ممن امتلأ قلبه بالسبب، واشتغل به عن ربه، وأكمل منهما من جمع الأمرين، وهي حال الرسل والصحابة؛ فقد كان زكريا نجارا، وقد أمر اللَّه نوحا أن يصنع السفينة، ولم يكن في الصحابة من يعطل السبب اعتمادا على التوكل، بل كانوا أقوم الناس بالأمرين، ألا ترى أنهم بذلوا جهدهم في محاربة أعداء الدِّين بأيديهم وألسنتهم، وقاموا في ذلك بحقيقة التوكل، وعمروا أموالهم وأصلحوها وأعدوا لأهليهم كفايتهم من القوت اقتداء بسيد المتوكلين صلوات اللَّه وسلامه عليه وآله"

(2)

.

(1)

ولعل هذا أحسن ما تحمل عليه الآثار الواردة عن بعض السلف في ترك التكسب اعتمادا على التوكل، أي اتخذوا التوكل سببا ولم يعطلوا الأسباب بالكلية كما هو حال الصوفية واللَّه أعلم.

(2)

الروح (2/ 748 - 749).

ص: 329