المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

269 - حدثني محمد عن محمد بن أشكاب الصغار قال: - الآثار المروية عن أئمة السلف في العقيدة من خلال كتب ابن أبي الدنيا - جـ ١

[حميد بن أحمد نعيجات]

فهرس الكتاب

- ‌مقدِّمة معالي مدير الجامعة الإسلاميَّة

- ‌شكر وتقدير

- ‌أسباب اختيار الموضوع

- ‌أهمية الموضوع

- ‌منهج البحث

- ‌خطة البحث

- ‌تمهيد: في ترجمة موجزة لابن أبي الدنيا

- ‌الفصل الأول: دراسة جوانبه الشخصية

- ‌المبحث الأول: اسمه ونسبه وكنيته ولقبه

- ‌المبحث الثاني: مولده ونشأته

- ‌المبحث الثالث: وفاته

- ‌الفصل الثاني: دراسة جوانبه العلمية

- ‌المبحث الأول: طلبه للعلم ورحلاته

- ‌المبحث الثاني: شيوخه وتلاميذه

- ‌أولا: شيوخه

- ‌ثانيا: تلاميذه

- ‌المبحث الثالث: عقيدته ومذهبه في الفروع

- ‌أولا: عقيدته

- ‌أولا: مسألة حياة الخضر

- ‌ثانيا: بعض المسائل في توحيد العبادة

- ‌ثالثا: الرواية عن أهل الكتاب عموما، وسؤال الرهبان ونحوهم خصوصا

- ‌رابعا: الكلام في الأنبياء

- ‌ثانيا: مذهبه في الفروع

- ‌المبحث الرابع: مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

- ‌المبحث الخامس: آثاره العلمية

- ‌الباب الأول: الآثار الواردة في الاتباع والابتداع

- ‌الفصل الأول: الآثار الواردة في الاتباع

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في تعظيم السلف للكتاب والسنة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في ترك ما ليس للعبد فيه سلف

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في النهي عن الكلام في العلماء

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في الهدي العام للسلف في السلوك

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الفصل الثاني: الآثار الواردة في الابتداع

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في خطورة البدع

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في نهي السلف عن الأهواء وتعوذهم منها

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في تمني الموت قبل وقوع البدع

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في سرعة وقوع البدع في الناس

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في أن البدع سبب هلاك مَن هلك مِن هذه الأمة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الخامس: الآثار الواردة في تألم السلف من ظهور البدع وترك السنن

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في سد الذرائع إلى البدع

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في التحذير من أهل البدع والرأي والقياس الفاسد

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في النهي عن الخصومات في الدين

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في النهي عن الاستماع لأهل البدع

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في منع الحكام أهل البدع من الكلام فيها

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الخامس: الآثار الواردة في عدم الاعتداد بصلاح أهل البدع

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السادس: الآثار الواردة في عدم ذكر محاسن الفاسق المبتدع

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السابع: الآثار الواردة في الحذر من الكلام الذي يكون للمبتدع فيه حجة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثامن: الآثار الواردة في تورع السلف عن أفعالٍ خشية أن تكون بدعة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثالث: الآثار الوادة في أحكام المبتدعة في الدنيا والآخرة

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في أحكام المبتدعة في الدنيا

- ‌المسألة الأولى: الآثار الواردة في حكم غيبتهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثانية: الآثار الواردة في حكم لعنهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثالثة: الآثار الواردة في حكم تزويجهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الرابعة: الآثار الواردة في حكم من خالطهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الخامسة: الآثار الواردة في حكم مجالستهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة السادسة: الآثار الواردة في حكم مغفرة ذنوبهم في شعبان

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة السابعة: الآثار الواردة في حكم قتلهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في أحكام المبتدعة في الآخرة

- ‌المسألة الأولى: الآثار الواردة في تسليط بعض الحيات عليهم بعد موتهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثانية: الآثار الواردة في عذاب أهل البدع في قبورهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثالثة: الآثار الواردة في تحويل وجوههم عن القبلة في قبورهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الباب الثاني: الآثار الواردة في التوحيد

- ‌الفصل الأول: الآثار الواردة في توحيد الربوبية

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في فضل معرفة اللَّه

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في استلزام التفكر والمعرفة للعبادة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الفصل الثاني: الآثار الواردة في توحيد الألوهية

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في أنواع العبادة

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في فضل التوحيد

- ‌أولا: الآثار الواردة في أنه سبب تفاضل الأعمال

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في أنه أفضل نعمة على العبد

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في أن اللَّه وصفه بالإحسان

- ‌رابعا: الآثار الواردة في أنه مكفر للذنوب

- ‌خامسا: الآثار الواردة في أنه مطهر من الشرك والذنوب

- ‌سادسا: الآثار الواردة في أنه عُدَّة أصحاب الكبائر

- ‌سابعا: الآثار الواردة في أنه أعظم ما حورب به إبليس

- ‌ثامنا: الآثار الواردة في الجزاء العظيم الذي أُعَدَّ لصاحبه

- ‌تاسعا: الآثار الواردة في أنه جالب لمحبة الناس للعبد، ودافع لبغضهم

- ‌عاشرا: الآثار الواردة في أنه سبب إجابة الدعاء

- ‌حادي عشر: الآثار الواردة في مشروعية تلقين الميت كلمة التوحيد

- ‌ثاني عشر: الآثار الواردة في أنها شعار الناس إذا خرجوا من قبورهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في الإخلاص وصلاح العمل

- ‌أولا: الآثار الواردة في الإخلاص وأهميته

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في صلاح العمل

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في الدعاء

- ‌أولا: الآثار الواردة في أسباب الإجابة

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في إنزال كل الحوائج باللَّه عز وجل وحده

- ‌ثالثًا: الآثار الواردة في الدعاء وكرامات الصالحين

- ‌رابعا: الآثار الواردة في دعاء اللَّه في السراء والضراء

- ‌خامسا: الآثار الواردة في بعض آداب الدعاء

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في التوكل

- ‌أولا: الآثار الواردة في فضله

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في تعريفه

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في التوكل واتخاذ الأسباب

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الخامس: الآثار الواردة في اليقين

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السادس: الآثار الواردة في حسن الظن باللَّه

- ‌أولا: الآثار الواردة في فضل حسن الظن باللَّه ومعناه

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في حسن الظن والعمل

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في إحسان الظن باللَّه عند الموت

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السابع: الآثار الواردة في الرجاء

- ‌أولا: الآثار الواردة في رجاء ثواب الطاعة

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في رجاء مغفرة الذنب

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في رجاء لقاء اللَّه

- ‌رابعا: الآثار الواردة في رجاء دفع الضر وجلب النفع

- ‌خامسا: الآثار الواردة في الرجاء والعمل

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثامن: الآثار الواردة في الخوف

- ‌أولا: الآثار الواردة في تعريفه

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في الخوف والعمل

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في الخوف عند الموت

- ‌رابعا: الآثار الواردة في الخوف وتمني الموت

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب التاسع: الآثار الواردة في الجمع بين الخوف والرجاء

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب العاشر: الآثار الواردة في الشكر

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الحادي عشر: الآثار الواردة في التوسل

- ‌أولا: الآثار الواردة في التوسل بالطاعات

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في التوسل بأسماء اللَّه وصفاته

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في التوسل بدعاء الصالحين

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني عشر: الآثار الواردة في حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث عشر: الآثار الواردة في التبرك

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في نواقض وقوادح التوحيد

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في نواقض التوحيد

- ‌المسألة الأولى: الآثار الواردة في النهي عن الشرك

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثانية: الآثار الواردة في ذم الشرك

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثالثة: الآثار الواردة في التحذير من الشرك

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الرابعة: الآثار الواردة في السحر

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الخامسة: الآثار الواردة في سد ذرائع الشرك

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في قوادح التوحيد

- ‌المسألة الأولى: الآثار الواردة في الرياء

- ‌أولا: الآثار الواردة في تعريفه

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في خطورته

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في خوف السلف وتحذيرهم منه

- ‌رابعا: الآثار الواردة في الفرق بينه وبين حب الذكر الحسن

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثانية: الآثار الواردة في الحلف بغير اللَّه

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثالثة: الآثار الواردة في قول الرجل: لولا اللَّه وأنت

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الرابعة: الآثار الواردة في التمائم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الخامسة: الآثار الواردة في الطيرة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة السادسة: الآثار الواردة في النهي عن بناء القبور بالآجر

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الفصل الثالث: الآثار الواردة في توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في أن أسماء اللَّه حسنى

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في فهم معاني الصفات

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في قطع الطمع عن إدراك الكيفية

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في العلو والفوقية

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الخامس: الآثار الواردة في المجيء والنزول

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث السادس: الآثار الواردة في اليد

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث السابع: الآثار الواردة في الساق

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثامن: الآثار الواردة في النظر إلى اللَّه ورؤيته

- ‌أولا: الآثار الواردة في تفسير الزيادة بالنظر إلى اللَّه عز وجل

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في أن رؤية اللَّه أعظم نعيم في الجنة

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في زيارة المؤمنين ربهم يوم الجمعة

- ‌رابعا: الآثار الواردة في تجلي اللَّه عز وجل لعباده

- ‌خامسا: الآثار الواردة في بروز اللَّه عز وجل لعباده

- ‌سادسا: الآثار الواردة في الفرق بين نظر المؤمنين لربهم ونضارة وجوههم

- ‌سابعا: الآثار الواردة في كون رؤية اللَّه جزاءا لأعمال معينة

- ‌ثامنا: الآثار الواردة في يقين السلف بهذه العقيدة

- ‌تاسعا: الآثار الواردة في الحجب، واحتجابه تعالى عن الكفار

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث التاسع: الآثار الواردة في المكر

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث العاشر: الآثار الواردة في الاستهزاء

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الحادي عشر: الآثار الواردة في الخداع

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني عشر: الآثار الواردة في الغضب والأسف

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثالث عشر: الآثار الواردة في السخط

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الرابع عشر: الآثار الواردة في الغيرة

- ‌التحليل والتعليق

الفصل: 269 - حدثني محمد عن محمد بن أشكاب الصغار قال:

269 -

حدثني محمد عن محمد بن أشكاب الصغار قال: قال داود الطائي: "اليأس سبيل أعمالنا هذه، ولكن القلوب تَحِنُّ إلى الرجاء"

(1)

.

270 -

ذكر محمد بن الحسين، نا حكيم بن جعفر، نا عبان بن كليب الليثي، عن رجل من أهل الكوفة: "جلسنا إلى عون بن عبد اللَّه

(2)

في مسجد الكوفة فسمعته يقول: إن من أغر الغِرَّة

(3)

انتظار تمام الأماني وأنت مقيم على المعاصي، قال: وسمعته يقول: لقد خاب سعي المعرضين عن اللَّه، وسمعته يقول:"ما يؤمل إلا عفوه وغلبه البكاء فقام"

(4)

.

‌التحليل والتعليق

تضمنت الآثار السابقة الموزعة على العناصر الخمس أمورا مهمة تتعلق بمسألة الرجاء، حيث اشتملت العناصر الأربع الأولى بيان أنواع الرجاء وهي: رجاء ثواب الطاعة، ورجاء مغفرة الذنب، ورجاء لقاء اللَّه،

= عساكر في تاريخ دمشق (13/ 460) في قصة طويلة بين عبدوس راوية أبي ونواس وأبي نواس في مرض موته، حيث قال له كيف تجدك فذكر أبياتا منها هذه، وذكره ابن كثير في تفسيره (1/ 82)، وبعضها في البداية والنهاية (9/ 258).

(1)

إسناده حسن، ابن أشكاب صدوق، التقريب (5858)، محاسبة النفس (87) رقم (45)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 359)، وذكره ابن الجوزي في صفة الصفوة (3/ 142).

(2)

هو عون بن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود الهذلي، أبو عبد اللَّه الكوفي، ثقة عابد، مات قبل سنة عشرين ومائة، التقريب (5223).

(3)

هي الغفلة، تاج العروس (1/ 3293).

(4)

إسناده فيه إبهام الرجل الكوفي، حسن الظن باللَّه (82 - 83) رقم (134).

ص: 372

ورجاء اللَّه في جلب النفع ودفع الضر، وعلاقته بالعمل والأسباب.

فأما ثواب الطاعة فقد تضمنت الآثار تمني بعض من حضره الموت كعبد الملك بن مروان وعمر بن عبد العزيز أن يتقبل اللَّه منهم بعض أعمالهم، وأثر سعيد بن العاص فيه أن المكارم تحتاج إلى جهاد وصبر، وذلك لا يكون إلا لمن رجا ثوابها.

وأما رجاء مغفرة الذنب فهي كثيرة متنوعة الدلالة على المطلوب فبعضها دعاء ومناجاة كأثر معاوية رضي الله عنه عند الموت حيث سأل اللَّه أن يجعله ممن يشاء أن يغفر له، أو سؤال اللَّه بصفاته المتعلقة بالرجاء كصفة الرحمة في أثر معاوية كذلك وأبياته، أو إظهار العبودية للَّه والفاقة والحاجة إلى ما يرجوه كأثرَي عمرو بن العاص وابن سماك، أو عدم اليأس من رحمة اللَّه كأثر الفضيل في عدم اليأس ولو كان في النار، أو فهمهم الصحيح لمعاني الأسماء والصفات ومعرفتهم بها كمن فهم من صفة الكرم تجاوز الكريم في المحاسبة عن حقه وتفضله كما في أثر الأعرابي مع النبي صلى الله عليه وسلم وكلام العابد.

وأما رجاء لقاء اللَّه فقد تضمنت الآثار بيان حب السلف لقاء اللَّه واستبشارهم به وفرحهم بذلك، وأنهم لا يكرهون ذلك، وأن السرور الذي يحصل لهم بلقاء اللَّه يسليهم عن كرب الموت وآلامه، وبعضهم ذكر تعليلا لذلك فمن ذلك: المقارنة بين الخوف والرجاء؛ فالخوف هي النفس والمَرْجُوُّ هو اللَّه فيحب المَرْجُوَّ لقاءَه ومفارقة الخوف كأثر الزبيدي

ص: 373

والثوري، أو المقارنة بين الخالق والمخلوق، فالمخلوق تخاف فتنته، والخالق لا يشك في رحمته، أو المقارنة بين صفات المخلوق وصفات الخالق، فالمخلوق الذي أودعت فيه الرحمة رحيم كالأم لو حاسبت ابنها أدخلته الجنة، فما بالك بمن هو أرحم منها بل أرحم الراحمين، أو المقارنة بين أفعال اللَّه وأفعال غيره، حيث استبشر الأعرابي بلقاء من لا يرى الخير إلا منه وهو اللَّه، وذلك أن أفعال اللَّه ليس فيها شر والشر ليس إليه، أو التسليم للَّه في اختياره والرضا بتصرفه في عباده، وأن ذلك كله خير للعبد، كما في أثر النضر بن عبد اللَّه.

وهذه الأنواع إلى سبقت ذَكَرَهَا ابن القيم رحمه الله في منزلة الرجاء فقال: "الرجاء ثلاثة أنواع: نوعان محمودان، ونوع غرور مذموم، فالأولان: رجاء رجل عمل بطاعة اللَّه على نور من اللَّه فهو راج لثوابه، ورجل أذنب ذنوبا ثم تاب منها فهو راج لمغفرة اللَّه تعالى وعفوه وإحسانه وجوده وحلمه وكرمه، والثالث: رجل متماد في التفريط والخطايا يرجو رحمة اللَّه بلا عمل فهذا هو الغرور والتمني والرجاء الكاذب"

(1)

، ثم في شرح تقسيم شيخ الإسلام الهروي لدرجات الرجاء قال:"الدرجة الثالثة: رجاء أرباب القلوب، وهو رجاء لقاء الخالق. . . ." قال رحمه الله: "هذا الرجاء أفضل أنواع الرجاء وأعلاها، قال اللَّه تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ

(1)

مدارج السالكين (2/ 37).

ص: 374

فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)}

(1)

وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ}

(2)

، وهذا الرجاء هو محض الإيمان وزبدته، وإليه شخصت أبصار المشتاقين، ولذلك سلاهم اللَّه تعالى بإتيان أجل لقائه، وضرب لهم أجلا يسكن نفوسهم ويطمئنها"

(3)

.

أما الرجاء في جلب النفع ودفع الضر، فقد تضمنت الآثار التنبيه إلى أن الرجاء ليس مقصورا عل أمر دون آخر، بل على السلم أن ينزل رجاءه في حصول مرغوب أو دفع مكروه على اللَّه في كل حالاته، ومن هنا كانت نصيحة جعفر أبي محرر لمن خاف على بناته بعد موته، بأن قال: الذي رجوته لمغفرة ذنبك فارجه لخير بناتك، فمغفرة الذنب أعظم من الرزق، ونصيحة طاووس للمحتضر بأن يدعو اللَّه بنفسه لأن اللَّه يجيب المضطر، وكذا أثر زياد النميري بأن منتهى الرجاء تأمل اللَّه على كل الحالات، وذلك "أن الدعاء مبني عليه -الطمع والرجاء-؛ فإن الداعى ما لم يطمع في سؤله ومطلوبه لم تتحرك نفسه لطلبة إذ طلب ما لا طمع فيه ممتنع"

(4)

، ويتضح هذا أكثر ببيان أن الرجاء من أهم أسباب حصول المقصود كما سبق ذكره في التوكل قال ابن القيم: "قد يجعل اللَّه سبحانه تطيُّر العبد وتشاؤمه سببا لحلول

(1)

سورة الكهف، من الآية (110).

(2)

سورة العنكبوت، الآية (5).

(3)

مدارج السالكين (2/ 56).

(4)

بدائع الفوائد (3/ 523).

ص: 375

المكروه به، كما يجعل الثقة والتوكل عليه وإفراده بالخوف والرجاء من أعظم الأسباب التي يدفع بها الشر المتطير به. . . ومن رجا مع اللَّه غيره خذل من جهته، وهذه أمور تجربتها تكفي عن أدلتها"

(1)

وقال: "الرجاء من الأسباب التي ينال بها العبد ما يرجوه من ربه، بل هو من أقوى الأسباب"

(2)

، ولذلك جعل الرجاء نظير التوكل

(3)

.

أما الرجاء والعمل فيقال فيه ما قيل في سابقيه: حسن الظن والتوكل وعلاقتهما بالأسباب والأعمال؛ لاسيما وأن حسن الظن هو الرجاء

(4)

، وهو نظير التوكل كما سبق، إلا أن الآثار التي وردت في هذا العنصر تضمنت معاني جليلة في بيان هذا الأمر، فالرجاء كما في أثر الحسن هو داعي العمل وحاديه، ولذلك لا يمل صاحبه كلال السهر ومجاهده القيام، وذلك أن قوة الرجاء تبعث على العمل:"إذا تجلى -أي اللَّه عز وجل بصفات الرحمة والبر، واللطف والإحسان، انبعثت قوة الرجاء من العبد، وانبسط أمله وقوي طمعه، وسار إلى ربه وحادي الرجاء يحدو ركاب سيره، وكلما قوي الرجاء جد في العمل، كما أن الباذر كلما قوي طمعه في المغل غلق أرضه بالبذر"

(5)

، ومن هنا كان بعض السلف يرجو اللَّه وقد صام له ثمانين رمضان، أو يستمر في العمل حتى عند

(1)

مفتاح دار السعادة (3/ 340).

(2)

مدارج السالكين (2/ 45).

(3)

انظر الروح (2/ 748).

(4)

الجواب الكافي (24).

(5)

الفوائد (69).

ص: 376

سكرات الموت بقراءة القرآن أو الصلاة بالإيماء، ويتفكر في الجنة والنار كأنه فيهما، ثم يطالب نفسه بالعمل لنيل الجنة أو البعد عن النار، كأنها طلبت الرجعة فأرجعت للعمل، قال ابن رجب:"وقد كان السلف الصالح يجتهدون في الأعمال الصالحة حذرا من لوم النفس عند انقطاع الأعمال على التقصير"

(1)

، حيث أقبلوا على إحسان العمل؛ فإن كان لهم ما يرجون برحمة اللَّه كان عملهم فضلا ودرجات عند اللَّه، وإن كان غير ذلك لم يلوموا أنفسهم على التقصير، بل لم يجترؤوا على المعصية اتكالا على الرجاء، كما قال وهيب بن الورد أكره أن أنال مغفرته بمعصتيه، وقول العمري: كما تحب أن يكون اللَّه لك غدا، فكن له اليوم، وقد أشار ابن القيم رحمه الله إلى هذا المعنى عند كلامه على الأسباب التي تعين على الصبر عن المعصية فقال:"الثاني: مشهد محبته سبحانه فيترك معصيته محبة له؛ فإن المحب لمن يحب مطيع، وأفضل الترك ترك المحبين. . . الثالث: مشهد النعمة والإحسان؛ فإن الكريم لا يقابل بالإساءة من أحسن إليه"

(2)

، ثم إن الآثار تضمنت أن الذي يرجو للَّه وهو غير آخذ بأسباب ذلك من العمل الصالح، بله مقيم على المعصية مصر عليها مغرورٌ، كما في أثر عمر بن عبد العزيز لمن سأل اللَّه الحور وهو يلعب بالحصى:"بئس الخاطب أنت"، ولا يستوي من هذا حاله مع من أفنى حياته في طاعة ربه، وأن التوبة ليست بالكلام، وَوَصَفَهُ الفضيل بأنه قليل النظر لنفسه، وأبو رافع بأن ذلك من الأمن لمكر اللَّه، وأوصى بعض العباد ابنه بأن لا يرجو الآخرة

(1)

جامع العلوم والحكم (1/ 232).

(2)

عدة الصابرين (44 - 45).

ص: 377

بغير عمل، وفي أبيات الوراق مقارنة بين الرجاء مع تواصل الذنوب، بما فعله ذنب واحد بأبينا آدم، فمن يمني نفسه طرق الرجاء يجب أن يقصدها ويأتيها، وأخيرا فإن الأعمال مهما حسنت وصلحت فإن المعَوَّل على عفو اللَّه ورحمته، خوفا من التقصير الذي يعتريها، وكثرة نعم اللَّه التي لا توافي بعضها جميع أعمالنا؛ كما في أثري داود الطائي وعون بن عبد اللَّه، وهذا يؤكد أن الأعمال ليست عوضا، وإنما هي أسباب لدخول الجنة، وأن الجزاء يوم القيامة هو بأن يتغمّد اللَّه العباد برحمته.

ص: 378