الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة السابعة: الآثار الواردة في حكم قتلهم
.
80 -
حدثنا علي بن الجعد قال: أخبرنا قيس بن الربيع قال: أخبرنا أبو حصين، عن قبيصة قال: "أتي عليّ بزنادقة فقتلهم، ثم حفر لهم حفرتين فأحرقهم فيها، فقال قبيصة شعرا:
لِتَرمِ بي الحوادث حيث شاءت
…
إذا لم ترم بي في الحفرتين
إذا ما حُشَّتَا حطبا ونارا
…
فذاك الغيّ نقدا غير دين"
(1)
.
التحليل والتعليق
تضمن أثر قبيصة جواز قتل أصحاب البدع لبدعتهم، وتعزير المبتدع بالقتل أمر مشهور وسنة متبعة من أئمة الإسلام، فكم إمام عزّر مبتدعا زنديقا وعُدّ ذلك من حسناته، قال شيخ الإسلام عن خالد بن عبد اللَّه القسري وهو قاتل الجعد بن درهم يوم الأضحى:"على رؤوس من حضره من المسلمين، لم يعبه به عائب، ولم يطعن عليه طاعن، بل استحسنوا ذلك من فعلم وصوبوه"
(2)
، "الداعي إلى البدعة مستحق العقوبة باتفاق المسلمين، وعقوبته تكون تارة بالقتل، وتارة بما دونه، كما
(1)
إسناده ضعيف، فيه قيس بن الربيع وسيأتي (713)، الإشراف (229) رقم (270)، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (49/ 248)، وأورد الحافظ في الفتح (6/ 151) عدة طرق للأثر، وأصل قصة تحريق علي رضي الله عنه ثابت في الصحيح، وقد اعتني الحافظ بتخريج طرقها وتوجيهها انظر الفتح الموضع السابق و (12/ 270 - 272).
(2)
درء التعارض (5/ 304).
قتل السلف جهم بن صفوان، والجعد بن درهم، وغيلان القدري وغيرهم"
(1)
.
ومسألة قتل المبتدع فيها تفصيل طويل في كتب الفقه، وذلك أنها من باب التعزير ولهذا ينظر إلى حال البدعة وحال المبتدع، هل هي مكفرة أو مفسقة؟ ، وهل يستتاب صاحبها أم لا، وهل يقتل حدا أم كفرا، قال شيخ الإسلام:"قتل هؤلاء له مأخذان؛ أحدهما: كون ذلك كفرا، كقتل المرتد، أو جحودا أو تغليظا، وهذا المعنى يعم الداعي إليها وغير الداعي، وإذا كفروا فيكون قتلهم من باب قتل المرتد، والمأخذ الثاني: لما في الدعاء إلى البدعة من إفساد دين الناس، ولهذا كان أصل الإمام أحمد وغيره من فقهاء الحديث وعلمائهم، يفرقون بين الداعي إلى البدعة وغير الداعي، في رد الشهادة، وترك الرواية عنه، والصلاة خلفه، في الكتب الستة ومسند أحمد الرواية عن مثل عمرو بن عبيد ونحوه، ولم يترك عن القدرية الذين ليسوا بدعاة، وعلى هذا المأخذ فقتلهم من باب قتل المفسدين المحاربين؛ لأن المحاربة باللسان كالمحاربة باليد وهجره ولهذا ترك"
(2)
.
وقد لخّص الإمام الشاطبي رحمه الله أحكام المبتدعة تلخيصا دقيقا حمع فيه كل أنواع العقوبات التي تنزل بهم، مع بيان حال البدعة والمبتدع المستحق لذلك على وجه الإجمال فقال: "إن القيام عليهم
(1)
الفتاوى الكبرى (2/ 29).
(2)
الفتاوى الكبرى (4/ 602 - 603).
بالتثريب، أو التنكيل، أو الطرد، أو الإبعاد، أو الإنكار، هو بحسب حال البدعة في نفسها: من كونها عظيمة المفسدة في الدين، أم لا، وكون صاحبها مشتهرًا بها أو لا، وداعيًا إليها أو لا، ومستطيرًا بالأتباع وخارجًا عن الناس أو لا، وكونه عاملًا بها على جهة الجهل أو لا.
وكل من هذه الأقسام له حكم اجتهادي يخصه؛ إذ لم يات في الشرع في البدعة حد لا يزاد عليه ولا ينقص منه، كما جاء في كثير من المعاصي، كالسرقة، والحرابة، والقتل، والقذف، والجراح، والخمر وغير ذلك. لا جرم أن المجتهدين من الأمة نظروا فيها بحسب النوازل، وحكموا باجتهاد الرأي، تفريعًا على ما تقدم لهم في بعضها من النص، كما جاء في الخوارج من الأثر بقتلهم، إما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في صبيغ العراقي.
فخرج من مجموع ما تكلم فيه العلماء أنواع.
إحداهما: الإرشاد والتعليم وإقامة الحجة، كمسألة ابن عباس رضي الله عنه حين ذهب إلى الخوارج فكلمهم حتى رجع منهم ألفان أو ثلاثة آلاف.
والثاني: الهجران، وترك لكلام والسلام، حسبما تقدم عن جملة من السلف في هجرانهم لمن تلبس ببدعة، وما جاء عن عمر رضي الله عنه من قصة صبيغ العراقي.
والثالث: كما غرب عمر صبيغًا، ويجري مجراه السجن وهو:
الرابع: كما سجنوا الحلاج قبل قتله سنين عديدة.
والخامس: ذكرهم بما هم عليه، وإشاعة بدعتهم كي يحذروا، ولئلا يغتر بكلامهم، كما جاء عن كثير من السلف في ذلك.
السادس: القتل إذا ناصبوا المسلمين، وخرجوا عليهم، كما قاتل علي رضي الله عنه الخوارج، وغيره من خلفاء السنة.
والسابع: القتل إن لم يرجعوا من الاستتابة، وهو قد أظهر بدعته، وأما من أسرها وكانت كفرًا، أو ما يرجع إليه فالقتل بلا استتابة وهو:
الثامن: لأنه من باب النفاق كالزنادقة.
والتاسع: تكفير من دل الدليل على كفره، كما إذا كانت البدعة صريحة في الكفر كالإباحية، والقائلين بالحلول كالباطنية، أو كانت المسألة في باب التكفير بالمال، فذهب المجتهد إلى تكفيره كابن الطيب في تكفيره جملةً من الفرق، وينبني على ذلك:
والعاشر: وذلك أنه لا يرثهم ورثتهم من المسلمين ولا يرثون أحدًا منهم، ولا يغسلون إذا ماتوا، ولا يصلون عليهم، ولا يدفنون في مقابر المسلمين، ما لم يكن المستتر، فإن المستتر يحكم له بحكم الظاهر، وورثته أعرف بالنسبة إلى الميراث.
والحادي عشر: الأمر بأن لا يناكحوا، وهو من ناحية الهجران، وعدم المواصلة.
والثاني عشر: تجريحهم على الجملة، فلا تقبل شهادتهم ولا روايتهم، ولا يكونون ولاةً ولا قضاةً، ولا ينصبون في مناصب العدالة من إمامة أو
خطابة، إلا أنه قد ثبت عن جملة من السلف رواية جماعة منهم، واختلفوا في الصلاة خلفهم من باب الأدب ليرجعوا عما هم عليه.
والثالث عشر: ترك عيادة مرضاهم، وهو من باب الزجر والعقوبة.
والرابع عشر: ترك شهود جنائزهم كذلك.
والخامس عشر: الضرب كما ضرب عمر رضي الله عنه صبيغًا"
(1)
.
(1)
الاعتصام (90 - 91).