المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المطلب السادس: الآثار الواردة في عدم ذكر محاسن الفاسق المبتدع .   59 - الآثار المروية عن أئمة السلف في العقيدة من خلال كتب ابن أبي الدنيا - جـ ١

[حميد بن أحمد نعيجات]

فهرس الكتاب

- ‌مقدِّمة معالي مدير الجامعة الإسلاميَّة

- ‌شكر وتقدير

- ‌أسباب اختيار الموضوع

- ‌أهمية الموضوع

- ‌منهج البحث

- ‌خطة البحث

- ‌تمهيد: في ترجمة موجزة لابن أبي الدنيا

- ‌الفصل الأول: دراسة جوانبه الشخصية

- ‌المبحث الأول: اسمه ونسبه وكنيته ولقبه

- ‌المبحث الثاني: مولده ونشأته

- ‌المبحث الثالث: وفاته

- ‌الفصل الثاني: دراسة جوانبه العلمية

- ‌المبحث الأول: طلبه للعلم ورحلاته

- ‌المبحث الثاني: شيوخه وتلاميذه

- ‌أولا: شيوخه

- ‌ثانيا: تلاميذه

- ‌المبحث الثالث: عقيدته ومذهبه في الفروع

- ‌أولا: عقيدته

- ‌أولا: مسألة حياة الخضر

- ‌ثانيا: بعض المسائل في توحيد العبادة

- ‌ثالثا: الرواية عن أهل الكتاب عموما، وسؤال الرهبان ونحوهم خصوصا

- ‌رابعا: الكلام في الأنبياء

- ‌ثانيا: مذهبه في الفروع

- ‌المبحث الرابع: مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

- ‌المبحث الخامس: آثاره العلمية

- ‌الباب الأول: الآثار الواردة في الاتباع والابتداع

- ‌الفصل الأول: الآثار الواردة في الاتباع

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في تعظيم السلف للكتاب والسنة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في ترك ما ليس للعبد فيه سلف

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في النهي عن الكلام في العلماء

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في الهدي العام للسلف في السلوك

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الفصل الثاني: الآثار الواردة في الابتداع

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في خطورة البدع

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في نهي السلف عن الأهواء وتعوذهم منها

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في تمني الموت قبل وقوع البدع

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في سرعة وقوع البدع في الناس

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في أن البدع سبب هلاك مَن هلك مِن هذه الأمة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الخامس: الآثار الواردة في تألم السلف من ظهور البدع وترك السنن

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في سد الذرائع إلى البدع

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في التحذير من أهل البدع والرأي والقياس الفاسد

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في النهي عن الخصومات في الدين

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في النهي عن الاستماع لأهل البدع

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في منع الحكام أهل البدع من الكلام فيها

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الخامس: الآثار الواردة في عدم الاعتداد بصلاح أهل البدع

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السادس: الآثار الواردة في عدم ذكر محاسن الفاسق المبتدع

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السابع: الآثار الواردة في الحذر من الكلام الذي يكون للمبتدع فيه حجة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثامن: الآثار الواردة في تورع السلف عن أفعالٍ خشية أن تكون بدعة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثالث: الآثار الوادة في أحكام المبتدعة في الدنيا والآخرة

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في أحكام المبتدعة في الدنيا

- ‌المسألة الأولى: الآثار الواردة في حكم غيبتهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثانية: الآثار الواردة في حكم لعنهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثالثة: الآثار الواردة في حكم تزويجهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الرابعة: الآثار الواردة في حكم من خالطهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الخامسة: الآثار الواردة في حكم مجالستهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة السادسة: الآثار الواردة في حكم مغفرة ذنوبهم في شعبان

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة السابعة: الآثار الواردة في حكم قتلهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في أحكام المبتدعة في الآخرة

- ‌المسألة الأولى: الآثار الواردة في تسليط بعض الحيات عليهم بعد موتهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثانية: الآثار الواردة في عذاب أهل البدع في قبورهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثالثة: الآثار الواردة في تحويل وجوههم عن القبلة في قبورهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الباب الثاني: الآثار الواردة في التوحيد

- ‌الفصل الأول: الآثار الواردة في توحيد الربوبية

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في فضل معرفة اللَّه

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في استلزام التفكر والمعرفة للعبادة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الفصل الثاني: الآثار الواردة في توحيد الألوهية

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في أنواع العبادة

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في فضل التوحيد

- ‌أولا: الآثار الواردة في أنه سبب تفاضل الأعمال

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في أنه أفضل نعمة على العبد

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في أن اللَّه وصفه بالإحسان

- ‌رابعا: الآثار الواردة في أنه مكفر للذنوب

- ‌خامسا: الآثار الواردة في أنه مطهر من الشرك والذنوب

- ‌سادسا: الآثار الواردة في أنه عُدَّة أصحاب الكبائر

- ‌سابعا: الآثار الواردة في أنه أعظم ما حورب به إبليس

- ‌ثامنا: الآثار الواردة في الجزاء العظيم الذي أُعَدَّ لصاحبه

- ‌تاسعا: الآثار الواردة في أنه جالب لمحبة الناس للعبد، ودافع لبغضهم

- ‌عاشرا: الآثار الواردة في أنه سبب إجابة الدعاء

- ‌حادي عشر: الآثار الواردة في مشروعية تلقين الميت كلمة التوحيد

- ‌ثاني عشر: الآثار الواردة في أنها شعار الناس إذا خرجوا من قبورهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في الإخلاص وصلاح العمل

- ‌أولا: الآثار الواردة في الإخلاص وأهميته

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في صلاح العمل

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في الدعاء

- ‌أولا: الآثار الواردة في أسباب الإجابة

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في إنزال كل الحوائج باللَّه عز وجل وحده

- ‌ثالثًا: الآثار الواردة في الدعاء وكرامات الصالحين

- ‌رابعا: الآثار الواردة في دعاء اللَّه في السراء والضراء

- ‌خامسا: الآثار الواردة في بعض آداب الدعاء

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في التوكل

- ‌أولا: الآثار الواردة في فضله

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في تعريفه

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في التوكل واتخاذ الأسباب

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الخامس: الآثار الواردة في اليقين

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السادس: الآثار الواردة في حسن الظن باللَّه

- ‌أولا: الآثار الواردة في فضل حسن الظن باللَّه ومعناه

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في حسن الظن والعمل

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في إحسان الظن باللَّه عند الموت

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السابع: الآثار الواردة في الرجاء

- ‌أولا: الآثار الواردة في رجاء ثواب الطاعة

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في رجاء مغفرة الذنب

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في رجاء لقاء اللَّه

- ‌رابعا: الآثار الواردة في رجاء دفع الضر وجلب النفع

- ‌خامسا: الآثار الواردة في الرجاء والعمل

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثامن: الآثار الواردة في الخوف

- ‌أولا: الآثار الواردة في تعريفه

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في الخوف والعمل

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في الخوف عند الموت

- ‌رابعا: الآثار الواردة في الخوف وتمني الموت

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب التاسع: الآثار الواردة في الجمع بين الخوف والرجاء

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب العاشر: الآثار الواردة في الشكر

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الحادي عشر: الآثار الواردة في التوسل

- ‌أولا: الآثار الواردة في التوسل بالطاعات

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في التوسل بأسماء اللَّه وصفاته

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في التوسل بدعاء الصالحين

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني عشر: الآثار الواردة في حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث عشر: الآثار الواردة في التبرك

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في نواقض وقوادح التوحيد

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في نواقض التوحيد

- ‌المسألة الأولى: الآثار الواردة في النهي عن الشرك

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثانية: الآثار الواردة في ذم الشرك

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثالثة: الآثار الواردة في التحذير من الشرك

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الرابعة: الآثار الواردة في السحر

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الخامسة: الآثار الواردة في سد ذرائع الشرك

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في قوادح التوحيد

- ‌المسألة الأولى: الآثار الواردة في الرياء

- ‌أولا: الآثار الواردة في تعريفه

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في خطورته

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في خوف السلف وتحذيرهم منه

- ‌رابعا: الآثار الواردة في الفرق بينه وبين حب الذكر الحسن

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثانية: الآثار الواردة في الحلف بغير اللَّه

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثالثة: الآثار الواردة في قول الرجل: لولا اللَّه وأنت

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الرابعة: الآثار الواردة في التمائم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الخامسة: الآثار الواردة في الطيرة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة السادسة: الآثار الواردة في النهي عن بناء القبور بالآجر

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الفصل الثالث: الآثار الواردة في توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في أن أسماء اللَّه حسنى

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في فهم معاني الصفات

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في قطع الطمع عن إدراك الكيفية

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في العلو والفوقية

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الخامس: الآثار الواردة في المجيء والنزول

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث السادس: الآثار الواردة في اليد

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث السابع: الآثار الواردة في الساق

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثامن: الآثار الواردة في النظر إلى اللَّه ورؤيته

- ‌أولا: الآثار الواردة في تفسير الزيادة بالنظر إلى اللَّه عز وجل

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في أن رؤية اللَّه أعظم نعيم في الجنة

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في زيارة المؤمنين ربهم يوم الجمعة

- ‌رابعا: الآثار الواردة في تجلي اللَّه عز وجل لعباده

- ‌خامسا: الآثار الواردة في بروز اللَّه عز وجل لعباده

- ‌سادسا: الآثار الواردة في الفرق بين نظر المؤمنين لربهم ونضارة وجوههم

- ‌سابعا: الآثار الواردة في كون رؤية اللَّه جزاءا لأعمال معينة

- ‌ثامنا: الآثار الواردة في يقين السلف بهذه العقيدة

- ‌تاسعا: الآثار الواردة في الحجب، واحتجابه تعالى عن الكفار

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث التاسع: الآثار الواردة في المكر

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث العاشر: الآثار الواردة في الاستهزاء

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الحادي عشر: الآثار الواردة في الخداع

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني عشر: الآثار الواردة في الغضب والأسف

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثالث عشر: الآثار الواردة في السخط

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الرابع عشر: الآثار الواردة في الغيرة

- ‌التحليل والتعليق

الفصل: ‌ ‌المطلب السادس: الآثار الواردة في عدم ذكر محاسن الفاسق المبتدع .   59

‌المطلب السادس: الآثار الواردة في عدم ذكر محاسن الفاسق المبتدع

.

59 -

حدثني أبو صالح قال: سمعت رافع بن أشرس

(1)

قال: كان يقال: إن من عقوبة الكذاب، ألا يقبل صدقه، قال: وأنا أقول: "ومن عقوبة الفاسق المبتدع، أن لا تذكر محاسنه"

(2)

.

‌التحليل والتعليق

تضمن أثر رافع بن أشرس رحمه الله، بيان بعض ما يستحقه الفاسق المبتدع من العقوبة، وهو أن تذكر محاسنه، وهي مسألة تحتاج إلى تفصيل:

(1)

انظر الكلام عليه في التخريج الآتي.

(2)

إسناده حسن؛ رجاله ثقات سوى رافع بن أشرس، ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (3/ 482) رقم (2176) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وذكر أنه يروي عنه أحمد بن منصور بن راشد المروزي، قلت: وهو شيخ المصنف هذا أي أبو صالح المروزي، ووردت نسبته في المستدرك (3/ 195) بقوله:"المروزي"، ثم قال عن الحديث:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وتعقبه الذهبي بقوله:"الصفار لا يدرى من هو" أي شيخ رافع في هذا السند، قلت: وهذا يفيد تقويتهما لرافع بن أشرس واللَّه أعلم، والذي يظهر أنه كان له اهتمام بالجرح والتعديل فانظر ميزان الاعتدال (2/ 372)، الكامل في الضعفاء (6/ 436)، وتهذيب الكمال (7/ 212). الصمت (260) رقم (549)، وأخرجه من طريقه الخطيب البغدادي في الكفاية (117)، وابن رجب في شرح علل الترمذي (1/ 353)، وذكره السخاوي في فتح المغيث (1/ 328).

ص: 177

الحالة الأولى: أن لا يذكر أصلا، لا بسوء ولا بخير، بل يُعزف عنه كُلِّيَةً ما دام حيًّا وإذا مات ماتت معه بدعته، وسلم منه الناس، ولا يلفت نظرهم إليه؛ لأنهم غافلون عنه، وغير منتبهين له، وقد علل ابن دقيق العيد رحمه الله ذلك بقوله:"إخمادا لبدعته وإطفاء لناره"

(1)

، وهذا مُعْتَمَدُ من منع الرواية عن المبتدع مطلقا -داعية أو غيره-، لأن فيه ترويجا لأمره وتنويها بذكره، قال السخاوي:"وعلى هذا ينبغي أن لا يروى عن مبتدع شيء شاركه فيه غيره"

(2)

، وهذا معنى أثر أبي بكر بن عياش:"صاحب السنة إذا مات أحيا اللَّه ذكره، والمبتدع لا يذكر"

(3)

، وقد كان ذلك منهجا عاما للسلف كما قال اللالكائى رحمه الله: "لم يكن لهم -أهل البدع- قهرٌ ولا ذلٌّ أعظمَ مما تركهم السلف على تلك الجملة، يموتون من الغيظ كمدا ودَرَدًا

(4)

، ولا يجدون إلى إظهار بدعتهم سبيلا"

(5)

.

الحالة الثانية: أن يكون المقام مقام تحذير، وفي هذه الحالة يجب ويتعين أن تُبيَّن بدعة المبتدع، والرَدّ عليه، وكشف عواره، ونشر مثالبه، وكفِّ

(1)

انظر فتح المغيث (1/ 328)، وتوضيح الأفكار (1/ 234).

(2)

فتح المغيث (1/ 328).

(3)

أخرجه الترمذي في العلل، انظر شرح علل الترمذي لابن رجب (1/ 353).

(4)

يقال: رجل أَدْرَد بين الدَّرَد أي ليس في فمه سِنّ، وكأن المراد أنهم يموتون عِيًّا لا يمكنهم إيصال بدعتهم إلى غيرهم للدَّرَد الذي أصاب أسنانهم، وفاقد الأسنان لا يمكنه الكلام إلا بتكلف وبِعِيِّ ومشقة، ولا يكاد يفهم عنه شيء واللَّه أعلم.

(5)

شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 19).

ص: 178

العامة عن الرجوع إليه، دفاعا عن الدين، وصونا لعقائد عموم المسلمين، من التبديل والتحريف والتأويل.

وذلك أن المقصود بالرد عليه بيان بدعته وخطورتها على الدين، وقمعها ودفنها في مهدها؛ فإن البدع إذا تمكنت من القلوب استشرت وعمت، وحينئذ يتسع الخرق على الراقع كما يقال، ومن هنا لم يناسب حكاية ما له من حسنات في هذا المقام؛ لأنه يعود على المقصود بالإبطال، أو الإضعاف على أقل تقدير، وبهذا تعلم أن من أوجب ذكر حسنات المبتدع عند الرد فقد جانب الصواب واللَّه أعلم، وقد أفتى بذلك سماحة الشيخ الإمام عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز رحمه الله لما سئل:"فيه أناس يوجبون الموازنة: أنك إذا انتقدت مبتدعا ببدعته لتحذر الناس منه يجب أن تذكر حسناته حتى لا تظلمه؟ فأجاب الشيخ رعاه اللَّه: "لا، ما هو بلازم، ما هو بلازم، ولهذا إذا قرأت كتب أهل السنة، وجدت أن المراد التحذير، اقرأ في كتب البخاري "خلق أفعال العباد"، في كتاب الأدب في "الصحيح"، كتاب "السنة" لعبد اللَّه بن أحمد، كتاب "التوحيد" لابن خزيمة، "رد عثمان بن سعيد الدارمي على أهل البدع". . . إلى غير ذلك.

يوردونه للتحذير من باطلهم، ما هو المقصود تعديد محاسنهم. . . المقصود التحذير من باطلهم، ومحاسنهم لا قيمة لها بالنسبة لمن كفر، إذا كانت بدعته تكفره، بطلت حسناته، وإذا كانت لا تكفره، فهو على خطر، فالمقصود هو بيان الأخطاء والأغلاط التي يجب الحذر

ص: 179

منها"

(1)

.

وأما الحالة الثالثة: أن يكون المقام يتعلق يحانب أعم من التحذير والرد على المبتدع، وإنما يتعلق بتقويم رجل أو جماعة، أو الترجمة التاريخية، والبحث العلمي، فقد جرت عادة العلماء في مثل هذه المواطن ذكر كل ما يروى عن المترجم له، من حسنات وسيئات، فكتب التاريخ تجد فيها كل ما يتعلق بالمترجم له، ولو كان صاحب بدعة، وتجد في تقويم شيخ الإسلام ابن تيمية لكثير من الطوائف، ذكر بعض حسناتهم، وأحيانا كثيرة يقارن بين جماعة وأخرى، وبيان أيها أفضل مع اجتماعهم في البدعة عموما، كمقارنته بين الخوارج والروافض، والمعتزلة والأشاعرة، وهكذا

(2)

، بل إنك لتجد له كلاما عاما في هذا الموضوع، كقوله رحمه الله:"معلوم أن في جميع الطوائف من هو زائغ ومستقيم"

(3)

، وقال رحمه الله في معرض كلامه عن الأشعري وموقف بعض الحنابلة منه ومن توبته: "الصواب الذي عليه أهل السنة والجماعة أنه قد يجتمع في الشخص الواحد والطائفة الواحدة ما يحمد به من الحسنات، وما يذم به من السيئات، وما لا يحمد به ولا يذم من المباحث، والعفو عنه من الخطأ والنسيان، بحيث يستحق الثواب على حسناته، ويستحق العقاب

(1)

منهج أهل السنة والجماعة في تقويم الرجال (7)، وانظر بقية نقولات الشيخ عن الألباني والفوزان وغيرهما.

(2)

انظر مجموع الفتاوى (3/ 357).

(3)

المجموع (3/ 228)، وانظر منهاج السنة (7/ 36).

ص: 180

على سيئاته، بحيث لا يكون محمودا ولا مذموما على المباحات والمعفوات، وهذا مذهب أهل السنة في فساق أهل القبلة ونحوهم. . . ولهذا يكثر في الأمة من أئمة الأمراء وغيرهم من يجتمع فيه الأمران فبعض الناس يقتصر على ذكر محاسنه ومدحه غلوا وهوى، وبعضهم يقتصر على ذكر مساويه غلوا وهوى، ودين اللَّه بين الغالي فيه والجافي عنه، وخيار الأمور أوسطها، ولا ريب أن للأشعري في الرد على أهل البدع كلاما حسنا، هو من الكلام المقبول الذي يحمد قائله إذا أخلص فيه النية، وله أيضا كلام خالف به بعض السنة هو من الكلام المردود الذي يذم به قائله إذا أصرَّ عليه بعد قيام الحجة، وإن كان الكلام الحسن لم يخلص فيه النية والكلام السيء كان صاحبه مجتهدا مخطئا مغفورا له خطأه لم يكن في واحد منهما مدح ولا ذم، بل يحمد نفس الكلام المقبول الموافق للسنة، ويذم الكلام المخالف للسنة، وإنما المقصود أن الأئمة المرجوع إليهم في الدين مخالفون للأشعري في مسألة الكلام، وإن كانوا مع ذلك معظمين له في أمور أخرى، وناهين عن لعنه وتكفيره، ومادحين له بما له من المحاسن"

(1)

.

وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله السؤال التالي: "ما رأيكم فيمن إذا أراد أن يقوِّم شخصًا، لا يذكر ما لديه من خير بل يذكر مساوئه فقط؟ ، فقال رحمه الله جوابًا على ذلك: "هذا من الإجحاف والجور؛ لأن اللَّه عز وجل يقول في كتابه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ

(1)

الفتاوى الكبرى (5/ 343).

ص: 181

لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}

(1)

، فنهانا اللَّه سبحانه وتعالى أن يحملنا بغض قوم على عدم العدل، بل أمرنا أن نقول العدل، وقد أقر اللَّه تعالى الحق الذي صدر من المشركين، وأقر النبي صلى الله عليه وسلم الحق الذي صدر من اليهود، قال تعالى:{وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا}

(2)

، فكان الجواب:{قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} فأبطل قولهم: {وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} لأنها باطل، وسكت عن قولهم:{وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا} لأنها حق. . . والواجب على من أراد أن يقوِّم شخصًا تقويمًا كاملًا

(3)

، إذا دعت الحاجة أن يذكر مساوئه ومحاسنه، وإذا كان ممن عرف بالنصح للمسلمين أن يعتذر عما صدر من المساوئ، مثلًا نحن نرى العلماء كابن حجر والنووي وغيرهما ممن لهم أخطاء في العقيدة لكنها أخطاء نعلم علم اليقين فيما تعرف من أحوالهم أنها حدثت عن اجتهاد"

(4)

.

(1)

سورة المائدة، من الآية (8).

(2)

سورة الأعراف، من الآية (28).

(3)

وهذا ألصق بمقام التراجم، والسيرة الذاتية، والمرويات التاريخية.

(4)

جريدة المسلمون عدد (4730).

ص: 182