الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شيء، كما لا ينبغي أن يضرب بسيفه كل شيء"
(1)
.
التحليل والتعليق
تضمنت الآثار السابقة تحذير السلف من أهل البدع، وذم طريقتهم، وبغضهم لها ولأهلها، وأن السلامة للمسلم أن ينأى بنفسه عن هؤلاء وبدعهم، ويقطع كل الطرق الممدودة بينه وبينهم، فأثر أبي عمر الضرير فيه التحذير من الأسماء أي الانتساب لبدعة من البدع كالقدر والاعتزال والإرجاء، والسبب في ذلك هو ما سبق أن من صفات أهل السنة العبودية المطلقة للَّه، وتجريد المتابعة لرسوله، ولذلك كانوا: "بمنزلة الذخائر المخبوءة، وهؤلاء أبعد الخلق عن الآفات؛ فإن الآفات كلها تحت الرسوم، والتقيد بها، ولزوم الطرق الاصطلاحية، والأوضاع المتداولة الحادثة، هذه هي التي قطعت أكثر الخلق عن اللَّه وهم لا يشعرون، والعجب أن أهلها هم المعروفون بالطلب والإرادة
(2)
، والسير إلى اللَّه وهم إلا الواحد بعد الواحد المقطوعون عن اللَّه بتلك الرسوم والقيود"
(3)
.
(1)
فيه إبهام شيوخ الحسين بن عبد الرحمن، العقل وفضله (25) رقم (42).
(2)
هذا في الزمن الماضي، فما بالك الآن، وقد صار ضعف الدين، وقلة العلم، والانغماس في المخالفات الصريحة للنصوص الشرعية، بحجة عصرنة الإسلام، أو التماشي مع الواقع وفقهه، هي سمة بارزة في أهل هذه الرسوم من الأحزاب والجماعات واللَّه المستعان.
(3)
مدارج السالكين (3/ 176).
كما أن التحذير من مصاحبة أهل البدع لأنهم أهل خلاف وفرقة، فارقوا الكتاب والسنة، ولم يجتعموا على قول، بل يلعن بعضهم بعضا ولو كانوا في الظاهر متآلفين، كما في أثر عطاء، ولا شك أن الفرقة والاختلاف هي سمة أهل البدع، كما أن الاجتماع والسنة هي سمة الفرقة الناجية، قال شيخ الإسلام:"وهذا الأصل العظيم وهو الاعتصام بحبل اللَّه جميعا وأن لا يتفرقوا، هو من أعظم أصول الإسلام، ومما عظمت وصية اللَّه تعالى به في كتابه، ومما عظم ذمه لمن تركه من أهل الكتاب وغيرهم، ومما عظمت به وصية النبي في مواطن عامة وخاصة"
(1)
، وقال:"البدعة مقرونة بالفرقة، كما أن السنة مقرونة بالجماعة، فيقال: أهل السنة والجماعة، كما يقال: أهل البدعة والفرقة"
(2)
.
كما حذر السلف من كل ما يعيق الاتباع، ويقف في طريقه، فهم يبغضون الآراء المحدثة كرأي الخوارج ويبغضون أهله كما قال إبراهيم التيمي، كما أنهم يحذرون من القياس الفاسد، الذي يضرب لمعارضة النصوص، والقول في الدين بالرأي كما فعل الشعبي، ولم يكن الكلام من علومهم التي يدرسونها ويتعلمونها، كما قال الضحاك، قال ابن عبد البر المالكي: "أجمع أهل الفقه والآثار في جميع الأمصار: أن أهل الكلام أهل بدع وزيغ، ولا يعدون عند الجميع في الأمصار في جميع طبقات العلماء، وإنما العلماء
(1)
مجموع الفتاوى (22/ 358).
(2)
الاستقامة (1/ 42).
أهل الأثر والتفقه فيه، ويتفاضلون فيه بالاتفاق والميز والفهم"
(1)
، بل بلغت مفاصلتهم لأهل البدع أنهم أفتوا بعدم اتخاذه سترة في الصلاة، حتى علم ذلك عنهم واشتهر موقفهم؛ فتجد أهل البدع يعلمون هذه المخالفة والمفاصلة لهم، كما صرح بذلك عمران بن حطان وهو أحد رؤوس الخوارج لقتادة، وبهذا يعلم أن هذه الطريقة كانت سدا لذريعة البدع؛ فإنه كما جاء في آخر أثر عن بعض الحكماء، من أنه لا ينبغي للعاقل أن ينظر بعقله في كل شيء، لأن ذلك سد لذريعة الوقوع في البدع والضلالات، وذلك أن اتباع القياس الفاسد، والقول بالرأي في الدين، هو من باب تحسين الظن بالعقل، وأنه يوصل إلى ما لم يوصل إليه النقل، وذلك أحد أسباب الإحداث في الدين كما قال الشاطبي رحمه الله:"الإحداث في الشريعة إنما يقع: من جهة الجهل، وإما من جهة تحسين الظن بالعقل، وإما من جهة اتباع الهوى في طلب الحق، وهذا الحصر بحسب الاستقراء من الكتاب والسنة"
(2)
.
(1)
الاعتصام للشاطبي (374).
(2)
الاعتصام (351).