الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن شريح
(1)
قال: "من قام إلى شيء من الخير لا يريد به إلا اللَّه ثم عرض له من يريد أن يرائيه بذلك، أعطاه اللَّه بالأصل ووضع عنه الفرع، ومن قام إلى شيء من الخير لا يريد به إلا المراءاة ثم فكر أو بدا له فجعل آخر ذلك للَّه أعطاه اللَّه الفرع ووضع عنه الأصل"
(2)
.
التحليل والتعليق
تضمنت الآثار السابقة أمورا مهمة تتعلق بالرياء، من تعريفه، وخطورته، وخوف السلف وتحذيرهم منه، والفرق بينه وبين حب الذكر الحسن، وعلاقة الرياء بقبول الأعمال.
فأما تعريفه: فعرفه الحسن بأن أصله حب المحمدة، وإظهار العمل الصالح للناس ليحمدوه عليه، كما في أثر الحسن وقصة الشيخ العابد الذي لا يقوى على العبادة إلا بسبب حب المحمدة، ولذلك كان علامة ذلك أن المرائي يستوحش من الوحدة فضلا عن العبادة فيها، قال ابن حجر:"الرياء بكسر الراء وتخفيف التحتانية والمد، وهو مشتق من الرؤية، والمراد به: إظهار العبادة لقصد رؤية الناس لها؛ فيحمدوا صاحبها"
(3)
.
(1)
ابن عبيد اللَّه المعافري، أبو شريح الإسكندراني، ثقة فاضل لم يصب ابن سعد في تضعيفه، من السابعة، مات سنة (167 هـ)، انظر: تهذيب الكمال (4/ 415) رقم (3833) والتقريب (3917).
(2)
إسناده حسن إن كان حميد هو الخولاني المصري.
التهجد (ص 341) رقم (277).
(3)
فتح الباري (11/ 336)، وانظر تهذيب الآثار (2/ 811)، وتيسير العزيز الحميد (524).
وأما خطورته: فقد تضمنت الآثار بيان خطورته، فهو آفة العبادة كما قال معاوية رضي الله عنه، ثم بيّن يحيى بن أبي كثير أن العمل الذي لا يراد به اللَّه يوضع في سجين، وخلاصة خطورته أنه من باب الشرك وهو مناف للتوحيد بحسبه، وقد سبق الكلام على أهمية الإخلاص في مبحث الإخلاص والعمل الصالح، وأنه شرط لقبول العمل.
وأما خوف السلف وتحذيرهم منه: فإنك تقف على العجب في هذه الآثار حيث نهوا عن التنفس المبالغ فيه عند الموعظة، فلكز عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاعله، ونهى الحسن جليسه عنه وبيَّن له أنه دائر بين الهلاك في الرياء، أو الشهرة إن كان لخلصا، وأنه مسؤول عن فعله ماذا أراد به، ومن حذرهم من الرياء خوفهم من إكرام الناس لهم بسبب منزلتهم الدينية، فلا يرضون بتنزيل السعر عن المثل، ولا بالإكرام والإضافة التي يكون دافعها ما عرف عنهم من الصلاح والديانة، ومن أجمل ما نقل في هذا الصدد ابن رجب قوله:"فما أحسن قول سهل بن عبد اللَّه: ليس على النفس شيء أشق من الإخلاص؛ لأنه ليس لها فيه نصيب، وقال يوسف بن الحسين الرازي: أعز شيء في الدنيا الإخلاص، وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي، وكأنه ينبت فيه على لون آخر"
(1)
.
وأما الفرق بينه وبينه حب الذكر الحسن: فقد بيّن أثر زيد بن أسلم أنه لا تنافي بينهما، وذكر دعاء إبراهيم عليه السلام بأن يجعل اللَّه له
(1)
جامع العلوم والحكم (1/ 17).
لسان صدق في العالمين، ويؤيده من شريعتنا قول النبي صلى الله عليه وسلم:"تلك عاجل بشرى المؤمن"
(1)
وقد بوب له النووي رحمه الله في رياض الصالحين بقوله: "باب ما يتوهم أنه رياء وليس كذلك"
(2)
، قال ابن رجب:"إذا عمل العمل للَّه خالصا ثم ألقى اللَّه له الثناء الحسن في قلوب المؤمنين بذلك بفضل ورحمة واستبشر بذلك لم يضره ذلك"
(3)
.
أما علاقة الرياء بقبول العمل: فقد سبق أن شرط قبول العمل الإخلاص فيه، وأن من أشرك مع اللَّه أحدا تركه اللَّه وشركه، والمقصود هنا بيان بعض تفاصيل هذه المسألة، حيث تضمن أثرا الحسن وابن شريح، أن من قام بعمل ولم يقصد به غير اللَّه، ثم طرأ عليه الرياء لم يضره ذلك، بل يجازيه اللَّه على أصل نيته ويعفو له عما طرأ، وزاد أثر ابن شريح أنه من قام إلى شيء من الخير لا يريد به إلا المراءاة، ثم فكر أو بدا له فجعل آخر ذلك للَّه، أعطاه اللَّه الفرع، ووضع عنه الأصل، وهذان الأثران يفيدان أن المسألة فيها تفصيل، وقد جمع ابن رجب هذا التفصيل وحالاته فقال: "اعلم أن العمل لغير اللَّه أقسام:
فتارة يكون رياء محضا: بحيث لا يراد به سوى مرئيات المخلوقين، لغرض دنيوي، كحال المنافقين في صلاتهم. . . وهذا الرياء المحض لا يكاد يصدر عن مؤمن في فرض الصلاة والصيام، وقد يصدر في الصدقة الواجبة
(1)
أخرجه مسلم (4/ 2034) رقم (2642).
(2)
رياض الصالحين (481).
(3)
جامع العلوم والحكم (1/ 17).
والحج وغيرهما من الأعمال الظاهرة، والتي يتعدى نفعها فإن الإخلاص فيها عزيز، وهذا العمل لا يشك مسلم أنه حابط، وأن صاحبه يستحق المقت من اللَّه، والعقوبة.
وتارة يكون العمل للَّه ويشاركه الرياء؛ فإن شاركه من أصله فالنصوص الصحيحة تدل على بطلانه أيضًا وحبوطه. . . ولا نعرف عن السلف في هذا خلافا، وإن كان فيه خلاف عن بعض المتأخرين؛ فإن خالط نيته الجهاد مثلًا نية يخل الرياء مثل أخذه أجرة للخدمة، أو أخذ شيء من الغنيمة أو التجارة، نقص بذلك أجر جهاده ولم يبطل بالكلية. . .
وأما إن كان أصل العمل للَّه ثم طرأت عليه نية الرياء فلا يضره؛ فإن كان خاطرا ودفعة فلا يضره بغير خلاف، فإن استرسل معه فهل يحبط عمله أم لا يضره ذلك، ويجازى على أصل نيته؟ في ذلك اختلاف بين العلماء من السلف قد حكاه الإمام أحمد وابن جرير الطبري، وأرجو أن عمله لا يبطل بذلك وأنه يجازى بنيته الأولى. . . وذكر ابن جرير أن هذا الاختلاف إنما هو في عمل يرتبط آخره بأوله كالصلاة والصيام والحج، فأما ما لا ارتباط فيه كالقراءة والذكر وإنفاق المال ونشر العلم! فإنه ينقطع بنية الرياء الطارئة عليه، ويحتاج إلى تجديد نية. . . "
(1)
.
(1)
جامع العلوم والحكم (1/ 16 - 17)، وانظر فتح الباري (6/ 28 - 29)، وأبجد العلوم فقد ذكر في علم آفات إلرياء أربعة أقسام وحكمها (2/ 85).