الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على الباب، فسلّم علينا، وقال: أطيعوا اللَّه لا يعصكم"
(1)
.
التحليل والتعليق
تضمنت الآثار السابقة بيان منزلة اليقين والحث على أعلى مراتبها كما في أثر عمر بن عبد العزيز والحسن، أن يكون المؤمن كمن عاين ما أعد اللَّه لعباده من الثواب والعقاب، وذلك أن اليقين درجات يرتقي فيها العبد في هذه الدنيا ليصل إلى كمالها بإذن اللَّه، وقد ذكرها أبو بكر الوراق فقال:"اليقين على ثلاثة أوجه: يقين خبر، ويقين دلالة، ويقين مشاهدة"، قال ابن القيم شارحا لذلك: "يريد بيقين الخبر: سكون القلب إلى خبر المخبر، وتوثقه به، وبيقين الدلالة: ما هو فوقه، وهو: أن يقيم له مع وثوقه بصدقه الأدلة الدالة على ما أخبر به، وهذا كعامة أخبار الإيمان والتوحيد والقرآن؛ فإنه سبحانه مع كونه أصدق الصادقين يقيم لعباده الأدلة والأمثال والبراهين على صدق أخباره، فيحصل لهم اليقين من الوجهين: من جهة الخبر، ومن جهة الدليل، فيرتفعون من ذلك إلى الدرجة الثالثة وهي: يقين المكاشفة؛ بحيث يصير المخبر به لقلوبهم كالمرئي لعيونهم، فنسبة الإيمان بالغيب حينئذ إلى القلب كنسبة المرئي إلى العين،
(1)
إسناده حسن، الفيض بن إسحاق ذكره ابن حبان في الثقات (9/ 12) وقال:"كان ممن يخطئ"، وقال عنه ابن سعد في الطبقات (7/ 486):"كان صاحب حديث وخير وغزو"، الفرج بعد الشدة (83 - 84) رقم (58)، وأورده التنوخي في الفرج بعد الشدة (1/ 260).
وهذا أعلى أنواع المكاشفة. . . قال بعضهم: رأيت الجنة والنار حقيقة، قيل له: وكيف؟ قال: رأيتهما بعيني رسول اللَّه، ورؤيتي لهما بعينيه آثر عندي من رؤيتي لهما بعيني؛ فإن بصري قد يطغى ويزيغ، بخلاف بصره"
(1)
، ولذلك ورد عن بعض السلف أنه لو أخبر أنه سيموت لم يكن عنده مزيد؛ لأنه وصل إلى أعلا درجة اليقين، وفي أبيات النمري من يقينه في حسن ظنه باللَّه أنه كأنه يرى ما اللَّه صانع به، وفي أثر الحسن والتيمي بيان علاقة التوكل باليقين، وذلك أنه إذا قوي اليقين قوي التوكل، وإذا ضعف ضعف، فإذا ضعف اليقين صارت ثقة العبد بما في يده أكثر مما في يد اللَّه، وإذا قوي اليقين، انقلب الأمر كما في قصة البحراني الذي دعا اللَّه أن يخرجه من السجن، فخرج كما دعا وتيقن، قال ابن القيم:"اليقين قرين التوكل، ولهذا فسر التوكل بقوة اليقين، والصواب: أن التوكل ثمرته ونتيجته. . . ومتى وصل اليقين إلى القلب امتلأ نورا وإشراقا، وانتفى عنه كل ريب وشك وسخط وهمٍّ وغمٍّ، فامتلأ محبة للَّه وخوفا منه، ورضي به، وشكرا له، وتوكلا عليه، وإنابة إليه، فهو مادة جميع المقامات والحامل لها"
(2)
.
(1)
مدارج السالكين (2/ 417).
(2)
مدارج السالكين (2/ 414).