الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الهواجر، ومكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر"
(1)
.
333 -
نا عبد اللَّه بن عمر بن محمد، نا الحسين بن علي الجعفي، عن سفيان بن عيينة، عن داود بن شابور قال: قال مطرف بن عبد اللَّه: "لو جيء بميزان تَرِيصٍ
(2)
فَوُزِن خوف المؤمن ورجاؤه كانا سواءا، يذكر رحمة اللَّه فيرجوه، ويذكر عذاب اللَّه فيخاف"
(3)
.
التحليل والتعليق
تضمنت الآثار السابقة بيان العلاقة بيان أهمية اجتماع الخوف والرجاء في المؤمن، وأنه لا غِنَى بأحدهما عن الآخر، وأن وجود أحدهما دون الآخر مذموم، ولذلك اشتملت بعضها على ذم الرجاء الذي لم يشبه
(1)
إسناده منقطع؛ فإن عمرو بن قيس لم يدرك معاذا، وورد عند أحمد عمرو بن قيس عمن حدثه، المحتضرين (110 - 111) رقم (127)، وأحمد في زهد (180)، ومن طريقه أبو نعيم في الحلية (1/ 239)، ومن طريق المصنف ابن عساكر في تاريخ دمشق (58/ 450).
(2)
هكذا في المخطوط مع التنبيه بالشكل على صحة الكلمة، ومعناها ميزان محكم شديد، انظر القاموس المحيط (2/ 435)، وذكر ابن قتيبة الأثر وشرح كلمة "تريص" في غريب الحديث (3/ 755)، وكذا ابن الجوزي (1/ 106)، والزمخشري في الفائق (1/ 150)، وقد صحفت في طبعتي شاحونة والسيد تصحيفا فاحشا.
(3)
إسناده حسن، شيخ المصنف هو مشدكانة صدوق فيه تشيع، التقريب (3517)، حسن الظن باللَّه (82) رقم (133)، وأحمد في الزهد (238 - 239)، وابن أبي شيبة في المصنف (7/ 178) رقم (35123)، والبيهقي في شعب الإيمان (2/ 12) رقم (1024)، جميعهم لم يذكروا الميزان ووصفه بالتريص.
خوف في أول أثر، ثم بيان أن من حسن ظنه ولم يخف فهو مخدوع، ثم في أثر أبي العالية ذم قوم يأتون في الزمان القادم بأن أمرهم كله طمع ليس معهم خوف، واستعاذة أبي الجلد من ذلك الزمان ووصفه أصحابه بأنهم يرجون ولا يخافون، كما ورد بيان أن الخوف وإن كان مسيطرا على حال المذنب لا ينبغي أن يمنعه من الرجاء في سعة عفو اللَّه، وهذا في الآثار السابقة فيمن حضره الموت فخاف ذنوبه ورجا ربه، كأثر ابن مسعود وغيره فهم يشتكون ذنوبهم، ويشتهون مغفرة من ربهم وذلك أن "الرجاء يستلزم الخوف ولولا ذلك للكان أمنا، فأهل الخوف للَّه والرجاء له هم أهل العلم الذين مدحهم اللَّه"
(1)
، قال ابن القيم في مقام تعداد بعض فوائد الرجاء:"ومنها: أن الخوف مستلزم للرجاء، والرجاء مستلزم للخوف، فكل راج خائف، وكل خائف راج، ولأجل هذا حسن وقوع الرجاء في موضع يحسن فيه وقوع الخوف. . . والتحقيق أنه ملازم له فكل راج خائف من فوات مرجوه، والخوف بلا رجاء يأس وقنوط"
(2)
، ثم بيان أن الخوف والرجاء المقصود منهما الترغيب في العمل الصالح، والترهيب من العمل السيِّء، كما في دعاء الحسين أنه يطلب الحسنات شوقا، ويفر من السيئات خوفا، ووصف الحسن لأهل البصائر في الدنيا بأنهم كذلك، وأثر مسلم بن يسار في أن من رجا شيئا طلبه، ومن خاف من شيء هرب
(1)
مجموع الفتاوى (7/ 21).
(2)
مدارج السالكين (2/ 55).
منه، وأثر سعي بن بلال في أمر من يرجو ثواب الطاعة، بأن يشفق من عذاب المعصية وهذه من فوائد الرجاء قال ابن القيم:"الرجاء حادٍ يحدو به في سيره إلى الله، ويطيب له المسير، ويحثه عليه، ويبعثه على ملازمته، فلولا الرجاء لما سار أحد؛ فإن الخوف وحده لا يحرك العبد، وإنما يحركه الحب ويزعجه الخوف ويحدوه الرجاء"
(1)
.
ثم اشتملت الآثار بيان تغليب أحدهما على الآخر وأيهما أولى؛ وليست الآثار متفقة المعنى في ذلك، لكن الظاهر أنها امختلفة باختلاف الحالات التي قصدها كل واحد؛ فبينما نجد في أثر ابن مسعود تغليب جانب الخوف في الحياة، وتغليب جانب الرجاء حال الموت، نجد في أثر مطرف بأنهما سواء حتى لو وزن بأدق ميزان لوجداكذلك، وقد سبقت آثار تؤيد هذا أو ذاك في حسن الظن بالله، وفي الرجاء وفي الخوف، وقد شرح ابن حجر في الفتح قول البخاري رحمه الله: "باب الرجاء مع الخوف: أي استحباب ذلك؛ فلا يقطع النظر في الرجاء عن الخوف، ولا في الخوف عن الرجاء، لئلا يفضي في الأول إلى المكر، وفي الثاني إلى القنوط، وكل منهما مذموم، والمقصود من الرجاء أن من وقع منه تقصير فليحسن ظنه بالله، ويرجو أن يمحو عنه ذنبه، وكذا من وقع منه طاعة يرجو قبولها، وأما من انهمك على المعصية راجيا عدم المؤاخذة بغير ندم ولا إقلاع فهذا في غرور
…
وهذا كله متفق على استحبابه في حالة الصحة،
(1)
مدارج السالكين (2/ 52)
وقيل: الأولى أن يكون الخوف في الصحة أكثر، وفي المرض عكسه، وأما عند الإشراف على الموت فاستحب قوم الاقتصار على الرجاء لما يتضمن من الافتقار إلى الله تعالى، ولأن المحذور من ترك الخوف قد تعذر فيتعين حسن الظن بالله برجاء عفوه ومغفرته
…
وقال آخرون: لا يهمل جانب الخوف أصلا، بحيث يجزم بأنه آمن"
(1)
، وللنووي كلام قريب من هذا حيث ذكر عن العلماء قولهم:"فى حالة الصحة يكون خائفا راجيا ويكونان سواء، وقيل: يكون الخوف أرجح، فإذا دنت أمارات الموت غلَّب الرجاء أو محَّضَه؛ لأن مقصود الخوف الانكفاف عن المعاصي والقبائح، والحرص على الإكثار من الطاعات والأعمال، وقد تعذر ذلك أو معظمه في هذا الحال، فاستحب إحسان الظن المتضمن للافتقار إلى الله تعالى والإذعان له"
(2)
، وقال ابن القيم: "السلف استحبوا أن يقوي في الصحة جناح الخوف على جناح الرجاء، وعند الخروج من الدنيا يقوي جناح الرجاء على جناح الخوف، هذه طريقة أبي سليمان وغيره
…
وقال غيره: أكمل الأحوال اعتدال الرجاء والخوف وغلبة الحب؛ فالمحبة هي المركب، والرجاء حادٍ، والخوف سائق، والله المُوصِل بمَنِّه وكرمه"
(3)
(1)
فتح الباري (11/ 301)
(2)
شرح مسلم (17/ 210)
(3)
مدارج السالكين (1/ 554)