المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الرابع: مكانته العلمية وثناء العلماء عليه - الآثار المروية عن أئمة السلف في العقيدة من خلال كتب ابن أبي الدنيا - جـ ١

[حميد بن أحمد نعيجات]

فهرس الكتاب

- ‌مقدِّمة معالي مدير الجامعة الإسلاميَّة

- ‌شكر وتقدير

- ‌أسباب اختيار الموضوع

- ‌أهمية الموضوع

- ‌منهج البحث

- ‌خطة البحث

- ‌تمهيد: في ترجمة موجزة لابن أبي الدنيا

- ‌الفصل الأول: دراسة جوانبه الشخصية

- ‌المبحث الأول: اسمه ونسبه وكنيته ولقبه

- ‌المبحث الثاني: مولده ونشأته

- ‌المبحث الثالث: وفاته

- ‌الفصل الثاني: دراسة جوانبه العلمية

- ‌المبحث الأول: طلبه للعلم ورحلاته

- ‌المبحث الثاني: شيوخه وتلاميذه

- ‌أولا: شيوخه

- ‌ثانيا: تلاميذه

- ‌المبحث الثالث: عقيدته ومذهبه في الفروع

- ‌أولا: عقيدته

- ‌أولا: مسألة حياة الخضر

- ‌ثانيا: بعض المسائل في توحيد العبادة

- ‌ثالثا: الرواية عن أهل الكتاب عموما، وسؤال الرهبان ونحوهم خصوصا

- ‌رابعا: الكلام في الأنبياء

- ‌ثانيا: مذهبه في الفروع

- ‌المبحث الرابع: مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

- ‌المبحث الخامس: آثاره العلمية

- ‌الباب الأول: الآثار الواردة في الاتباع والابتداع

- ‌الفصل الأول: الآثار الواردة في الاتباع

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في تعظيم السلف للكتاب والسنة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في ترك ما ليس للعبد فيه سلف

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في النهي عن الكلام في العلماء

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في الهدي العام للسلف في السلوك

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الفصل الثاني: الآثار الواردة في الابتداع

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في خطورة البدع

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في نهي السلف عن الأهواء وتعوذهم منها

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في تمني الموت قبل وقوع البدع

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في سرعة وقوع البدع في الناس

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في أن البدع سبب هلاك مَن هلك مِن هذه الأمة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الخامس: الآثار الواردة في تألم السلف من ظهور البدع وترك السنن

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في سد الذرائع إلى البدع

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في التحذير من أهل البدع والرأي والقياس الفاسد

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في النهي عن الخصومات في الدين

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في النهي عن الاستماع لأهل البدع

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في منع الحكام أهل البدع من الكلام فيها

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الخامس: الآثار الواردة في عدم الاعتداد بصلاح أهل البدع

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السادس: الآثار الواردة في عدم ذكر محاسن الفاسق المبتدع

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السابع: الآثار الواردة في الحذر من الكلام الذي يكون للمبتدع فيه حجة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثامن: الآثار الواردة في تورع السلف عن أفعالٍ خشية أن تكون بدعة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثالث: الآثار الوادة في أحكام المبتدعة في الدنيا والآخرة

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في أحكام المبتدعة في الدنيا

- ‌المسألة الأولى: الآثار الواردة في حكم غيبتهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثانية: الآثار الواردة في حكم لعنهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثالثة: الآثار الواردة في حكم تزويجهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الرابعة: الآثار الواردة في حكم من خالطهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الخامسة: الآثار الواردة في حكم مجالستهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة السادسة: الآثار الواردة في حكم مغفرة ذنوبهم في شعبان

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة السابعة: الآثار الواردة في حكم قتلهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في أحكام المبتدعة في الآخرة

- ‌المسألة الأولى: الآثار الواردة في تسليط بعض الحيات عليهم بعد موتهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثانية: الآثار الواردة في عذاب أهل البدع في قبورهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثالثة: الآثار الواردة في تحويل وجوههم عن القبلة في قبورهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الباب الثاني: الآثار الواردة في التوحيد

- ‌الفصل الأول: الآثار الواردة في توحيد الربوبية

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في فضل معرفة اللَّه

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في استلزام التفكر والمعرفة للعبادة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الفصل الثاني: الآثار الواردة في توحيد الألوهية

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في أنواع العبادة

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في فضل التوحيد

- ‌أولا: الآثار الواردة في أنه سبب تفاضل الأعمال

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في أنه أفضل نعمة على العبد

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في أن اللَّه وصفه بالإحسان

- ‌رابعا: الآثار الواردة في أنه مكفر للذنوب

- ‌خامسا: الآثار الواردة في أنه مطهر من الشرك والذنوب

- ‌سادسا: الآثار الواردة في أنه عُدَّة أصحاب الكبائر

- ‌سابعا: الآثار الواردة في أنه أعظم ما حورب به إبليس

- ‌ثامنا: الآثار الواردة في الجزاء العظيم الذي أُعَدَّ لصاحبه

- ‌تاسعا: الآثار الواردة في أنه جالب لمحبة الناس للعبد، ودافع لبغضهم

- ‌عاشرا: الآثار الواردة في أنه سبب إجابة الدعاء

- ‌حادي عشر: الآثار الواردة في مشروعية تلقين الميت كلمة التوحيد

- ‌ثاني عشر: الآثار الواردة في أنها شعار الناس إذا خرجوا من قبورهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في الإخلاص وصلاح العمل

- ‌أولا: الآثار الواردة في الإخلاص وأهميته

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في صلاح العمل

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في الدعاء

- ‌أولا: الآثار الواردة في أسباب الإجابة

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في إنزال كل الحوائج باللَّه عز وجل وحده

- ‌ثالثًا: الآثار الواردة في الدعاء وكرامات الصالحين

- ‌رابعا: الآثار الواردة في دعاء اللَّه في السراء والضراء

- ‌خامسا: الآثار الواردة في بعض آداب الدعاء

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في التوكل

- ‌أولا: الآثار الواردة في فضله

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في تعريفه

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في التوكل واتخاذ الأسباب

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الخامس: الآثار الواردة في اليقين

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السادس: الآثار الواردة في حسن الظن باللَّه

- ‌أولا: الآثار الواردة في فضل حسن الظن باللَّه ومعناه

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في حسن الظن والعمل

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في إحسان الظن باللَّه عند الموت

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السابع: الآثار الواردة في الرجاء

- ‌أولا: الآثار الواردة في رجاء ثواب الطاعة

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في رجاء مغفرة الذنب

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في رجاء لقاء اللَّه

- ‌رابعا: الآثار الواردة في رجاء دفع الضر وجلب النفع

- ‌خامسا: الآثار الواردة في الرجاء والعمل

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثامن: الآثار الواردة في الخوف

- ‌أولا: الآثار الواردة في تعريفه

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في الخوف والعمل

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في الخوف عند الموت

- ‌رابعا: الآثار الواردة في الخوف وتمني الموت

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب التاسع: الآثار الواردة في الجمع بين الخوف والرجاء

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب العاشر: الآثار الواردة في الشكر

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الحادي عشر: الآثار الواردة في التوسل

- ‌أولا: الآثار الواردة في التوسل بالطاعات

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في التوسل بأسماء اللَّه وصفاته

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في التوسل بدعاء الصالحين

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني عشر: الآثار الواردة في حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث عشر: الآثار الواردة في التبرك

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في نواقض وقوادح التوحيد

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في نواقض التوحيد

- ‌المسألة الأولى: الآثار الواردة في النهي عن الشرك

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثانية: الآثار الواردة في ذم الشرك

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثالثة: الآثار الواردة في التحذير من الشرك

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الرابعة: الآثار الواردة في السحر

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الخامسة: الآثار الواردة في سد ذرائع الشرك

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في قوادح التوحيد

- ‌المسألة الأولى: الآثار الواردة في الرياء

- ‌أولا: الآثار الواردة في تعريفه

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في خطورته

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في خوف السلف وتحذيرهم منه

- ‌رابعا: الآثار الواردة في الفرق بينه وبين حب الذكر الحسن

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثانية: الآثار الواردة في الحلف بغير اللَّه

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثالثة: الآثار الواردة في قول الرجل: لولا اللَّه وأنت

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الرابعة: الآثار الواردة في التمائم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الخامسة: الآثار الواردة في الطيرة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة السادسة: الآثار الواردة في النهي عن بناء القبور بالآجر

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الفصل الثالث: الآثار الواردة في توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في أن أسماء اللَّه حسنى

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في فهم معاني الصفات

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في قطع الطمع عن إدراك الكيفية

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في العلو والفوقية

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الخامس: الآثار الواردة في المجيء والنزول

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث السادس: الآثار الواردة في اليد

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث السابع: الآثار الواردة في الساق

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثامن: الآثار الواردة في النظر إلى اللَّه ورؤيته

- ‌أولا: الآثار الواردة في تفسير الزيادة بالنظر إلى اللَّه عز وجل

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في أن رؤية اللَّه أعظم نعيم في الجنة

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في زيارة المؤمنين ربهم يوم الجمعة

- ‌رابعا: الآثار الواردة في تجلي اللَّه عز وجل لعباده

- ‌خامسا: الآثار الواردة في بروز اللَّه عز وجل لعباده

- ‌سادسا: الآثار الواردة في الفرق بين نظر المؤمنين لربهم ونضارة وجوههم

- ‌سابعا: الآثار الواردة في كون رؤية اللَّه جزاءا لأعمال معينة

- ‌ثامنا: الآثار الواردة في يقين السلف بهذه العقيدة

- ‌تاسعا: الآثار الواردة في الحجب، واحتجابه تعالى عن الكفار

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث التاسع: الآثار الواردة في المكر

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث العاشر: الآثار الواردة في الاستهزاء

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الحادي عشر: الآثار الواردة في الخداع

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني عشر: الآثار الواردة في الغضب والأسف

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثالث عشر: الآثار الواردة في السخط

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الرابع عشر: الآثار الواردة في الغيرة

- ‌التحليل والتعليق

الفصل: ‌المبحث الرابع: مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

‌المبحث الرابع: مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

.

لقد احتل ابن أبي الدنيا رحمه الله مكانة علمية مرموقة بين علماء عصره، ومن بعدهم إلى عصرنا هذا، فقد أثنى عليه كل من ترجم له، وذكره بما ينبئ عن مكانة علمية متميزة بين علماء عصره، ومن أتى بعدهم.

فقد أثنى عليه العلماء بأوصاف عديدة تفيد اعتماده في الرواية؛ فمنهم من وصفه بالثقة، ومنهم من وصفه بالصدوق، ومنهم وصفه بالحافظ، وغير ذلك من الأوصاف.

فمن التنصيص على أنه ثقة، ما قال ابن الجوزي:"كان ذا مروءة ثقة صدوقا"

(1)

، وقال ابن شاكر الكتبي:"هو أحد الثقات المصنفين للأخبار والسير"

(2)

، وقال ابن تغري بردي:"روى عنه خلق كثير، واتفقوا على ثقته وصدقه أمانته"

(3)

، وقال ابن باطيش:"كان ثقة صدوقا"

(4)

.

ومن التنصيص على أنه صدوق ما قال ابن أبي حاتم: "كتبت عنه

(1)

المنتظم (5/ 148).

(2)

فوات الوفيات (1/ 494).

(3)

النجوم الزاهرة (3/ 86).

(4)

التمييز والفصل (1/ 322).

ص: 65

مع أبي، قال: وسئل أبي عنه فقال: بغدادي صدوق"

(1)

، وقال صالح جزرة:"صدوق"

(2)

، وقال الذهبي:"كان صدوقا أخباريا كثير العلم"

(3)

.

وممن نص على وصفه بالحافظ المزي

(4)

، وابن حجر

(5)

، والسخاوي

(6)

، بل قال:"الحافظ الشهير"

(7)

، وأعلا منه قول مرتضى الزبيدي:"حافظ الدنيا ابن أبي الدنيا"

(8)

.

ووصفه القاضي إسماعيل بن إسحاق المالكي بالعلم الكثير فقال: "رحم اللَّه ابن أبي الدنيا، مات معه علم كثير"

(9)

.

ولقد عرف قدر هذه المنزلة من أتى بعده فذكروه بها وأبرزوها له، فعند ذكر المصنفين في التاريخ والسير نصوا على اعتنائه وتأليفه في ذلك، كالكتبي وقوام السنة وابن تغري بردي.

كما عُدَّ ابن أبي الدنيا في العلوم التي أفردها بالتأليف مرجعا فيها،

(1)

الجرح والتعديل (5/ 163).

(2)

تاريخ بغداد (10/ 89).

(3)

العبر (1/ 404).

(4)

تهذيب الكمال (4/ 272).

(5)

تقريب التهذيب ترجمة رقم (3616).

(6)

الإعلان بالتوبيخ (426).

(7)

فتح المغيث (1/ 190).

(8)

إتحاف السادة المتقين (7/ 88).

(9)

المصدر السابق.

ص: 66

وكل من أتى بعده فهم عيال عليه، كما قال ابن تغري بردي:"الناس بعده عيال عليه في الفنون التي جمعها"

(1)

.

ونص عدد منهم على أنها مصنفات مفيدة، وفيها نوادر، كما سبق النقل عن ابن كثير وغيره قريبا، بل إن الحافظ السخاوي رحمه الله لا سئل سؤالا عقديا رجع إلى مظانّه فبدأ أولا بكتاب القبور لابن أبي الدنيا، فقد ورد في الأجوبة المرضية

(2)

ما يلي: "سئل الحافظ السخاوي عن سؤال الملكين للميت، هل هو عام لجميع الأمم الماضية، أم خاص بالأمة المحمدية؟ فأجاب:

قد راجعت أهوال القبور لابن أبي الدنيا، ثم لابن رجب، وكتاب البعث للبيهقي وغيره، وغير ذلك من مظان هذا السؤال كالتذكرة ونحوها، فلم أقف على شيء صريح في ذلك"، وهذا يدل على المكانة المميزة التي يتمتع بها ابن أبي الدنيا، ويؤكد ما قاله ابن تغري بردي بأن الناس بعده عيال عليه في الفنون التي جمعها.

بل كثيرا ما تجد في كتب التراجم الاهتمام بأجزاء ابن أبي الدنيا والحرص على سماعها، وذكر ذلك في أعمال المترجم له، فهذا الخطيب البغدادي بلغ به الحرص على مصنفاته أن جمع منها (39) جزءا، قال

(1)

النجوم الزاهرة (3/ 86).

(2)

(2/ 779 - 780)، وانظر الروح لابن القيم (1/ 325) وإحالته على كتاب المنامات لابن أبي الدنيا.

ص: 67

الدكتور يوسف العش -بعد إيراده لهذ الإحصاء-: "لعل القارئ الكريم انتبه إلى مكانة ابن أبي الدنيا عند الخطيب"

(1)

، وابن الطيوري حاز منها (84) مصنفا

(2)

، وهكذا كثيرا ما تجد في كتب التراجم والمشيخات والبرامج أن فلانا سمع كذا من كتب ابن أبي الدنيا أو أجازه بها فلان ونحو ذلك.

أما قول السيوطي رحمه الله عند كلامه على النوع الحادي عشر -وهو المعضل-: "من مظان المعضل والمنقطع والمرسل: كتاب السنن لسعيد بن منصور، ومؤلفات ابن أبي الدنيا"

(3)

، فلا يعني كثرة هذه الأنواع في مؤلفاته، فضلا عن أن تكون هي الأغلب على مروياته، وقد قام فضيلة الدكتور مصلح الحارثي بإحصاء مرويات ابن أبي الدنيا في كتابه التهجد الذي قام بتحقيقه فبلغ المجموع (518) نصا، الصحيح منها (22)، والحسن أو الضعيف المنجبر (67)، أما الضعيف غير المنجبر (26)، هذا في المرفوع ويبقى الموقوف فما دونه من المقطوعات والأقوال الأخرى، وكما أن الآثار التي قمت بتخريجها في هذه الرسالة العلمية ووجدت أنها منقطعة أو معضلة أو مرسلة، لم تصل مائة أثر كان الأغلب منها المنقطع بلغ (52)، يليه المرسل (28)، ثم أخيرا المعضل (7)، هذا في حصيلة تبلغ

(1)

الخطيب البغدادي مؤرخ بغداد ومحدثها (147)، وانظر مشيخة ابن الحطاب (269، 275).

(2)

تاريخ الإسلام للذهبي (1/ 3506)، وانظر كذلك (1/ 2110، 4277).

(3)

تدريب الراوي (1/ 214).

ص: 68

أكثر من (1100)، ومجمل الأعداد لا تصل نسبته 8 %.

وقرين ما جاء في كلام السيوطي كتاب سنن سعيد بن منصور، وقد تعقبه فضيلة الدكتور سعد الحميّد فبيّن أن الجزء الذي قام بتحقيقه يبلغ (869) حديثا، لا يتجاوز نسبة المرسل فيه 8 % وهو أكثر الأنواع الثلاثة وجودا، أما المعضل فلا يتجاوز سبعة أحاديث، فقال:"وجه تخطئة السيوطي في كلامه هذا تخصيصه سنن سعيد بن منصور دون سواها بوجود هذه الأنواع (المعضل والمنقطع والمرسل) بما يفيد كثرتها فيها، وهذا ليس بصحيح"

(1)

.

قلت: والذي يظهر لي واللَّه أعلم أن ذكر مصنفات ابن أبي الدنيا في النوع الثامن من أنواع علوم الحديث وهو المقطوع أولى من هذا المكان؛ حيث ذكر في نهاية هذا النوع فائدة فقال: "ومن مظان الموقوف والمقطوع مصنف ابن أبي شيبة وعبد الرزاق، وتفاسير: ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر وغيرهم"

(2)

، فهذا الموضع أولى بكتب ابن أبي الدنيا لأنها مليئة بالآثار من موقوفات ومقطوعات وما دونها من أقوال الأئمة والسلف عموما فضلا عما احتوته من الأحاديث المرفوعة.

ومما يتصل بمكانته العلمية ما عرف عنه من تأديبه أولاد الخلفاء، وهذا أمر اشتهر عنه وعدَّه المترجمون من أهم مناقبه فلم يغفل هذه المعلومة

(1)

سنن سعيد بن منصور (1/ 203/ ق).

(2)

تدريب الراوي (1/ 195).

ص: 69

أحد منهم، إلا أن تفاصيل ذلك لا يعرف عنها إلا الشيء اليسير، ومن ذلك الشيء اليسير أنه لم يذكر ممن أدبهم إلا الخليفة العباسى المعتضد باللَّه أحمد بن طلحة، وابنه المكتفي باللَّه علي بن المعتضد.

والذي أريد إبرازه مما ذكرت هنا هو الجانب المتعلق بتخصصي وهو أثر ابن أبي الدنيا على عقيدة هذين الخليفتين

(1)

.

فأما الخليفة المعتضد باللَّه فقد ظهر أثر التربية العقدية عليه واضحا فيما قام به من أفعال أثناء فترة حكمه، فمن أهم ذلك موقفه من الفلسفة والإلحاد، حيث قتل أحمد بن الطيب واستعظم دعوته له للإلحاد والكفر بقوله:"أنا ابن عم صاحب الشريعة، وأنا منتصب في منصبه"

(2)

، وأحمد ابن الطيب هذا قال عنه ابن حجر:"معلم المعتضد. . .، قال ابن النجار: كان يرى رأي الفلاسفة، قتل سكران، قلت: وهو تلميذ يعقوب بن إسحاق الكندي، فيلسوف العرب. . . وكان موضعه من الفلسفة لا يجهل، وله مصنفات في الفلسفة وغيرها"

(3)

، وقال الذهبي:"إن المعتضد قتل السرخسي -يعني أحمد هذا- لفلسفته وسوء اعتقاده"

(4)

.

كما استعظم الرخص والتحايل على الشريعة بتتبع زلات العلماء،

(1)

ولهما رحمهما اللَّه جوانب عديدة مشرقة في حياتهما أغفلت الكلام عليها لأنني التزمت بأن تكون المقدمة مختصرة.

(2)

البداية والنهاية (11/ 86).

(3)

لسان الميزان (1/ 189 - 190).

(4)

تاريخ الإسلام (1/ 2230)، وانظر الوافي بالوفيات فقد ذكر قصة مطولة في ذلك (1/ 871).

ص: 70

وذلك لما جمع له بعض الناس كتابا فيه إباحة نكاح المتعة وآلات اللهو والغناء، فعرضه على القاضي إسماعيل فنصحه بأنه لا يفعل هذا إلا زنديق، وأن العلماء لا يجتمع في أحدهم كل هذه الأقوال الشاذة، بل من قال ببعضها لم يقل ببعضها الآخر، فمن أخذ بجميعها ذهب دينه، فعند ذلك أمر بتحريق الكتاب

(1)

، وكان شديد الحرص على القضاء على الفتن في البلاد وقضى بالفعل على كثير منها، وقال السيوطي:"في أول سنة -استخلف فيها- منع الوراقين من بيع كتب الفلاسفة وما شاكلها، ومنع القصاص، والمنجمين من القعود في الطريق. . . وفي سنة اثنتين وثمانين أبطل ما يفعل في النيروز: من وقيد النيران، وصب الماء على الناس، وأزال سنة المجوس"

(2)

.

وقد شهد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بهذا الأثر العقدي الذي حصل في الناس فقال: "كان في أيام المتوكل قد عزَّ الإسلام، حتى ألزم أهل الذمة بالشروط العمرية، وألزموا الصغار، فعزت السنة والجماعة، وقمعت الجهمية والرافضة ونحوهم، وكذلك في أيام المعتضد والمهدي والقادر وغيرهم من الخلفاء، الذين كانوا أحمد سيرة، وأحسن طريقة من غيرهم، وكان الإسلام في زمنهم أعز، وكانت السنة بحسب ذلك"

(3)

.

(1)

المصدر السابق (11/ 87).

(2)

تاريخ الخلفاء (320)، وانظر تاريخ الطبري (5/ 610).

(3)

مجموع الفتاوى (4/ 21 - 22).

ص: 71

وأما ابنه المكتفي باللَّه فقد سار بنفسه للقضاء على القرامطة

(1)

، وأسلم على يديه قدامة بن جعفر بن قدامة وكان نصرانيا

(2)

.

وإذا كان أثر التأديب ظاهرا هذا الظهور، كان قول ابن الجوزي

(3)

: "جمهور العلماء شغلهم العلم عن الكسب، فاحتاجوا إلى ما لا بد منه، وقلَّ الصبر فدخلوا مداخل شانتهم، وإن تأولوا فيها إلا أن غيرها كان أحسن لهم، فالزهري مع عبد الملك، وأبو عبيدة مع طاهر بن الحسين، وابن أبي الدنيا مؤدب المعتضد، وابن قتيبة صدر كتابه بمدح الوزير، وما زال خلف من العلماء والزهاد يعيشون في ظل جماعة من المعروفين بالظلم، وهؤلاء وإن كانوا سلكوا طريقا من التأويل، فإنهم فقدوا من قلوبهم وكمال دينهم أكثر مما نالوا من الدنيا"، ليس على إطلاقه؛ فإنه ليس كل من دخل على السلطان دخل لأجل الدنيا، ولا كل من دخل عليهم ضعف إيمانه وغيّرته الدنيا، ولا تفضل حالة على أخرى مطلقا، بل يختلف ذلك باختلاف الداخل والمدخول عليه واللَّه أعلم

(4)

.

(1)

تاريخ الإسلام (1/ 2166).

(2)

تاريخ الإسلام (1/ 2358).

(3)

صيد الخاطر (70).

(4)

انظر مجموع الفتاوى (10/ 577).

ص: 72