الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التحليل والتعليق
تضمنت الآثار السابقة جواز غيبة المبتدع، وأن ذلك ليس من الغيبة المحرمة التي في الشرع عنها، وقد تضمنت الآثار أن الغيبة تشرع لمن أظهر بدعته، أو أصرَّ عليها مع بيان الحق له كما في أثر الحسن مع الصلت بن طريف وهذا يرجع إلى الأول فإنه نوع من الإظهار، أو كانت بدعته تخرجه عن العدالة كبدعة الرفض كما في أثر محارب بن دثار، وقد بيّن العلماء متى تجوز غيبة المسلم فلم يختلفوا على إيراد المبتدع في جملة ذلك، وقد حصرت في أسباب أوردها النووي فقال: "اعلم أن الغيبة تباح لغرض صحيح شرعي، لا يمكن الوصول إليه إلا بها، وهو ستة أسباب: -ثم ذكرها ومنها-
الرابع: تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم، وذلك من وجوه: . . . منها إذا رأى متفقه يتردد إلى مبتدع أو فاسق يأخذ عنه العلم، وخاف أن يتضرر التفقه بذلك، فعليه نصيحته ببيان حاله، بشرط أن يقصد النصيحة، وهذا مما يغلط فيه، وقد يحمل المتكلم بذلك الحسد، ويلبس الشيطان عليه ذلك، ويخيل إليه أنه نصيحة فليتفطن لذلك. . .
الخامس: أن يكون مجاهرا بفسقه أو بدعته. . . فيجوز ذكره بما يجاهر
= "وذكره ابن حبان في الثقات".
كتاب الصمت وآداب اللسان (146) رقم (237)، الغيبة والنميمة (96) رقم (102). وأورده الزبيدي في الإتحاف (7/ 557) وعزاه للمصنف.
به ويحرم ذكره بغيره من العيوب إلا أن يكون لجوازه سبب آخر مما ذكرناه"
(1)
.
وقد شرح شيخ الإسلام ابن تيمية هذه الأسباب فقال: "الشخص المعين فيذكر ما فيه من الشر في مواضع. . . ومنها أن يكون على وجه النصيحة للمسلمين في دينهم ودنياهم. . . وإذا كان النصح واجبا في المصالح الدينية الخاصة والعامة، مثل نقلة الحديث الذين يغلطون أو يكذبون. . . ومثل أئمة البدع: من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة، أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة، فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين، حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين، هذا أفضل، فبَيَّن أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل اللَّه؛ إذ تطهير سبيل اللَّه ودينه ومنهاجه وشرعته، ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا من يقيمه اللَّه لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين"
(2)
.
وقد نبّه العيني رحمه الله إلى فائدة مهمة في غيبة أهل البدع بعد موتهم، حيث ناقش الأسباب الستة التي أوردها النووي وغيره، ثم علق
(1)
رياض الصالحين (450 - 452) بتصرف.
(2)
المجموع (2/ 229 - 232).
عليها بقوله: "ذكر الغزالي والنووي إباحة العلماء الغيبة في ستة مواضع، فهل تباح في حق الميت أيضا؟ وأن ما جاز غيبة الحي به جازت غيبة الميت به؟ أم يختص جواز الغيبة في هذه المواضع المستثناة بالأحياء؟ ينبغي أن ينظر في السبب المبيح للغيبة: إن كان قد انقطع بالموت كالمصاهرة والمعاملة، فهذا لا يذكر في حق الميت؛ لأنه قد انقطع ذلك بموته، وإن لم ينقطع ذلك بموته كجرح الرواة، وكونه يؤخذ عنه اعتقاد أو نحوه، فلا بأس بذكره به ليحذر ويتجنب"
(1)
.
(1)
عمدة القاري (8/ 198).