الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
63 -
قال أحمد: حدثني عمرو بن محمد بن أبي رزين قال: "ذكر بعض أصحابنا أن مالك بن دينار قال عند الموت: "لولا أني أخاف أن يكون بدعة لأمرتكم إذا أنا متّ فشُدَّت يدي بشريط، فإذا أنا قدمت على اللَّه فسألني وهو أعلم: ما حملك على ما صنعت؟ قلت: يا رب لم أرض لك نفسى قط"
(1)
.
التحليل والتعليق
تضمنت الآثار السابقة تورع السلف وإحجامهم عن بعض الأفعال
= وكان قد سرق بيته فاختلط، التقريب (8031)، لكن الأثر أصله حسن، العزلة والانفراد (120) رقم (119)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 38) رقم (1325)، وبعضه أحمد في الأسامي والكنى رقم (36)، وكذا ابن سعد في الطبقات (4/ 276)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (40/ 185، 190)، وذكره الذهبي في السير (3/ 422)، وابن حجر في الإصابة (4/ 196)، والسخاوي في التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة (2/ 257)، وأخرجه أبو داود في الزهد رقم (377) ورقم (376) بسند حسن، عن أبي نجيح عن عمرو بن عبسة السلمي وليس العرباض بن سارية، وانظر في تاريخ دمشق الموضع السابق الكلام فيهما هل هما واحد أم اثنان.
(1)
إسناده ضعيف، لإبهام شيوخ عمرو، والأثر حسن من طريق أبي نعيم، المحتضرين (144) رقم (188)، ومحاسبة النفس رقم (112) بسند ضعيف فيه مؤمل بن إسماعيل بلفظ ابن الجوزي الآتي، وأبو نعيم في الحلية (2/ 361) بلفظ آخر:"لقد هممت أن آمر إذا مت فَأُغَلّ، فأُدفع إلى ربي مغلولا كما يدفع العبد الآبق إلى مولاه"، وذكره به ابن الجوزي في صفة الصفوة (2/ 361) بلفظ:"لولا أنى أكره أن أصنع شيئا لم يصنعه أحد كان قبلي، لأوصيت أهلي إذا أنا مت أن يقيدوني، وأن يجمعوا يدي إلى عنقي فينطلقوا بي على تلك الحال، حتى أدفن كما يصنع بالعبد الآبق".
خشية أن تكون داخلة في البدعة، وذلك أن مسؤولية العالم عظيمة أمام اللَّه، لأنه محل القدوة، والناس ينظرون إليه ليأخذوا عنه، وقد عقد الشيخ جمال الدين القاسمي رحمه الله بابا بعنوان: اجتناب العالم ما يتورّط بسببه العامة فقال: "هذا باب من أبواب الدين، موضوعه إصلاح المعتقدات في العبادات، وتنبيه العامة، حكم ما ألفوه من العادات"
(1)
، قال الطرطوشي رحمه الله لا تكلم عن التعريف
(2)
: "اعلموا -رحمكم اللَّه- أن هؤلاء الأئمة علموا فضل الدعاء يوم عرفة، ولكن علموا أن ذلك بموطن عرفة، لا في غيرها، ولا منعوا من خلا بنفسه، فحضرته نية صادقة أن يدعو اللَّه تعالى، وإنما كرهوا الحوادث في الدين، وأن يظنّ العوام أن من سنة يوم عرفة لسائر الآفاق الاجتماع والدعاء، فيتداعى الأمر إلى أن يدخل في الدين ما ليس منه"
(3)
، وقال أبو شامة رحمه الله: "إن الرجل العالم المقتدى به، والمرموق بعين الصلاح، إذا فعلها أي صلاة الرغائب كان موهما للعامة أنها من السنن، كما هو الواقع، فيكون كاذبا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بلسان الحال، ولسان الحال قد يقوم مقام لسان القال وأكثر ما أوتي الناس في البدع بهذا السبب، يظن في شخص أنه من أهل العلم والتقوى، وليس في نفس الأمر كذلك، فيرمقون أقواله وأفعاله، فيتبعونه في ذلك فتفسد أمورهم. . . فلا ينبغي للعالم أن يفعل ما يتورط العوام
(1)
الباعث على إنكار البدع والحوادث (21).
(2)
وهو اجتماع الآفاقيين عشية عرفة في المسجد والدعاء كما يفعله بعض الحجاج عشية عرفة.
(3)
الحوادث والبدع (259)، وانظر الباعث على إنكار الحوادث والبدع (120).
بسبب فعله، في اعتقاد أمر على مخالفة الشرع"
(1)
، ولما تكلم الشاطبي رحمه الله عن ترك السلف لبعض الأمور الجائزة أو المستحبة وجَّه ذلك بقوله:"فهذه أمور جائزة، أو مندوب إليها، ولكنهم كرهوا فعلها خوفًا من البدعة؛ لأن اتخاذها سنة إنما هو بأن يواظب الناس عليها مظهرين لها، وهذا شأن السنة، وإذا جرت مجرى السنن صارت من البدع بلا شك"
(2)
.
وعدّ رحمه الله هذا من أسبالب نشأة البدع فقال: "فالبدعة تنشأ عن أربعة أوجه:
أحدها: -وهو أظهر الأقسام- أن يخترعها المبتدع.
والثاني: أن يعمل بها العالم على وجه المخالفة، فيفهمها الجاهل مشروعة.
والثالث: أن يعمل بها الجاهل مع سكودت العالم عن الإنكار، وهو قادر عليه، فيفهم الجاهل أبها ليست بمخالفة.
والرابع: من باب الذرائع، وهي أن يكون العمل في أصله معروفًا، إلا أنه يتبدل الاعتقاد فيه مع طول العهد بالذكرى.
إلا أن هذه الأقسام ليست على وزان واحد، ولا يقع اسم البدعة عليها بالتواطؤ، بل هي في القرب والبعد على تفاوت، فالأول هو الحقيق باسم البدعة. . . ويليه القسم الثاني. . . ويليه القسم الثالث. . . ويليه القسم الرابع"
(3)
.
(1)
الباعث (178 - 181) بتصرف.
(2)
الاعتصام (280).
(3)
الاعتصام (390).