الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعصى، ومن حلمك أنك تُعصى وكأنك لا ترى، وأي زمن لم يعصك فيه سكّان أرضك؟ ، فكنت واللَّه بالخير عليهم عوَّادا"
(1)
.
التحليل والتعليق
تضمنت الآثار السابقة فهم السلف لمعاني الصفات، وفقههم لها، حيث فهمت أخت ابن المعذل قوة الرب وغناه، وأن المتصف بهذه الصفات هو الذي يقويها ويغنيها، كما أن نصيحة أبي الأسود الدؤلي لابنه فيها أن صفات اللَّه هي صفات كمال لا نقص فيها بحال، ولذلك فإن إحسانه وبره لا ينقطع عن خلقه، بخلاف العبد فإن قدرته محدودة وغناه مقيد، وكراهية مجاهد لمن سأل اللَّه أن يدخله في مستقر رحمته، وفسّر ذلك بأن مستقر رحمته هو نفسه، وكذا كراهية إبراهيم النخعي نسبة القراءة لابن مسعود، واستحبابه نسبة فعل القراءة إليه، دليل واللَّه أعلم أنه فهم من صفة كلام اللَّه أنه هو المتكلم به ابتداء، وأن المتكلم به بعده إنما مؤدٍ لكلام رب العالمين، فيفرق واللَّه أعلم بين القراءة التي هي المقروء نفسه وهو كلام اللَّه، والفعل الذي يصدر من العبد، وفي مناجاة ابن ثعلبة للَّه فهم من صفة كرم اللَّه تعالى منتهى الكمال حيث يحسن لعباده رغم
= أثبت ما في المطبوع.
(1)
إسناده حسن إلى صاحب الأثر، شيخ المصنف هو ابن أبي حاتم الإمام المشهور، وعبد الصمد بن محمد هو ابن مقاتل العباداني قال عنه تلميذه ابن أبي حاتم في كتابه الجرح والتعديل (6/ 52):"صدوق"، وأبوه محمد قال عنه في التقريب (6360):"صدوق عابد"، الشكر (86 - 87) رقم (46)، ومن طريقه أبو نعيم في الحلية (6/ 246).
إساءتهم، ومن صفة الحلم وكمالها كأنه لا يرى ما يعصيه به عباده.
والمقصود بهذا المبحث الإشارة إلى فهم السلف لنصوص الصفات وتدبرهم لمعانيها، وأن مذهبهم ليس التفويض المطلق، كما ينسبه لهم المتأخرون زورا وبهتانا، "ومن هنا قال من قال من النفاة: إن طريقة الخلف أعلم وأحكم، وطريقة السلف أسلم؛ لأنه ظن أن طريقة الخلف فيها معرفة النفي، الذي هو عنده الحق، وفيها طلب التأويل لمعاني نصوص الإثبات، فكان في هذه عندهم علم بمعقول، وتأويل لمنقول، ليس في الطريقة التي ظنها طريقة السلف. . . ومذهب السلف عنده عدم النظر في فهم النصوص، لتعارض الاحتمالات، وهذا عنده أسلم؛ لأنه إذا كان اللفظ يحتمل عدة معان فتفسيره ببعضها دون بعض فيه مخاطرة، وفي الإعراض عن ذلك سلامة من هذه المخاطرة، فلو كان قد بُيِّن وتبَيَّن لهذا وأمثاله أن طريقة السلف إنما هي إثبات ما دلت عليه النصوص من الصفات، وفهم ما دلت عليه، وتدبره، وعقله، وإبطال طريقة النفاة، وبيان مخالفتها لصريح المعقول، وصحيح المنقول، علم أن طريقة السلف أعلم، وأحكم، وأسلم، وأهدى إلى الطريق الأقوم، وأنها تتضمن تصديق الرسول فيما أخبر به، وفهم ذلك، ومعرفته. . . وأن من جعل طريقة السلف عدم العلم بمعاني الآيات، وعدم إثبات ما تضمنته من الصفات، فقد قال غير الحق، إما عمدا وإما خطأ"
(1)
.
(1)
درء التعارض (5/ 378 - 379)، وانظر كتاب مذهب التفويض في نصوص الصفات للدكتور أحمد القاضي وبحث الأستاذ الدكتور عبد الرزاق البدر في مجلة الجامعة الإسلامية في أثر الإمام مالك المشهور عن الاستواء العدد (11 - 112).