الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الخامس: الآثار الواردة في تألم السلف من ظهور البدع وترك السنن
37 -
حدثني أبو عثمان الفارسى قال: ثنا معتمر بن سليمان، عن الفرات بن سليمان قال: قال الحسن: "إن الناس كانوا مرة والعُسْرُ لا يزيدُ الرجلَ إلا خيرا، ليس من جرب كمن لم يجرب، فالناس اليوم يذهبون سفالا سفالا، قلّت الأمانة، واشتدّ الشح، وفشت القطيعة، وظهرت البدع، وتركت السنن، فإنا للَّه وإنا إليه راجعون، واللَّه ما من رجل اليوم بصير بهذا الدين يضع بصره إلا وهو مغموم محزون مما يراعى من الناس، ومما يراعى من نفسه، ذهبت الوجوه والمعارف، وظهرت النكر، فلا تكاد تعرف شيئا"
(1)
.
التحليل والتعليق
تضمن أثر الحسن البصري رحمه الله ما كان عليه السلف من الحرص على السنن، والتألم من ظهور البدع والمخالفات، وتغير حال الزمان مما يدخل الغم والحزن على المسلم البصير بدينه، ولهم في ذلك أسوة بنبيهم صلى الله عليه وسلم حيث كان يتألم من عدم إيمان من آمن من قومه، ويتحسر على ذلك، وهو يراهم في ضلالهم وغيهم، حتى أرشده ربه عز وجل
(1)
إسناده لين؛ شيخ المصنف هو إسماعيل بن تاشاف أبو عثمان الفارسي أورده الصيداوي في معجم الشيوخ (224) ولم يذكر فيه شيئا، الهم والحزن (99) رقم (174)، وابن المبارك بسياق مغاير في الزهد رقم (35).
إلى التخفيف من كثرة التأسف والأسى على ضلال الكفار، كما قال تعالى:{فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ}
(1)
، وقال:{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)}
(2)
.
ومن هنا يظهر أن هذا الحزن على ظهور البدع وتألم السلف من ذلك، هو من باب التألم من المصائب، ومقابلتها بالاسترجاع المشروع
(3)
، قال ابن القيم عند كلامه على منازل السائرين: "منزلة الحزن وليست من المنازل المطلوبة، ولا المأمور بنزولها، وإن كان لا بد للسالك من نزولها، ولم يأت الحزن في القرآن إلا منهيا عنه أو منفيا. . . وسر ذلك أن الحزن موقف غير مسير
(4)
. . . ولكن نزول منزلته ضروري بحسب الواقع، ولهذا يقول أهل الجنة إذا دخلوها:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ}
(5)
، فهذا يدل على أنهم كان يصيبهم في الدنيا الحزن كما يصيبهم سائر المصائب التي تجري عليهم بغير اختيارهم. . . وأما قوله تعالى: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ
(1)
سورة فاطر، من الآية (8).
(2)
سورة الكهف، الآية (6).
(3)
انظر اقتضاء الصراط المستقيم (300).
(4)
أي إنه شيء يحصل للمسلم أثناء سيره في منازل العبودية، وليس هو مسيرا بنفسه يسلك ويقصد.
(5)
سورة فاطر، من الآية (34).
حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92)}
(1)
، فلم يمدحوا على نفس الحزن، وإنما مدحوا على ما دل عليه الحزن: من قوة إيمانهم حيث تخلفوا عن رسول اللَّه لعجزهم عن النفقة، ففيه تعريض بالمنافقين الذين لم يحزنوا على تخلفهم، بل غبطوا نفوسهم به"
(2)
، قلت: وهكذا حال السلف فإنهم تألموا وحزنوا، لما كان عندهم من تعظيم السنة، وبغض البدعة، وحب المعروف والإيمان، وكراهية الكفر والفسوق والعصيان، وهذا ما شرحه الإمام عبد اللَّه بن المبارك رحمة اللَّه عليه حيث قال:"اعلم أي أخي! إن الموت كرامةً لكل مسلم لقي اللَّه على السنة، فإنا للَّه وإنا إليه راجعون، فإلى اللَّه نشكو وحشتنا، وذهاب الإخوان، وقلة الأعوان، وظهور البدع، وإلى اللَّه نشكو عظيم ما حل بهذه الأمة من ذهاب العلماء وأهل السنة وظهور البدع"
(3)
.
(1)
سورة التوبة، الآية (92).
(2)
مدارج السالكين (1/ 505 - 507) بتصرف.
(3)
الاعتصام (40).