الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الرابعة: الآثار الواردة في حكم من خالطهم
.
76 -
حدثنا أحمد بن إسماعيل البتي، حدثني عبد اللَّه بن قريش البخاري، عن أبي توبة، عبد اللَّه بن المبارك قال: قال الأوزاعي
(1)
: "من خفيت علينا بدعته فلن تخفي علينا أُلفته"
(2)
.
التحليل والتعليق
تضمن أثر الأوزاعي رحمه الله أن من خالط المبتدع فهو منهم، وقد بين القرطبي رحمه الله الاستدلال على هذه المسألة من قوله تعالى:{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)}
(3)
فقال: "ومضى في النساء
(1)
هو عبد الرحمن بن عمرو بن أبي عمرو الأوزاعي، أبو عمرو الفقيه، شيخ الإسلام، ثقة جليل زاهد، كان رأسا في العلم والعبادة، مات سنة (157 هـ)، التقريب (3992).
(2)
إسناده حسن، فيه شيخ المصنف لم أجد له ترجمة، إلا أن المزي ذكره في تهذيب الكمال (4/ 242) في الرواة عن عبد اللَّه بن قريش وقال:"شيخ لابن أبي الدنيا"، وكذا ابن حجر في تهذيب التهذيب (2/ 405)، قلت: ولعله أحمد بن إسماعيل السني ذكره ابن حبان في الثقات (8/ 42) وقال: "مستقيم الحديث"، الإخوان (122) رقم (40).
(3)
سورة النساء، الآية (140)، وموضع كلامه المنقول في سورة الأنعام.
وهذه السورة النهي عن مجالسة أهل البدع والأهواء، وأن من جالسهم حكمه حكمهم. . . فألحق -أي اللَّه عز وجل في الآيتين- من جالسهم بهم، وقد ذهب إلى هذا جماعة من أئمة هذه الأمة، وحكم بموجب هذه الآيات في مُجَالِسِ أهلِ البدع على المعاشرة والمخالطة، منهم أحمد بن حنبل والأوزاعي وابن المبارك، فإنهم قالوا في رجل شأنه مجالسة أهل البدع، قالوا: ينهى عن مجالستهم، فإن انتهى وإلا ألحق بهم يعنون في الحكم"
(1)
، ولما تكلم شيخ الإسلام ابن تيمية على بعض المبتدعة الباطنية قال:"من كان محسنا للظن بهم، وادَّعى أنه لم يعرف حالهم، عُرِّف حالهم؛ فإن لم يباينهم ويظهر لهم الإنكار، وإلا أُلحق بهم، وجُعل منهم"
(2)
.
وعليه فيجوز التحذير منه ومنابذته ليحذره الناس، وقد سئل شيخ الإسلام عن:"الشهادة على العاصي والمبتدع، هل تجوز بالاستفاضة والشهرة، أم لا بد من السماع والمعاينة؟ وإن كانت الاستفاضة في ذلك كافية، فمن ذهب إليه من الأئمة وما وجه حجته؟ " فأجاب رحمه الله: "ما يجرح به الشاهد وغيره، مما يقدح في عدالته ودينه، فإنه يشهد به إذا علمه الشاهد به بالاستفاضة، ويكون ذلك قدحا شرعيا كما صرح بذلك طوائف الفقهاء من المالكية والشافعية والحنبلية. . . هذا إذا كان المقصود تفسيقه لرد شهادته وولايته، وأما إذا كان المقصود التحذير منه واتقاء
(1)
الجامع لأحكام القرآن (7/ 142).
(2)
مجموع الفتاوى (2/ 133).
شره فيكتفي بما دون ذلك، كما قال عبد اللَّه بن مسعود:"اعتبروا الناس بأخدانهم"، وبلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلا يجتمع إليه الأحداث فنهى عن مجالسته، فإذا كان الرجل مخالطا في السير لأهل الشر يحذر عنه"
(1)
.
وذلك أن من خالط أهل البدع وباسطهم، إما أن يكون منهم متخف ببدعته لحاجة في نفسه، وإما أنه داخله شيء من أهوائهم، ومن كان كذلك وجب الحذر منه ولو لم نتيقن أنه منهم، وباب الحذر غير باب الحكم على الشخص كما بيّنه شيخ الإسلام في النقل السابق، وقال القرطبي رحمه الله مبينا خطورة المخالَطَة على المخالِط:"نهى اللَّه عز وجل المؤمنين بهذه الآية أن يتخذوا من الكفار واليهود وأهل الأهواء دخلاء وَوُلَجَاء يفاوضونهم في الآراء، ويسندون إليهم أموالهم، ويقال: كل من كان على خلاف مذهبك ودينك فلا ينبغي لك أن تحادثه"
(2)
.
(1)
الفتاوى الكبرى (2/ 28 - 29)، وأثر ابن مسعود في الإخوان للمصنف رقم (38)، والطبراني الكبير رقم (18919)، وتتمته:"فإن الرجل يخادن من يعجبه".
(2)
الجامع لأحكام القرآن (4/ 178 - 179) بتصرف.