الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سمعت ابن المبارك
(1)
قال: "ما حجب اللَّه عز وجل أحدا عنه إلا عذّبه، ثم قرأ:{كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (17)}
(2)
قال: بالرؤية"
(3)
.
التحليل والتعليق
تضمنت الآثار السابق ذكرها إثبات عقيدة السلف في رؤية اللَّه تعالى يوم القيامة، فقد ورد عنهم تفسير الزيادة في قوله تعالى:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} بأن الزيادة هي النظر إلى وجه اللَّه تعالى، وهذا التفسير أخذوه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كما قال البيهقي رحمه الله: "فسر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المبين عن اللَّه عز وجل، فمن بعده من الصحابة الذين أخذوا عنه، والتابعين
(1)
هو عبد اللَّه بن المبارك المروزي، مولى بني حنظة، ثقة ثبت، فقيه عالم، جواد مجاهد، جمعت فيه خصال الخير، مات سنة (181 هـ) وله ثلاث وستون، التقريب (3570).
(2)
سورة المطففين، الآيات (15 - 17).
(3)
إسناده حسن؛ فإن نعيم بن حماد وإن كان صدوقا يخطئ كثيرا، فقد قال ابن حجر:"وقد تتبع ابن عدي ما أخطأ فيه وقال: باقي حديثه مستقيم" التقريب (7215)، قلت: لا سيما وأنه وصف بأنه كان شديدا على الجهمية كما في السير (10/ 599)، فهذا يفيد اعتناؤه بمثل هذا الأثر عن مثل هذا الإمام واللَّه أعلم، صفة الجنة (102) رقم (340)، ومن طريقه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/ 564 - 565) رقم (894)، وابن شاهين الكتاب اللطيف لشرح مذاهب أهل السنة رقم (25)، وذكره قوام السنة في الحجة (2/ 249)، وابن القيم في حادي الأرواح (235).
الذين أخذوا عن الصحابة: أن الزيادة في هذه الآية النظر إلى وجه اللَّه تبارك وتعالى، وانتشر عنه وعنهم إثبات رؤية اللَّه عز وجل في الآخرة بالأبصار"
(1)
.
كما تضمنت الآثار بيان أن أعظم نعيم أهل الجنة هو رؤيتهم لربهم عز وجل وأن كل نعيم دونه، فقد بين ابن أبي ليلى أن كل نعيم بل وكل أهوال القيامة بعد تجلي اللَّه لهم كان كل ذلك لم يكن شيئًا، وكذلك سلمة العباد بين أن ألذ نعيم وأكثره هو النظر إلى اللَّه، وهي مسألة أنكرها بعض من أثبت رؤية الرب تعالى قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:"مثبتة الرؤية منهم من أنكر أن يكون المؤمن ينعم بنفس رؤية ربه. . . وأكثر مثبتي الرؤية يقرون بتنعم المؤمنين برؤية ربهم، وهو مذهب سلف الأمة وأئمتها ومشايخ الطريق كما جاء في الحديث: "وأسألك لذة النظر إلى وجهك"
(2)
، وذكر الإمام القصاب رحمه الله في بيان الرد على من استدل بقوله تعالى:{نَاظِرَةٌ} بأنها منتظرة، بأن ذلك ليس بخلاف لما دلّ عليه القرآن من إثبات الرؤية وقال: "إذ لا ثواب أجل من انتظاره رؤية
(1)
الاعتقاد (123)، ثم توسع في ذكر طرق تلك الأحاديث والآثار رحمه الله، وانظر اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/ 502 - 513)، والشريعة للآجري (2/ 981) فقد ذكرا مثل قول البيهقي، وكذا ابن فورك في مشكل الحديث (222).
(2)
الاستقامة (2/ 97 - 99).
الرب سبحانه؛ لأنه غاية الطالبين، وأمتع تمتع المتمتعين"
(1)
.
كما أن الآثار التي وردت في بروز اللَّه وتجليه لعباده وزيارتهم له وازدياد حسنهم هي من الآثار الدالة على الرؤية، وهذه الآثار هي فيما يحصل يوم الجمعة للمؤمنين من الكرامة والنعيم، فقد ورد ذكر الزيارة والتجلى والرؤية وسوق الجنة، وفي بعضها كلام، كما أنها وردت بصيغ مختلفة بعضها مختصر وبعضها اشتمل على زيادات مختلفة في بيان سبب ازدياد حسن وجوه أهل الجنة هل هو الرؤية أم الريح، وكل لا يقدح في الاستدلال بها على ما تضمنته من الرؤية والكرامة؛ لأن تلك الزيادات تكون بمنزلة أخبار مستقلة لكل خبر دلالة زائدة على ما في غيره؛ لأن هذا من باب الأخبار وليس من باب الأحكام
(2)
، قال شيخ الإسلام: "وهذا الذي أخبر به ابن مسعود
(3)
أمر لا يعرفه إلا نبي أو من أخذ عن نبي"، فما يحدث يوم الجمعة في الجنة أشياء كثير منها بروز اللَّه لعباده وتجليه لهم ورؤيتهم له وازدياد حسنهم بسبب ذلك أو بعضه
(4)
.
ومن ذلك ما ورد عن بعض السلف من جعل رؤية اللَّه هي جزاء لبعض الأعمال كالبكاء من خشيته سبحانه، وما ورد عن بعضهم الآخر
(1)
نكت القرآن (206/ أ - ب).
(2)
انظر المجموع (6/ 407 - 408).
(3)
أي بروز اللَّه يوم الجمعة كما سبق، ثم بيّن أنه مما لم يؤخذ عن أهل الكتاب من وجوه كثيرة فراجعها.
(4)
انظر المجموع (6/ 409).
من كونه امتنع من الضحك أو من المعاصي لما يؤمله من رؤية اللَّه تعالى، يؤكد أن هذه العقيدة كانت راسخة في نفوسهم لا يداخلهم فيها أدنى شك.
وبعد هذا كله فإن من عقيدتهم المتعلقة برؤية اللَّه ما ورد عنهم في ذكر الحجب التي احتجب اللَّه بها عن خلقه، واحتجابه عن الكفار يوم القيامة لأعظم دليل على رؤية المؤمنين له سبحانه وتعالى، قال الشافعي رحمه الله:"لما حجبهم في السخط، كان هذا دليلا على أنهم يرونه في الرضا"، وهذا من أدل الأدلة وأبينها على المسألة كما قال القصّاب وأبو المظفر السمعاني رحمهم اللَّه تعالى
(1)
، واللَّه أعلم.
(1)
انظر: أحكام القرآن للشافعي (1/ 40)، الاعتقاد للبيهقي (131)، والنكت للقصاب مخطوط (210 أ)، وتفسير السمعاني (6/ 181).