الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عامة من يهلك من هذه الأمة"
(1)
.
36 -
حدثني عبد الرحمن بن صالح، ثنا ابن أبي غَنِيَّة، عن داود بن أبي السوداء
(2)
قال: قال كعب لعلي رضي الله عنه: "ألا أخبرك بثلاث منجيات جاء بهن موسى صلى الله عليه وسلم؟ لزومك بيتك، وبكاؤك على خطيئتك، وكفّك لسانك، قال: فعارضه عليّ رضي الله عنه فقال: ألا أخبرك ثلاث مهلكات؟ نكث الصفقة، وترك السنة، ومفارقة الجماعة"
(3)
.
التحليل والتعليق
تضمنت الآثار السابقة أن البدع من أسباب الهلاك في الأمة، وذلك أن البدع من جملة المعاصي
(4)
، بل هي أشد أنواع المعاصي، وقد عدها ابن القيم رحمه الله عند تقسيمه للذنوب وأنواعها، من الذنوب الشيطانية، فقال: "الذنوب تنقسم إلى أربعة أقسام: ملكية وشيطانية وسبعية وبهيمية، لا تخرج عن ذلك؛ فإن الذنوب الملكية: أن من يتعاطا ما لا يصلح له من صفات الربوبية كالعظمة والكبرياء والجبروت والقهر
(1)
إسناده حسن إلى يحيى، وقد ذكر بالرواية عن أنس وعمران بن حصين، وروايته هنا عن عبد اللَّه ليست سماعا، التوبة (55 - 56) رقم (32).
(2)
لم أقف له على ترجمة.
(3)
إسناده ضعيف، داود بن أبي السوداء لم يذكره إلا المزي في تهذيب الكمال (8/ 67) ضمن شيوخ ابن أبي غنية، العزلة والانفراد (143 - 144) رقم (161).
(4)
انظر كتاب الاعتصام للشاطبي (214)، وذكر فيه تفاوتها وانقسامها إلى كبيرة وصغيرة كانقسام الذنوب.
والعلو والظلم واستعباد الخلق ونحو ذلك ويدخل في هذا الشرك بالرب تعالى. . . وهذا القسم أعظم أنواع الذنوب. . . وأما الشيطانية: فالتشبه بالشيطان في الحسد والبغى. . . والأمر بمعاصي اللَّه وتحسينها والنهي عن طاعة اللَّه وتهجينها، والابتداع في دينه والدعوة إلى البدع والضلال، وهذا النوع يلى النوع الأول في المفسدة"
(1)
، وعند شرحه لقول مالك بن مغول:"الكبائر ذنوب أهل البدع، والسيئات ذنوب أهل السنة" قال رحمه الله: "يريد أن البدعة من الكبائر، وأنها أكبر من كبائر أهل السنة، فكبائر أهل السنة صغائر بالنسبة إلى البدع، وهذا معنى قول بعض السلف: البدعة أحب إلى إبليس من المعصية لأن البدعة لا يتاب منها والمعصية يتاب منها"
(2)
.
وهذا ما أشار إليه ابن مسعود رضي الله عنه في الأثر السابق من كونه زين له سوء عمله، وأنه عامة الذي يهلك فيه من هلك من هذه الأمة، وبيّن علي رضي الله عنه أن من المهلكات: ترك السنة، مفارقة الجماعة، قال شيخ الإسلام: "كان السلف يحذرون من هذين النوعين: من المبتدع في دينه، والفاجر في دنياه،
(1)
الجواب الكافي (86)، وانظر (100) في أن هذا الترتيب عام وإلا فقد تكون البدعة أشد من الشرك، ومقارنته بين المشرك والملحد والمعطل، وجعل هذا الكلام مقدمة لما سيذكره من ترتب العقوبات على المعاصي والذنوب من العقوبات في الدنيا والآخرة، وانظر كتاب تنبيه أولي الأبصار إلى كمال الدين وما في البدع من الأخطار (102).
(2)
مدارج السالكين (1/ 350).
كل من هذين النوعين وإن لم يكن كفرا محضا، فهذا من الذنوب والسيئات التي تقع من أهل القبلة. . . فمن خلص من الشهوات المحرمة، والشهوات المبتدعة وجبت له الجنة، وهذه هي الثلاثة: الكلام المنهى عنه، والطعام المنهي عنه، والنكاح المنهي عنه، فإذا اقترن بهذه الكبائر استحلالها كان ذلك أمرا، فكيف إذا جعلت طاعة وقربة وعقلا ودينا، وهؤلاء هم الذين يستحقون عقوبة أمثالهم من الأمم
(1)
، كما ثبت في الصحيح أنه يكون في هذه الأمة من يمسخ قردة وخنازير، وكما روى أنه سيكون فيها خسف وقذف ومسخ"
(2)
، وقد فصّل الإمام الشاطبي رحمه الله هذه الجملة تفصيلا بديعا حيث بيّن في كل نوع من أنواع العقوبات التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الزمان، كيف دخلتها البدعة ولو كانت من باب العادات وعموم المعاصي، فقال بعد نقله لعدة أحاديث فيما سيقع من عقوبات في هذه الأمة كالمسخ والخسف والقذف وغير ذلك:"فهذه الأحاديث وأمثالها مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم أنه يكون في هذه الأمة بعده، إنما هو -في الحقيقة- تبديل الأعمال التي كانوا أحق بالعمل بها، فلما عوضوا منها غيرها، وفشا فيها كأنه من المعمول به تشريعًا، كان من جملة الحوادث الطارئة على نحو ما بين في العبادات"، فالمعصية قد تكون مخالفة شرعية فقط، وقد يضاف إليها وجه آخر للنهي، وهى اتخاذها سنة تخالف
(1)
وانظر كذلك المجموع (8/ 416).
(2)
الاستقامة (1/ 457).
بها الطريقة الشرعية، أو قد تستباح ونحو ذلك، وعلى هذا تكون العقوبة والهلاك الذي يحصل في الأمة في آخر الزمان، قال الشاطبي:"إن مدارك تلك الأحاديث على بضع عشرة خصلة، يمكن ردها إلى أصول هي كلها أو غالبها بدع، وهي قلة العلم وظهور الجهل، والشح وقبض الأمانة، وتحليل الدماء والزنا والحرير والغناء والربا والخمر، وكون المغنم دولًا، والزكاة مغرمًا، وارتفاع الأصوات في المساجد، وتقديم الأحداث ولعن آخر الأمة أولها، وخروج الدجالين، ومفارقة الجماعة"
(1)
، ثم قال:"فالحاصل أن أكثر الحوادث التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم من أنها تقع وتظهر وتنتشر، أمور مبتدعة على مضاهاة التشريع، لكن من جهة التعبد، لا من جهة كونها عادية، وهو الفرق بين المعصية التي هي بدعة، والمعصية التي هي ليست ببدعة، وأن العاديات من حيث هي عادية لا بدعة فيها، ومن حيث يتعبد بها أو توضع وضع التعبد تدخلها البدعة"
(2)
.
ومن هنا قال الإمام مالك مقالته المشهورة: "السنة سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق"
(3)
، قال شيخ الإسلام: "سبب ظهور
(1)
الاعتصام (401)، وانظر هذه وما ورد في ذلك من النصوص الشرعية كتب الفتن، ككتاب الفتن لنعيم، وكتاب السنن الواردة في الفتن لأبي عمرو الداني، ورسالة المعاصي وآثارها على الفرد والمجتمع.
(2)
الاعتصام (416).
(3)
انظر منهج الإمام مالك في العقيدة (90)، وأخرجه كذلك الخطيب في تاريخه (7/ 336)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (14/ 9)، وذكره السيوطي في مفتاح الجنة =
البدع في كل أمة. . . وهو خفاء سنن المرسلين فيهم، وبذلك يقع الهلاك، ولهذا كانوا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة، قال مالك رحمه الله: السنة مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هلك"
(1)
.
وقال المناوي رحمه الله لما تكلم عن موت المبتدع: "لأن موته راحة للعباد لإفتانه لهم، وللبلاد والشجر والدواب لأن ظهور البدع سبب للقحط"
(2)
.
= (1/ 76).
(1)
شرح العقيدة الأصفهانية (184).
(2)
فتح القدير (1/ 439)، وانظر (6/ 297).