الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: الآثار الواردة في تمني الموت قبل وقوع البدع
.
33 -
حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب، عن إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق قال: "قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه
(1)
يبكي رسول اللَّه:
أَعُيَيشُ ويحك إن حِبِّي قد ثوى
…
فأبوك مهيوض الجناح كسير
يا ليتني من قبل مهلك صاحبي
…
غُيِّبت في جَدَثٍ عليَّ الصخور
فلتحدثنَّ بدائع من بعده
…
تغلي لهنّ جوانح وصدور"
(2)
.
التحليل والتعليق
تضمن الأثر السابق خوف الصديق مما سيحدث من البدع، وتمنيه الموت قبل وقوعها، وهذا التمني جائز لأنه متعلق بأمر ديني وأخروي؛ فإذا خشي المسلم على دينه في الفتن جاز له تمني الموت، قال ابن حجر رحمه الله:"قوله "لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه" الخطاب للصحابة، والمراد هم ومن بعدهم من المسلمين عموما، وقوله: "من ضر أصابه"
(1)
هو عبد اللَّه بن عثمان بن عامر القرشي التميمي، أبو بكر بن أبي قحافة، الصدِّيق الأكبر، خليفة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ثاني اثنين في الغار، مات في جمادى الأولى سنة (13 هـ) وله ثلاث وستون سنة، الإصابة (4/ 169)، التقريب (3467)، تاريخ الخلفاء (31).
(2)
إسناده معضل؛ فإن محمد بن إسحاق بينه وبين أبي بكر الصدِّيق مفاوز، انظر تحفة التحصيل (274)، المتمنين (45) رقم (56)، وابن سعد في الطبقات (2/ 320) من طريق الواقدي معضلا أيضا.
حمله جماعة من السلف على الضر الدنيوي؛ فإن وجد الضر الأخروي: بأن خشي فتنة في دينه، لم يدخل في النهي. . . وقد فعل ذلك جماعة من الصحابة، ففي الموطأ عن عمر أنه قال:"اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط"
(1)
وأخرجه عبد الرزاق من وجه آخر عن عمر، وأخرج أحمد وغيره من طريق عبس ويقال عابس الغفاري أنه قال: يا طاعون خذني، فقال له عليم الكندي: لم تقول هذا؟ ألم يقل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا يتمنين أحدكم الموت"، فقال إني سمعته يقول:"بادروا بالموت ستا إمرة السفهاء وكثرة الشرط وبيع الحكم"
(2)
الحديث، . . . وأصرح منه في ذلك حديث معاذ الذي أخرجه أبو داود وصححه الحاكم في القول في دبر كل صلاة وفيه:"وإذا أردت بقوم فتنة فتوفني إليك غير مفتون"
(3)
"
(4)
.
وقد اعتنى ابن رجب رحمه الله بشرح هذه المسألة في كتابه الجليل اختيار الأولى فقال: "وهذا من أهم الأدعية؛ فإن المؤمن إذا عاش سليمًا من الفتن، ثم قبضه اللَّه تعالى إليه، قبل وقوعها وحصول الناس فيها،
(1)
سيأتي (694) تخريجه في باب الآثار الواردة في الصحابة والإمامة.
(2)
مسند الإمام أحمد (25/ 427) رقم (16040)، وقال محققوه:"حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف" ثم توسعوا في تخريجه.
(3)
انظر السنة لابن أبي عاصم (169 - 170) فقد صححه الشيخ الألباني رحمه الله.
(4)
فتح الباري (10/ 128)، وانظر الاستذكار (3/ 118)، وسبل السلام (2/ 89).
كان في ذلك نجاة له من الشر كله. . . والدعاء بالموت خشية الفتنة في الدين جائز، وقد دعا به الصحابة والصالحون بعدهم. . . -ثم بيّن أنه لا بد للمرء من فتن عموما كفتنة المال والأولاد والأهل. . . وبيّن أنه لا يشرع تمني الموت وطلبه في كل نوع منها- وأما الفتن المضلة التي يخشى منها فساد الدين فهى التي يستعاذ منها، ويسأل الموت قبلها، فمن مات قبل وقوعه في شيء من هذه الفتن فقد حفظه اللَّه تعالى وحماه"
(1)
.
(1)
وهو بحث نفيس جدا جمع فيه شتات الموضوع واعتنى ببيان جوانبه المختلفة، (118 - فما بعدها).