الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من عنده حتى مات"
(1)
.
223 -
حدثت عن بكر بن سليمان الصواف قال: "دخلنا على مالك بن أنس العشية التي قبض فيها فقلنا: يا أبا عبد اللَّه كيف تجدك؟ قال: ما أدري ما أقول لكم، إلا أنكم ستعاينون غدا عن عفو اللَّه ما لم يكن في حساب، قال: ثم ما برحنا حتى أغمضناه"
(2)
.
التحليل والتعليق
تضمنت الآثار السابقة بيان أمور مهمة تتعلق بحسن الظن باللَّه، فقد اشتمل العنصر الأول على بيان معنى حسن الظن، والثاني على علاقته بالعمل، والثالث على استحضاره عند الموت، بل واستحضار ما يرغب فيه ويحث عليه.
أما تعريفه: فالآثار تدور على أن معناه متعلق بأسماء اللَّه وصفاته وفهمها؛ فلا يجوز الاعتقاد بأن اللَّه لا يغفر لعباده، أو يجمع بين الفجار والأبرار في دار واحدة، أو أن رحمته تعجز عن أهل التفريط والكبائر، وهذا كله من فقه الأسماء والصفات، لكن هذا الفقه يجب أن يكون شاملا لكل أسمائه سبحانه وصفاته، ولا يقتصر على نوع دون غيره، أو يُغَلَّب
(1)
فيه حاتم لم أعرفه وسيأتي (237)، المحتضرين (154) رقم (209).
(2)
إسناده فيه إبهام شيخ المصنف، حسن الظن باللَّه (78) رقم (86)، وذكره ابن فرحون في الديباج المذهب (1/ 28).
جانب على آخر، كي لا يكون غِرَةً، فإن اللَّه عز وجل "فوق ذلك
(1)
، وأجلُّ وأكرم، وأجود وأرحم، ولكن إنما يضع ذلك في محله اللائق به، فإنه سبحانه موصوف بالحكمة والعزة، والانتقام وشدة البطش، وعقوبة من يستحق العقوبة"
(2)
، وهذا ما يتضح بعلاقة حسن الظن بالعمل.
وأما علاقته بالعمل: فهي علاقة وطيدة، علاقة الشرط بالمشروط "فما ينفع المجرم أسماؤه وصفاته، وقد باء بسخطه وغضبه، وتعرض للعنته، وأوقع في محارمه، وانتهك حرماته، بل حسن الظن ينفع من تاب وندم وأقلع، وبدل السيئة بالحسنة، واستقبل بقية عمره بالخير والطاعة، ثم أحسن الظن فهذا حسن ظن، والأول غرور واللَّه المستعان"
(3)
، ومن هنا كان حسن الظن مع اتباع الهوى عجزٌ، ولا يكون إلا مع انعقاد أسباب النجاة، وأما مع انعقاد أسباب الهلاك فلا يتأتى إحسان الظن
(4)
، ولذلك كان أثر الحسن معيارا دقيقا في هذا الموضوع حيث بيّن أن العبد لو أحسن الظن بربّه لأحسن العمل، وعكس ذلك غرور وأماني
(5)
.
أما إحسان الظن باللَّه عند الموت: فإن الآثار الواردة فيه تدل على
(1)
أي ما يستدل به الفجار على تماديهم فيما هم فيه من عفو اللَّه ورحمته ومغفرته و. . .
(2)
الجواب الكافي (15).
(3)
الجواب الكافي (15).
(4)
انظر الجواب الكافي (15).
(5)
انظر فصل الفرق بين حسن الظن والغرور في الجواب الكافي (24)، وتحفة الأحوذي (10/ 50).
أهمية حسن الظن عند حضور الموت، وأنه إما أن يكون من مسيء فيحسن تذكيره بسعة عفو اللَّه ومغفرته، لصدق توبته في ذلك الوقف، وإما من محسن أو مخلط فيذكر بمحاسن عمله، كل ذلك ليقوى رجاؤه في اللَّه، ولا يقع فريسة لإبليس فيوقعه في القنوط واليأس من رحمة اللَّه، وسيأتي مزيد بسط وتوضيح للمسألة حسن الظن عند الموت في المبحث التالي عند الكلام على الخوف والرجاء عند الموت وأيهما أولى في تلك الحال.