الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن أبي عمر الخراساني، عن مقاتل بن حيّان
(1)
قال: "ليس لملوك صديق، ولا لحسود غنى، وطول النظر في الحكمة تلقيح للعقل، وأهل هذه الأهواء آفة [أمة
(2)
محمد صلى الله عليه وسلم؛ إنهم يذكرون النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته فيَتصيَّدُونَ بهذا الذّكرِ الحسنِ الجهّال من الناس، فيقذفون بهم في المهالك، فما أشبههم بمن يسقي الصَّبِر باسم العسل، ومن يسقي السمّ القاتل باسم التِّرياق، فأبصِرهم فإنك إن لا تكن أصبحت في بحر الماء فإنك قد أصبحت في بحر الأهواء، الذي هو أعمق غورا وأشدّ اضطرابا وأكثر عواصفا وأبعد مذهبا من البحر وما فيه، فلتكن مطيّتك التي تقطع بها سفر الضلال اتّباع السنة، فإنهم هم السيّارة الذين إلى اللَّه يعمدون"
(3)
.
التحليل والتعليق
تضمن الأثران السابقان بيان منهج السلف في تقويم الرجال، وهو أن صلاح الرجل لا يعتد به إذا خالطته بدعة، وأن على المسلم أن لا يغتر بصلاح من ظاهره الصلاح من أهل البدع؛ لأنهم يستغلون ذلك لدسّ السم من خلاله في الأمة، قال شيخ الإسلام: "كان الشيوخ العارفون
(1)
هو مقاتل بن حيان النَبَطي، صدوق فاضل، مات قبيل الخمسين، التقريب (6867).
(2)
زيادة من تاريخ دمشق.
(3)
فيه أبو عمر الخراساني لم أجد له ترجمة، وقد ورد عند ابن عساكر قبل هذا الأثر وقال فيه تلميذه عبد اللَّه الأشجعي: شيخ من أهل خراسان، الإشراف (214 - 215) رقم (241)، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (60/ 108).
المستقيمون من مشايخ التصوف وغيرهم يأمرون أهل القلوب، أرباب الزهد والعبادة والمعرفة والمكاشفة بلزوم الكتاب والسنة، قال الجنيد بن محمد علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة. . . . قال غير واحد من الشيوخ والعلماء: لو رأيتم الرجل يطير في الهواء، ويمشي على الماء، فلا تغتروا به حتى تنظروا وقوفه عند الأمر والنهي، ومثل هذا كثير في كلام المشائخ والعارفين وأئمة الهدى، وأفضل أولياء اللَّه عندهم أكملهم متابعة للأنبياء"
(1)
.
وقال رحمه الله: "كان السلف يعدون كل من خرج عن الشريعة في شيء من الدين من أهل الأهواء، ويجعلون أهل البدع هم أهل الأهواء، ويذمونهم بذلك ويأمرون بألا يغتربهم ولو أظهروا ما أظهروه من العلم والكلام والحجاج أو العبادة والأحوال مثل المكاشفات وخرق العادات"
(2)
.
وأصل هذا القول الأحاديث الكثيرة المشهورة الواردة في الخوارج وصفاتهم ومع ذلك لم تشفع لهم تلك الصفات، بل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهم فقاتلهم الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال شيخ الإسلام: "فهؤلاء مع كثرة صلاتهم وصيامهم وقراءتهم وما هم عليه من العبادة والزهادة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتْلهم، وقَتَلَهُم علي بن أبي طالب ومن معه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
(3)
.
بل إن من عدم الاعتداد بصلاحهم، ما وقع من الخلاف بين أهل العلم
(1)
الرد على المنطقيين (515).
(2)
الاستقامة (1/ 254).
(3)
المجموع (1/ 473).
في قبول شهادتهم وإجازتها، وهو مذهب مالك وأحمد رحمهما اللَّه
(1)
.
وأما استغلال صلاحهم أو ما يظهرونه من ذلك في تمرير بدعهم وترويجها كما قال مقاتل، فقد ذكر ابن القيم رحمه الله في القسم الخامس من الحيل المحرمة في الشرع:"أن يقصد حل ما حرمه الشارع، أو سقوط ما أوجبه؛ بأن يأتي بسبب نصبه الشارع سببا إلى أمر مباح مقصود، فيجعله المحتال المخادع سببا إلى أمر محرم مقصود اجتنابه"، ثم ذكر أنواعا من البدع وكيف خرجها أصحابها في صور الطاعات والمشروعات فقال:"كما أخرجت الجهمية التعطيل في قالب التنزيه. . . وأخرج الروافض الإلحاد والكفر والقدح في سادات الصحابة وحزب رسول اللَّه وأوليائه وأنصاره في قالب محبة أهل البيت والتعصب لهم وموالاتهم، وأخرجت الإباحية وفسقة المنتسبين إلى الفقر والتصوف بدعهم وشطحهم في قالب الفقر والزهد والأحوال والمعارف ومحبة اللَّه ونحو ذلك"
(2)
.
وقد وقع في هذه الحيل كثير من المسلمين، ومن ذلك ما ذكره الذهبي رحمه الله عن الخليفة العباسي المنصور الذي كان يعظم عمرو بن عبيد وينشد فيه:
كلكم يمشي رويدا، كلكم يطلب صيدا، غير عمرو بن عبيد، قال الذهبي:"اغتر بزهده وإخلاصه وأغفل بدعته"
(3)
.
(1)
انظر الاستذكار لابن عبد البر (8/ 268)، والمغني (10/ 168)، وانظر إعلام الموقعين (4/ 220).
(2)
إغاثة اللهفان (2/ 81)، وانظر المجموع (35/ 149).
(3)
السير (6/ 105).