المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

178 - حدثني حمزة بن العباس، أنبأنا عبدان، أنبأنا عبد - الآثار المروية عن أئمة السلف في العقيدة من خلال كتب ابن أبي الدنيا - جـ ١

[حميد بن أحمد نعيجات]

فهرس الكتاب

- ‌مقدِّمة معالي مدير الجامعة الإسلاميَّة

- ‌شكر وتقدير

- ‌أسباب اختيار الموضوع

- ‌أهمية الموضوع

- ‌منهج البحث

- ‌خطة البحث

- ‌تمهيد: في ترجمة موجزة لابن أبي الدنيا

- ‌الفصل الأول: دراسة جوانبه الشخصية

- ‌المبحث الأول: اسمه ونسبه وكنيته ولقبه

- ‌المبحث الثاني: مولده ونشأته

- ‌المبحث الثالث: وفاته

- ‌الفصل الثاني: دراسة جوانبه العلمية

- ‌المبحث الأول: طلبه للعلم ورحلاته

- ‌المبحث الثاني: شيوخه وتلاميذه

- ‌أولا: شيوخه

- ‌ثانيا: تلاميذه

- ‌المبحث الثالث: عقيدته ومذهبه في الفروع

- ‌أولا: عقيدته

- ‌أولا: مسألة حياة الخضر

- ‌ثانيا: بعض المسائل في توحيد العبادة

- ‌ثالثا: الرواية عن أهل الكتاب عموما، وسؤال الرهبان ونحوهم خصوصا

- ‌رابعا: الكلام في الأنبياء

- ‌ثانيا: مذهبه في الفروع

- ‌المبحث الرابع: مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

- ‌المبحث الخامس: آثاره العلمية

- ‌الباب الأول: الآثار الواردة في الاتباع والابتداع

- ‌الفصل الأول: الآثار الواردة في الاتباع

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في تعظيم السلف للكتاب والسنة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في ترك ما ليس للعبد فيه سلف

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في النهي عن الكلام في العلماء

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في الهدي العام للسلف في السلوك

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الفصل الثاني: الآثار الواردة في الابتداع

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في خطورة البدع

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في نهي السلف عن الأهواء وتعوذهم منها

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في تمني الموت قبل وقوع البدع

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في سرعة وقوع البدع في الناس

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في أن البدع سبب هلاك مَن هلك مِن هذه الأمة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الخامس: الآثار الواردة في تألم السلف من ظهور البدع وترك السنن

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في سد الذرائع إلى البدع

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في التحذير من أهل البدع والرأي والقياس الفاسد

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في النهي عن الخصومات في الدين

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في النهي عن الاستماع لأهل البدع

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في منع الحكام أهل البدع من الكلام فيها

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الخامس: الآثار الواردة في عدم الاعتداد بصلاح أهل البدع

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السادس: الآثار الواردة في عدم ذكر محاسن الفاسق المبتدع

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السابع: الآثار الواردة في الحذر من الكلام الذي يكون للمبتدع فيه حجة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثامن: الآثار الواردة في تورع السلف عن أفعالٍ خشية أن تكون بدعة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثالث: الآثار الوادة في أحكام المبتدعة في الدنيا والآخرة

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في أحكام المبتدعة في الدنيا

- ‌المسألة الأولى: الآثار الواردة في حكم غيبتهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثانية: الآثار الواردة في حكم لعنهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثالثة: الآثار الواردة في حكم تزويجهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الرابعة: الآثار الواردة في حكم من خالطهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الخامسة: الآثار الواردة في حكم مجالستهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة السادسة: الآثار الواردة في حكم مغفرة ذنوبهم في شعبان

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة السابعة: الآثار الواردة في حكم قتلهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في أحكام المبتدعة في الآخرة

- ‌المسألة الأولى: الآثار الواردة في تسليط بعض الحيات عليهم بعد موتهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثانية: الآثار الواردة في عذاب أهل البدع في قبورهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثالثة: الآثار الواردة في تحويل وجوههم عن القبلة في قبورهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الباب الثاني: الآثار الواردة في التوحيد

- ‌الفصل الأول: الآثار الواردة في توحيد الربوبية

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في فضل معرفة اللَّه

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في استلزام التفكر والمعرفة للعبادة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الفصل الثاني: الآثار الواردة في توحيد الألوهية

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في أنواع العبادة

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في فضل التوحيد

- ‌أولا: الآثار الواردة في أنه سبب تفاضل الأعمال

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في أنه أفضل نعمة على العبد

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في أن اللَّه وصفه بالإحسان

- ‌رابعا: الآثار الواردة في أنه مكفر للذنوب

- ‌خامسا: الآثار الواردة في أنه مطهر من الشرك والذنوب

- ‌سادسا: الآثار الواردة في أنه عُدَّة أصحاب الكبائر

- ‌سابعا: الآثار الواردة في أنه أعظم ما حورب به إبليس

- ‌ثامنا: الآثار الواردة في الجزاء العظيم الذي أُعَدَّ لصاحبه

- ‌تاسعا: الآثار الواردة في أنه جالب لمحبة الناس للعبد، ودافع لبغضهم

- ‌عاشرا: الآثار الواردة في أنه سبب إجابة الدعاء

- ‌حادي عشر: الآثار الواردة في مشروعية تلقين الميت كلمة التوحيد

- ‌ثاني عشر: الآثار الواردة في أنها شعار الناس إذا خرجوا من قبورهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في الإخلاص وصلاح العمل

- ‌أولا: الآثار الواردة في الإخلاص وأهميته

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في صلاح العمل

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في الدعاء

- ‌أولا: الآثار الواردة في أسباب الإجابة

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في إنزال كل الحوائج باللَّه عز وجل وحده

- ‌ثالثًا: الآثار الواردة في الدعاء وكرامات الصالحين

- ‌رابعا: الآثار الواردة في دعاء اللَّه في السراء والضراء

- ‌خامسا: الآثار الواردة في بعض آداب الدعاء

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في التوكل

- ‌أولا: الآثار الواردة في فضله

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في تعريفه

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في التوكل واتخاذ الأسباب

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الخامس: الآثار الواردة في اليقين

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السادس: الآثار الواردة في حسن الظن باللَّه

- ‌أولا: الآثار الواردة في فضل حسن الظن باللَّه ومعناه

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في حسن الظن والعمل

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في إحسان الظن باللَّه عند الموت

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السابع: الآثار الواردة في الرجاء

- ‌أولا: الآثار الواردة في رجاء ثواب الطاعة

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في رجاء مغفرة الذنب

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في رجاء لقاء اللَّه

- ‌رابعا: الآثار الواردة في رجاء دفع الضر وجلب النفع

- ‌خامسا: الآثار الواردة في الرجاء والعمل

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثامن: الآثار الواردة في الخوف

- ‌أولا: الآثار الواردة في تعريفه

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في الخوف والعمل

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في الخوف عند الموت

- ‌رابعا: الآثار الواردة في الخوف وتمني الموت

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب التاسع: الآثار الواردة في الجمع بين الخوف والرجاء

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب العاشر: الآثار الواردة في الشكر

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الحادي عشر: الآثار الواردة في التوسل

- ‌أولا: الآثار الواردة في التوسل بالطاعات

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في التوسل بأسماء اللَّه وصفاته

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في التوسل بدعاء الصالحين

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني عشر: الآثار الواردة في حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث عشر: الآثار الواردة في التبرك

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في نواقض وقوادح التوحيد

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في نواقض التوحيد

- ‌المسألة الأولى: الآثار الواردة في النهي عن الشرك

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثانية: الآثار الواردة في ذم الشرك

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثالثة: الآثار الواردة في التحذير من الشرك

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الرابعة: الآثار الواردة في السحر

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الخامسة: الآثار الواردة في سد ذرائع الشرك

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في قوادح التوحيد

- ‌المسألة الأولى: الآثار الواردة في الرياء

- ‌أولا: الآثار الواردة في تعريفه

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في خطورته

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في خوف السلف وتحذيرهم منه

- ‌رابعا: الآثار الواردة في الفرق بينه وبين حب الذكر الحسن

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثانية: الآثار الواردة في الحلف بغير اللَّه

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثالثة: الآثار الواردة في قول الرجل: لولا اللَّه وأنت

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الرابعة: الآثار الواردة في التمائم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الخامسة: الآثار الواردة في الطيرة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة السادسة: الآثار الواردة في النهي عن بناء القبور بالآجر

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الفصل الثالث: الآثار الواردة في توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في أن أسماء اللَّه حسنى

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في فهم معاني الصفات

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في قطع الطمع عن إدراك الكيفية

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في العلو والفوقية

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الخامس: الآثار الواردة في المجيء والنزول

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث السادس: الآثار الواردة في اليد

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث السابع: الآثار الواردة في الساق

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثامن: الآثار الواردة في النظر إلى اللَّه ورؤيته

- ‌أولا: الآثار الواردة في تفسير الزيادة بالنظر إلى اللَّه عز وجل

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في أن رؤية اللَّه أعظم نعيم في الجنة

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في زيارة المؤمنين ربهم يوم الجمعة

- ‌رابعا: الآثار الواردة في تجلي اللَّه عز وجل لعباده

- ‌خامسا: الآثار الواردة في بروز اللَّه عز وجل لعباده

- ‌سادسا: الآثار الواردة في الفرق بين نظر المؤمنين لربهم ونضارة وجوههم

- ‌سابعا: الآثار الواردة في كون رؤية اللَّه جزاءا لأعمال معينة

- ‌ثامنا: الآثار الواردة في يقين السلف بهذه العقيدة

- ‌تاسعا: الآثار الواردة في الحجب، واحتجابه تعالى عن الكفار

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث التاسع: الآثار الواردة في المكر

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث العاشر: الآثار الواردة في الاستهزاء

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الحادي عشر: الآثار الواردة في الخداع

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني عشر: الآثار الواردة في الغضب والأسف

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثالث عشر: الآثار الواردة في السخط

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الرابع عشر: الآثار الواردة في الغيرة

- ‌التحليل والتعليق

الفصل: 178 - حدثني حمزة بن العباس، أنبأنا عبدان، أنبأنا عبد

178 -

حدثني حمزة بن العباس، أنبأنا عبدان، أنبأنا عبد اللَّه، عن سليمان بن المغيرة عن ثابت، عن مطرف قال:"لِيُعَظَّم جلال اللَّه في صدوركم، فلا تذكروه عند مثل هذا، قول أحدكم للكلب: اللهم اخزِه، وللحمار وللشاة"

(1)

.

‌التحليل والتعليق

تضمنت الآثار السابقة الموزعة على ما يناسبها من عناصر بيان مسائل هامة متعلقة بالدعاء.

فشمل العنصر الأول أثرين فيهما بيان بعض أسباب الإجابة وهي الإخلاص والاستكانة للَّه، وهما من جملة أسباب إجابة الدعاء وقد ذكرهما وغيرهما ابن رجب رحمه الله فقال: "من الأسباب التي تقتضي إجابة الدعاء أربعة:

أحدها: إطالة السفر، والسفر بمجرده يقتضي إجابة الدعاء.

والثاني: حصول التبذل في اللباس والهيئة بالشعث والإغبار.

الثالث: مد يديه إلى السماء وهو من آداب الدعاء التي يرجى بسببها إجابته.

الرابع: الإلحاح على اللَّه عز وجل بتكرير ذكر ربوبيته، وهو من أعظم ما

= كتاب الصمت وآداب اللسان (194) رقم (345)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 314).

(1)

إسناده صحيح.

كتاب الصمت وآداب اللسان (281) رقم (630)، وابن المبارك في الزهد (71) رقم (214)، وابن أبي شيبة في المصنف (7/ 179) رقم (35136).

ص: 304

يطلب به إجابة الدعاء"

(1)

.

وشمل العنصر الثاني إنزل الحوائج كلها باللَّه، والمراد هذا العنصر بيان أن سؤال اللَّه وإنزال حاجات الناس به تعالى كان هو السائد بين هذه القرون الفاضلة، فلا نجد في أدعيتهم على اختلاف أسبابها وتنوع حاجاتهم، وتغاير عباراتهم وأساليب خطابهم، رغم كل ذلك نجدها تصب في كوثر واحد هو الرجوع إلى اللَّه والالتجاء إليه

(2)

، وقد صرح بعضهم بهذا الأمر فإن أثر عجردة العابدة فيه:"فبك إلهي لا بغيرك أسألك"، ووصايا كثير من السلف لغيرهم أن ينزل حاجته باللَّه لا بغيره كأثر الثوري، وفي أثر الليث بيان أن دعاء اللَّه لم يقتصر على حال الرخاء بل حتى حال الشدَّة وهي الغرق لم يتوجهوا لغيره تعالى، وهكذا كان دعاء اللَّه حتى في ما ليس محبوبا إليه كالانتقام والقتل كانوا يدعونه أن يمكنهم من ذلك، وعند وقوعهم في الأسر، وفتح الحصون، كل ذلك لا يرجعون إلى غيره ولا يدعون سواه، هذا منهجهم وسبيلهم، {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ

(1)

جامع العلوم والحكم (105 - 106) وقد ذكر في كل سبب ما يشهد له من الأحاديث والآثار، وانظر سلاح المؤمن في الدعاء (97)، وتحفة الذاكرين للشوكاني (46 - 47).

(2)

ولو تتبعت كتب الأدب الكبيرة فإنها عقدت أبوابا في بعض أدعية الأعراب وأهل البادية تجد فيها العجب من سؤال اللَّه والتضرع بين يديه ولا تجد إشارة إلى الشرك والتوسل بالمخلوقين واللَّه أعلم.

ص: 305

جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)}

(1)

، وما هذا إلا لعلمهم اليقيني أن الدعاء من أعظم العبادات وأن الشرك فيه من أعظم أنواع الشرك، قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن:"إن لم يكن الإشراك فيه -أي الدعاء- شركا، فليس في الأرض شرك، وإن كان في الأرض شرك فالشرك في الدعاء أولى أن يكون شركا من الإشراك في غيره من أنواع العبادة، بل الإشراك في الدعاء هو أكبر شرك المشركين الذين بعث إليهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم"

(2)

.

أما العنصر الثالث فقد شمل أمرا مهما من أمور الدعاء عند أهل السنة والجماعة وهو علاقة الدعاء بكرامات الأولياء والصالحين، حيث تضمن الأثران أثر أنس بن مالك رضي الله عنه وأثر الشعبي رحمه الله جواز إحياء اللَّه الموتى بدعاء بعض الصالحين، ففي أثر أنس أن الميت من البشر وهو ابن العجوز الأنصارية، وفي أثر الشعبي أنه من الحيوانات وهو حمار، وقد عد العلماء هذا الأمر من التوسل إلى اللَّه بالأعمال الصالحة، ولذلك أدرج شيخ الإسلام أثر أنس رضي الله عنه مع أثر الثلاثة الذين انغلق عليهم الغار فدعوا بصالح أعمالهم

(3)

.

ومسألة إحياء الموتى بدعاء الصالحين مسألة شائكة ودقيقة جدا؛ وذلك أن: "المراتب ثلاثة: آيات الأنبياء، ثم كرامات الصالحين، ثم خوارق

(1)

سورة النساء، الآية (115).

(2)

تيسير العزيز الحميد (219).

(3)

لاشتراك الجميع في الدعاء بصالح الأعمال.

ص: 306

الكفار والفجار، كالسحرة والكهان، وما يحصل لبعض المشركين، وأهل الكتاب، والضلال من المسلمين.

أما الصالحون الذين يدعون إلى طريق الأنبياء لا يخرجون عنها، فتلك خوارقهم من معجزات الأنبياء، فإنهم يقولون: نحن إنما حصل لنا هذا باتباع الأنبياء، ولو لم نتبعهم لم يحصل لنا هذا، فهؤلاء إذا قدر أنه جرى على يد أحدهم ما هم من جنس ما جرى للأنبياء، كما صارت النار بردا وسلاما على أبي مسلم، كما صارت على إبراهيم، وكما يكثر اللَّه الطعام والشراب لكثير من الصالحين، كما جرى في بعض المواطن للنبي صلى الله عليه وسلم، أو إحياء اللَّه ميتا لبعض الصالحين كما أحياه للأنبياء، وهي أيضًا من معجزاتهم بمنزلة ما تقدمهم من الإرهاص، ومع هذا فالأولياء دون الأنبياء والمرسلين، فلا تبلغ كرامات أحد قط مثل معجزات المرسلين كما أنهم لا يبلغون في الفضيلة والثواب إلى درجاتهم، ولكنهم قد يشاركونهم في بعضها كما قد يشاركونهم في بعض أعمالهم، وكرامات الصالحين تدل على صحة الدين الذي جاء به الرسول"

(1)

.

ولما تكلم عما ينقله أهل الكتاب من كرامات صالحيهم ومعجزات أنبيائهم قال: "أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وتابعوهم صالحون، ولهم من الآيات أعظم مما للحواريين وغيرهم من الأمم، وفيهم من كان يحمل العسكر على الماء، ومن كان يشرب السموم القاتلة، ومن يحيي اللَّه الموتى

(1)

النبوات (5 - 6).

ص: 307

بدعوته، ومن يكثر الطعام والشراب، وكتب كرامات الأولياء فيها من ذلك أعظم مما عند أهل الكتاب"

(1)

.

وقال: "الآيات التي يبعث اللَّه بها أنبياء قد يكون مثلها لأنبياء أخر مثل: إحياء الموتى، فقد كان لغير واحد من الأنبياء، وقد يكون إحياء الموتى على يد أتباع الأنبياء كما قد وقع لطائفة من هذه الأمة ومن أتباع عيسى؛ فإن هؤلاء يقولون: نحن إنما أحيى اللَّه الموتى على أيدينا لاتباع محمد أو المسيح، فبإيماننا بهم وتصديقنا لهم أحيى اللَّه الموتى على أيدينا، فكان إحياء الموتى مستلزما لتصديقه عيسى ومحمدا، لم يكن قط مع تكذيبهما، فصار آية لنبوتهم، وهو أيضًا آية لنبوة موسى وغيره من أنبياء بني اسرائيل الذين أحيى اللَّه الموتى على أيديهم"

(2)

.

فتلخص من هذا أن الأنبياء لهم من الآيات ما يختصون به عن غيرهم من سائر البشر كالنبوة، سواء من أتباعهم أو من غيرهم، وقد يختص النبي المعين بآية عن سائر إخوانه من الأنبياء فضلا عن غيرهم كناقة صالح وعصا موسى، وقد يشاركه فيها غيره من الأنبياء، كما قد يشاركه فيها بعض أتباعه، كإحياء الموتى فقد كان لغير واحد من الأنبياء، وكان لبعض الصالحين من أتباعهم واللَّه أعلم

(3)

.

(1)

الجواب الصحيح (6/ 355).

(2)

النبوات (213).

(3)

انظر كتاب النبوات (218 - 219).

ص: 308

واشتمل العنصر الرابع على بيان أهمية ذكر اللَّه في السراء وأنه عدة يدخرها المؤمن ليذكره اللَّه بها في الضراء، وفي ذلك إشارة إلى تحذير المؤمن من ذكر اللَّه ودعائه في الضراء والشدائد، ونسيانه في السراء والسمعة، لأن ذلك من أخلاق المشركين كما قال اللَّه عنهم:{وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ}

(1)

، قال الإمام القصاب رحمه الله:"تقريع لمن يهمل الدعاء في الرخاء، ويفزع إليه في الشدة، وليس ذلك من أخلاق المؤمنين، إذ من أخلاقهم إكثار الدعاء في الرخاء عدة للشدة. . . فلا ينبغي للمؤمن أن يستن بالكافر، ولا يفزع إلى الدعاء إلا عند الشدائد"

(2)

.

وإذا كان هذا كذلك فما بالك بمن يخص الشدائد والكرب بالفزع إلى غير اللَّه، وسؤاله ودعائه، لا شك أنه أسوأ من المشركين الذين نهينا عن اتباع سننهم، فإنهم يخلصون الدعاء للَّه في الشدائد دون الرخاء، وهؤلاء يخلصون الشرك في الشدائد فضلا عن الرخاء واللَّه المستعان

(3)

.

(1)

سورة الزمر، من الآية (8).

(2)

نكت البيان (150 ب - 151 أ).

(3)

انظر تيسير العزيز الحميد (320)، رسالة الشرك ومظاهره لمبارك الميلي (196) فقد ذكر قصة مفادها أن الشيخ الصوفي أمر أتباعه بأن يسألوه كي لا تغرق السفينة وهو يتوسط لهم عند اللَّه، وعلى مثل هذه القصص تسكب عبرات التوحيد وإلى اللَّه المشتكى.

ص: 309

واشتمل العنصر الخامس بعض آداب الدعاء حيث فضّل الجوني الاستجارة والتعوذ من النار على العتق منها؛ لأن العتق يتضمن دخولها، وذكر مطرف أن من تعظيم اللَّه عدم سؤاله خزي الكلب والحمار والشاة

(1)

، أما عدم سؤال اللَّه العتق من النار وتفضيل سؤال الإجارة والتعوذ منها، بسبب أن السؤال يتضمن دخولها، فالذي يظهر واللَّه أعلم أن هذه المسألة نظير ما ورد من تحفّظ بعض السلف من سؤال شفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بحجة أن ذلك يتضمن دخول النار، وقد ناقشت ذلك في موضعه وبيّنت وجه جوازه بل استحبابه واللَّه يعصمنا من الخطأ والزلل

(2)

.

(1)

انظر في مثل هذه الآداب آداب الدعاء للطبراني (1/ 558).

(2)

انظر هذه الرسالة (889 - 891).

ص: 310