الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التحليل والتعليق
تضمن الأثران السابقان إثبات السحر، وشيء من أنواعه، وقصة تعليم هاروت وماروت للسحرة، ومنافاته للتوحيد، وعقوبة صاحبه.
فأما إثباته: فإن قصة الساحرة التي طارت بالباب مع كبة الغزل، وقصة الرجل الذي رأى هاروت وماروت وكان أبوه تعلم السحر من النصراني البابلي، فيهما إثبات وجود السحر وأنه حقيقة يفعلها الساحر، وله طرق وأساليب، وأنه مما يتعلم ويؤخذ من أهله، وأن هذا أمر لم يكن منكرا في تلك الأوساط المتقدمة، بل معروف عندهم، مشهور أمره، وهذا من عقيدة أهل السنة فقد ذكروه في كتبهم المعروفة الجامعة كقول اللالكائي:"سياق ما روي في أن السحر له حقيقة"
(1)
، ولم ينكر حقيقة السحر إلا طائفة من أهل الكلام كالمعتزلة قال ابن القيم:"وهذا خلاف ما تواترت به الآثار عن الصحابة والسلف، واتفق عليه الفقهاء، وأهل التفسير والحديث، وأرباب القلوب من أهل التصوف، وما يعرفه عامة العقلاء، والسحر الذي يؤثر مرضا وثقلا، وحلا وعقدا، وحُبا وبُغضا، وتزيينا وغير ذلك من الآثار، موجود تعرفه عامة الناس، وكثير منهم قد علمه ذوقا بما أصيب به منه"
(2)
، وذكره أبو الحسن في جملة عقائد أهل السنة والأثر أصحاب الحديث فقال: "ويصدقون بأن في الدنيا سحرة،
(1)
شرح أصول اعتقاد أهل السنة (7/ 1283).
(2)
بدائع الفوائد (2/ 452).
وأن الساحر كافر. . . وأن السحر كائن موجود في الدنيا"
(1)
.
وأما بعض أنواعه: فتضمن الأثران استعمال كبة الغزل، والطيران على الباب، والطفو على الماء، وهي بعض أنواع السحر وله أنواع كثيرة جدا، منها ما يكون حقيقة ومنها ما هو خيال فقط، ومنها ما هو حيل وتمويهات
(2)
.
وأما تعليم هاروت وماروت للسحرة: فقد تضمن الأثر بعض تفاصيل ذلك، وقد ذكر ذلك ابن حجر في الفتح فقال:"قصة هاروت وماروت جاءت بسند حسن من حديث ابن عمر في مسند أحمد، وأطنب الطبري في إيراد طرقها، بحيث يقضى بمجموعها على أن للقصة أصلا، خلافا لمن زعم بطلانها كعياض ومن تبعه، ومحصلها: أن اللَّه ركب الشهوة في ملكين من الملائكة اختبارا لهما، وأمرهما أن يحكما في الأرض، فنزلا على صورة البشر، وحكما بالعدل مدة، ثم افتتنا بامرأة جميلة فعوقبا بسبب ذلك بأن حبسا في بئر ببابل منكسين، وابتليا بالنطق بعلم السحر، فصار يقصدهما من يطلب ذلك، فلا ينطقان بحضرة أحد حتى يحذراه وينهياه، فإذا أصر تكلما بذلك، ليتعلم منهما ذلك، وهما قد عرفا ذلك، فيتعلم منهما ما قص اللَّه عنهما واللَّه أعلم"
(3)
، كما نص الإمام عبد اللَّه
(1)
مقالات الإسلاميين (1/ 349).
(2)
انظر كتاب الدكتورة حياة با أخضر موقف الإسلام من السحر (1/ 243) فقد ذكرت أنواعه وحققت القول في بعضها أتدخل فيه أم لا؟ ، وقبلها رسالة الشرك ومظاهره للمبارك الميلي (156 - 159).
(3)
(10/ 225).
ابن المبارك رحمه الله كما في نهاية القصة أن ذلك المكان طمس فلم يعد يعرف واللَّه أعلم.
وأما منافاته للتوحيد: ففى انتفاض هارون وماروت من قول: لا إله إلا اللَّه، وتعليلهم ذلك بأنهما لم يسمعاها منذ فارقا العرش، وهذا حق قال ابن القيم:"قَلَّمَا يتأتَّى المسحر بدون نوع عبادة للشيطان، وتقرب إليه: إما بذبح باسمه، أو بذبح يقصد به هو، فيكون ذبحا لغير اللَّه، وبغير ذلك من أنواع الشرك والفسوق، والساحر وإن لم يسم هذا عبادة للشيطان، فهو عبادة له وإن سماه بما سماه به؛ فإن الشرك والكفر هو شرك وكفر لحقيقته ومعناه، لا لاسمه ولفظه"
(1)
، ومن هنا أورده شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد مبوبا له بقوله:"باب ما جاء في السحر" قال شارحه عبد الرحمن بن حسن: "لما كان السحر من أنواع الشرك؛ إذ لا يتأتى السحر بدونه. . . أدخله المصنف في كتاب التوحيد ليبين ذلك تحذيرا منه، كما ذكر غيره من أنواع الشرك"
(2)
.
وأما عقوبة صاحبه: فهي القتل كما هو صريح في الأثرين، وهو مذهب الجمهور إلا الشافعي الذي علق القتل بالسحر الذي يكون كفرا لا مطلق السحر، ومذهب الجمهور أولى وأرجح لفعل الصحابة له من غير نكير فكان كالإجماع واللَّه أعلم
(3)
.
(1)
بدائع الفوائد (2/ 461).
(2)
تيسير العزيز الحميد (382)، وانظر رسالة الشرك ومظاهره (162).
(3)
انظر المغني (9/ 36)، تيسير العزيز الحميد (390 - 391)، وفتح المجيد (394 - 395)، والمسألة توسعت فيها الأستاذة حياة با أخضر في موقف الإسلام من السحر (2/ 514 - 553).