الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: مولده ونشأته
.
لقد توجه عدد من التراجم المعاصرة - التي ترجمت لابن أبي الدنيا
(1)
إلى القول بأنه ولد ببغداد سنة (208 هـ)، وليس في تحديد سنة ولادته خلاف، أما تحديد مكان الولادة بأنه (بغداد) فبعد البحث لم أقف له على مستند يؤيده، مع أنه لا خلاف في كونه بغداديا: مسكنا، واستقرارا، وشهرة.
وقد وقفت على قول الخطيب يصفه بأن: "أصله من الكوفة، ومسكنه بغداد"
(2)
فلا أستبعد أن يكون مولده بالكوفة، حيث ذكر أن
(1)
انظر ترجمته في المصادر التالية:
الجرح والتعديل (5/ 163)، الفهرست لابن النديم، (262)، تاريخ بغداد (10/ 89)، طبقات الحنابلة (1/ 192)، مروج الذهب (1/ 13)(15/ 50، 174)، الكامل لابن الأثير (6/ 78)، الأنساب للسمعاني (4/ 471)، المنتظم (5/ 148)، التمييز والفصل لابن باطيش (322)، تهذيب الكمال (16/ 72)، السير (13/ 397)، تذهيب التهذيب (5/ 297)، تذكرة الحفاظ (2/ 677)، العبر (1/ 404)، مختصر دول الإسلام (1/ 133) للذهبي، البداية والنهاية (11/ 71)، النجوم الزاهرة (3/ 98)، فوات الوفيات (3/ 383)، تهذيب التهذيب (6/ 12)، المنهج الأحمد (1/ 273)، هدية العارفين (1/ 441 - 442)، أبجد العلوم (3/ 100).
وانظر ما كتبه كل من أصحاب الفضيلة: د. نجم خلف في مقدمة الصمت، د. مصلح الحارثي في مقدمة التهجد، الأستاذ ياسين السواس في مقدمة الشكر، وما أورده عدد من محققي كتبه في ذلك.
(2)
موضح أوهام الجمع والتفريق (2/ 211).
أصله من الكوفة، ومسكنه بغداد، ولفقدان مستند القول بولادته في بغداد -فيما وقفت عليه- فلا يحسن الجزم به ولا ترجيحه
(1)
، وذلك لما في مقولة الخطيب السابقة -في أصله ومسكنه- ما لعله يشير لكون ولادته بالكوفة واللَّه أعلم.
وقد نشأ في بيت علم وفضل، فقد كان والده من أهل العلم والحديث، روى عنه في عدة مواطن من كتبه، في موضوعات متعددة، حديثا وأثرا وشعرا وأخبارا وتاريخا.
وكان والده حريصا على توجيهه لطلب العلم على بعض المحدثين والسماع منهم وهو في مقتبل شبابه، فقد ذكر الذهبي أن أقدم شيخ له هو سعيد بن سليمان الواسطي وهو المشهور بسعدوية، وقد توفي سنة (225 هـ)، وكان حينئذ في سن السابعة عشرة، ولهذا لم يتهيأ له السماع من عفان بن مسلم -كما ذكره إبراهيم بن إسحاق الحربي-، لأن عفان بن مسلم توفي في عام (220 هـ) وكان ابن أبي الدنيا في الثانية عشرة من عمره، وكأنه في هذا الوقت توجَّه -ولعله بتوجيه والده- لأدب الحديث وللتهذيب، فكان يصحب البرجلاني (ت: 238 هـ) وهو صاحب التآليف في الزهد والرقائق
(2)
.
(1)
كما رآه محقق مقتل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، ولم يفصح عن وجه الترجيح.
(2)
وقد كانت هذه عادة المحدثين أنهم لا يبدؤون بسماع الحديث قبل الأدب، ولهم في ذلك أقوال شهيرة ومباحث كثيرة في كتب المصطح، ومن أقوالهم في ذلك:"كان الرجل إذا أراد أن يطب الحديث تعبد قبل ذلك عشرين سنة"، انظر مقدمة ابن الصلاح (73)، المنهل الروي لابن جماعة (105)، تدريب الراوي (2/ 5).
كما نشأ رحمه الله في كنف أئمة علماء السنة، من محدثين ولغويين وأهل سير وتاريخ وزهاد وعباد، حيث إن الباحث حين يقرأ سيرته ويبصر ما في كتبه ويتتبع شيوخه، يلفت انتباهه الانتقاء والتميز والتخصص، ناهيك عن الإمامة في الدين والعلم.
وتتلمذ على أئمة كبار ونهل من معينهم، وروى عنهم، وكان الغالب على كل واحد منهم حيازة السبق في ميدانه وميادين أخرى كثيرة، بحيث استطاع رحمه الله تكوين شخصيته العلمية الفذة المتميزة، التي مكنته من تبوّأ مكانة علمية مرموقة، علمًا وعملا وتأليفا.
فقد لازم الإمام أحمد إمام أهل السنة والجماعة، وروى عن الإمام البخاري أمير المؤمنين في الحديث
(1)
، والذي قال عنه ابن حجر:"جبل الحفظ، وإمام الدنيا في فقه الحديث"
(2)
، ولازم أبا عبيد القاسم بن سلام، وابن سعد صاحب الطبقات، وابن الجعد صاحب المسند، وخلف ابن هشام أحد القراء العشرة، وجميع هؤلاء متقدمو الوفاة، وهم جميعا أصحاب علم متنوّع، وأدب، وزهد، وبصيرة، وإمامة، فلا عجب أن يكون ابن أبي الدنيا بعد هذه التنشئة المميزة موسوعة جامعة كما قال العلامة ابن القيم:"كان يقال: ملأ ابن أبي الدنيا الدنيا علما"
(3)
.
(1)
انظر هدية المغيث في أمراء المؤمنين في الحديث (24).
(2)
تقريب التهذيب رقم (5764).
(3)
طريق الهجرتين (195)، وانظر ما ذكره الدكتور نجم خلف في كتابه العيال (79 - 98) فقد نبه على فوائد علمية قيّمة تتعلق بصاحب الترجمة.