الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يكن من عند اللَّه أصلها، وليس معها من قول اللَّه ما يصدّقها، النظر فيها هلكة، والجهالة بها عصمة، فاحذر على نفسك مشبَّهاتها، فإنها تدعو إلى موبقاتها، وحسبي اللَّه ونعم الوكيل، فقال المهدي لما وردت عليه الرسالة: ما سمعت كلمات أشهى إلى القلب، ولا أبلغ ولا أوجز منها، ثم كتب إلى جميع الأمصار ينهى أن يتكلّم أحد من أهل الأهواء في شيء منها"
(1)
.
التحليل والتعليق
تضمن الأثر السابق منع الإمام المهدي أهل الأهواء أن يتكلموا فيها، وبعثه بذلك كتابا إلى الأمصار، وقد كانت هذه سيرة أئمة الإسلام وحكامهم مع أهل البدع، ولهم في ذلك مواقف مشهودة ومشهورة رحمهم الله، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وتجد الإسلام والإيمان كلما ظهر وقوي كانت السنة وأهلها أظهر وأقوى، وإن ظهر شيء من الكفر والنفاق ظهرت البدع بحسب ذلك، مثل دولة المهدي والرشيد ونحوهما، ممن كان يعظم الإسلام والإيمان، ويغزو أعداءه من الكفار والمنافقين، كان أهل السنة في تلك الأيام أقوى وأكثر، وأهل البدع أذلّ وأقلّ؛ فإن المهدي قتل من المنافقين الزنادقة من لا يحصى عدده إلا اللَّه. . . وكان المهدي من خيار خلفاء بني العباس، وأحسنهم إيمانا وعدلا وجودا، فصار يتتبع المنافقين الزنادقة كذلك. . . كانت البدع في القرون الثلاثة الفاضلة مقموعة، وكانت الشريعة أعز وأظهر وكان القيام بجهاد أعداء الدين من
(1)
إسناده ضعيف، لجهالة الرجل القرشي المبهم، الإشراف (171 - 172) رقم (146).
الكافرين والمنافقين أعظم. . .. وكان في أيام المتوكل قد عز الإسلام، حتى ألزم أهل الذمة بالشروط العمرية، وألزموا الصغار، فعزت السنة والجماعة، وقمعت الجهمية والرافضة ونحوهم، وكذلك في أيام المعتضد والمهدي والقادر وغيرهم من الخلفاء الذين كانوا أحمد سيرة وأحسن طريقة من غيرهم، وكان الإسلام في زمنهم أعز وكانت السنة بحسب ذلك، وفي دولة بني بويه ونحوهم الأمر بالعكس؛ فإنهم كان فيهم أصناف المذاهب المذمومة، قوم منهم زنادقة، وفيهم قرامطة كثيرة، ومتفلسفة ومعتزلة ورافضة، وهذه الأشياء كثيرة فيهم غالبة عليهم، فحصل في أهل الإسلام والسنة في أيامهم من الوهن ما لم يعرف، حتى استولى النصارى على ثغور الإسلام، وانتشرت القرامطة في أرض مصر والمغرب والمشرق وغير ذلك، وجرت حوادث كثيرة، ولما كانت مملكة محمود بن سبكتكين من أحسن ممالك بني جنسه كان الإسلام والسنة في مملكته أعز؛ فإنه غزا المشركين من أهل الهند، ونشر من العدل ما لم ينشره مثله، فكانت السنة في أيامه ظاهرة والبدع في أيامه مقموعة، وكذلك السلطان نور الدين محمود الذي كان بالشام عز أهل الإسلام والسنة في زمنه، وذل الكفار وأهل البدع ممن كان بالشام ومصر وغيرهما من الرافضة والجهمية ونحوهم، وكذلك ما كان في زمنه من خلافة بني العباس ووزارة ابن هبيرة لهم؛ فإنه كان من أمثل وزراء الإسلام، ولهذا كان له من العناية بالإسلام
والحديث ما ليس لغيره"
(1)
.
قال الشيخ الإمام ابن باز رحمه الله: "وقد ثبت عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، الخليفة الراشد أنه قال: "إن اللَّه يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن"، ويروي عن عمر رضي الله عنه أيضا، وهذا صحيح، كثير من الناس لو جئته بكل آية لم يمتثل، لكن إذا جاءه وازع السلطان بالضرب والسجن ونحو ذلك أذعن، وترك باطله
(2)
، لماذا؟ ! لأن قلبه مريض؛ ولأنه ضعيف الإيمان، أو معدوم الإيمان. . . فلهذا لا يتأثر بالآيات والأحاديث. . لكن إذا خاف من السلطان ارتدع ووقف عند حده، ووازع السلطان له شأن عظيم، ولهذا شرع اللَّه لعباده القصاص والحدود والتعزيرات لأنها تردع عن الباطل، وأنواع الظلم، ولأن اللَّه يقيم بها الحق، فوجب على ولاة الأمور أن يقيموها، وأن يعينوا من يقيمها، وأن يلاحظوا الناس، ويلزموهم بالحق، ويوقفوهم عند حدهم حتى لا يهلكوا، وينقادوا مع تيار الباطل، ويكونوا عونا للشيطان وجنده علينا"
(3)
.
(1)
مجموع الفتاوى (4/ 20 - 24) بتصرف.
(2)
قال ابن كثير في تفسيره (3/ 60): "وهذا هو الواقع".
(3)
رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مجموع فتاوى الشيخ (27/ 393).