الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة: الآثار الواردة في حكم تزويجهم
.
75 -
حدثنا أحمد بن إبراهيم، حدثني أبو مسلمة
(1)
المنقري قال: سمعت سلّام بن أبي مطيع
(2)
يقول: "لا أعلمه يحلّ لرجل أن يزوِّج صاحب بدعة، ولا صاحب الشراب، أما صاحب البدعة فيدخل ولده النار، وأما صاحب الشراب فيطلق ولده
(3)
ولا يعلم، ويفعل ويفعل"
(4)
.
التحليل والتعليق
تضمن أثر سلام بن أبي مطيع تحريم تزويج الرجل موليته رجلا مبتدعا، معللا ذلك بأنه يدخل ابنه النار، وقد سبق بيان أن البدع من جملة المعاصي، كما سبق بيان ن بعضها يكون كفرا، وبعضها يكون من الكبائر، فلا شك أن صاحب البدعة معرض للوعيد، وهذه المسألة بحثها
(1)
الصواب أبو سلمة المنقري، وهو موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة ثبت التقريب (6992).
(2)
هو سلام بن أبي مطيع، أبو سعيد الخزاعي مولاهم البصري، ثقة صاحب سنة، من خطباء أهل البصرة وعقلائهم، في روايته عن قتادة ضعف، مات بطريق مكة، مات سنة (164 هـ) وقيل بعدها، الكاشف (1/ 474)، التقريب (2711).
(3)
أفاد د. نجم خلف محقق كتاب العيال أن الجملة هكذا في المخطوط، ولعل فيها سقطا من الناسخ تقديره:"فيطلق أم ولده"، فسقطت كلمة "أم"، على أنه يمكن أن تكون صوابا، والمعنى أنه يطلق العنان لولده فلا يهتم بتربيته وعيالته ونحو ذلك، واستظهر المعنى الأول واللَّه أعلم.
(4)
إسناده صحيح، العيال (271) رقم (123).
الفقهاء في مباحث الكفاءة في النكاح، حيث ذكروا أن المبتدع لا يكون كفؤا للسنية
(1)
، وقال ابن قدامة في المغني:"فصل فأما أهل البدع؛ فإن أحمد قال في الرجل يزوج الجهمي: يفرق بينهما، وكذلك إذا زوّج الوَاقِفِيّ إذا كان يخاصم ويدعو، وإذا زوَّج أخته من هؤلاء اللقطة، وقد كتب الحديث فهذا شر من جهمي يفرق بينهما"
(2)
، وهذا الأمر راجع إلى هجر المبتدع والابتعاد عنه ومفاصلته، قال الشاطبي في تعداد الأحكام التي تلحق بالمبتدع:"الحادي عشر: الأمر بأن لا يناكحوا، وهو من ناحية الهجران، وعدم المواصلة"
(3)
.
ولما كان هذا الأمر من باب الهجر ينظر إلى أحوال المبتدع وحال بدعته، فمن كانت بدعته مكفرة فهو أشد نهيا؛ لأنه لا ولاية للكافر على المسلم، قال شيخ الإسلام عند كلامه على كفر الجهمية والرافضة، وما نقل عن السلف في ذلك وفي فيهم عن تزويجهم وعيادتهم وغير ذلك: "فإن هاتين الفرقتين هما أعظم الفرق فسادا في الدين، وأصلهما من الزنادقة المنافقين، ليستا من ابتداع المتأولين، مثل: قول الخوارج والمرجئة والقدرية؛ فإن هذه الآراء ابتدعها قوم مسلمون بجهلهم، قصدوا بها طاعة اللَّه فوقعوا في معصيته، ولم يقصدوا بها مخالفة الرسول ولا محادته، بخلاف
(1)
انظر زاد المعاد (5/ 161).
(2)
المغني (7/ 30).
(3)
الاعتصام (90).
الرفض والتجهم فإن مبدأهما من قوم منافقين، مكذبين لما جاء به الرسول، مبغضين له، لكن التبس أمر كثير منهم على كثير من المسلمين الذين ليسوا بمنافقين ولا زنادقة، فدخلوا في أشياء من الأقوال والأفعال التي ابتدعها الزنادقة والمنافقون، ولبسوا الحق بالباطل وفي المسلمين سماعون للمنافقين"
(1)
، ومن كانت بدعته غير مكفرة فهو على أحوال أيضًا:"التعزير يكون لمن ظهر منه ترك الواجبات، وفعل المحرمات: كتارك الصلاة والزكاة، والتظاهر بالمظالم والفواحش، والداعي إلى البدع المخالفة للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة التي ظهر أنها بدع، وهذا حقيقة قول من قال من السلف والأئمة إن الدعاة إلى البدع لا تقبل شهادتهم، ولا يصلى خلفهم، ولا يؤخذ العلم، ولا يناكحون فهذه عقوبة لهم حتى ينتهوا، ولهذا يفرقون بين الداعية وغير الداعية؛ لأن الذاعية أظهر المنكرات فاستحق العقوبة، بخلاف الكاتم فإنه ليس شرا من المنافقين الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل علانيتهم، ويكل سرائرهم إلى اللَّه مع علمه بحال كثير منهم"
(2)
، ولما تكلم رحمه الله عن بعض أنواع الهجر الذي شرع تعزيرا للمبتدع كرد شهادته وروايته وعدم الصلاة خلفه قال: "تنازع الفقهاء في الصلاة خلف أهل الأهواء والفجور؛ منهم من أطلق الإذن، ومنهم من أطلق المنع، والتحقيق: أن الصلاة خلفهم لا ينهى عنها لبطلان صلاتهم في
(1)
الصواعق المرسلة (4/ 1404)، وانظر تلبيس الجهمية (2/ 79).
(2)
المجموع (28/ 205).
نفسها، لكن لأنهم إذا أظهروا المنكر استحقوا أن يهجروا، وأن لا يقدموا في الصلاة على المسلمين، ومن هذا الباب ترك عيادتهم، وتشييع جنائزهم، كل هذا من باب الهجر المشروع في إنكار المنكر للنهي عنه، وإذا عرف أن هذا هو من باب العقوبات الشرعية علم أنه يختلف باختلاف الأحوال، من قلة البدعة وكثرتها، وظهور السنة وخفائها، وأن المشروع قد يكون هو التأليف تارة والهجران أخرى"
(1)
.
(1)
منهاج السنة (1/ 63 - 64) بتصرف.