الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
15 -
ثنا عبد اللَّه بن محمد بن سورة البجلي قال: قال سفيان بن عيينة
(1)
: "ليس العاقل الذي يعرف الخير والشر، ولكن العاقل يعرف الخير فيتبعه، ويعرف الشر فيجتنبه"
(2)
.
التحليل والتعليق
اشتملت الآثار السابق ذكرها، على أقوال هامة للسلف فيها تعظيم القرآن والسنة، أوحدهما، وهي متنوعة الدلالة على ذلك:
فمن جهة نجد هذا التعظيم غير مقتصر على طبقة اجتماعية خاصة، بل كل طبقات المجتمع المسلم تعيش هذا المعنى الإيماني، فالحاكم المسلم وهو هنا سليمان بن عبد الملك كان أول ما تكلم به أن أمر رعيته باتخاذ كتاب اللَّه إماما، وأن يرضوا به قائدا.
وكان ذلك نصيحة الصحابة رضوان اللَّه عليهم لمن بعدهم من التابعين بأن يزولوا مع القرآن حيث زال، كما جاء عن ابن مسعود.
(1)
هو سفيان بن عيينة بن أبي عمران -ميمون- الهلالي، أبو محمد الكوفي ثم المكي، ثقة حافظ فقيه، إمام حجة، إلا أنه تغير حفظه بأخرة، وكان ربما دلس لكن عن الثقات، مات سنة (298 هـ) وله إحدى وتسعون سنة، الكاشف (1/ 449)، التقريب (2451).
(2)
إسناده صحيح، العقل وفضله (28) رقم (53)، والبيهقي في شعب الإيمان (4/ 162) رقم (4664)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (46/ 186)، وذكره الذهبي في السير (3/ 74) كلاهما عن سفيان قال عمرو بن العاص، والمصنف في الإشراف برقم (341) عن عمرو ابن العاص نحوه، والمزي في تهذيب الكمال (3/ 227).
وكانوا ألزم لما نصحوا به غيرهم، كما ذكر ذلك التابعون عنهم، حيث وصفوهم بأنهم كانوا موافقين لكتاب ربهم وسنة نبيهم، ومواقفهم في ذلك مشهورة أكثر من أن تحصر ومن ذلك:
تفضيل عائشة رضي الله عنها للشاتين على الجزورين في العقيقة، مع أن الجزورين أعظم إنفاقا وتصدقا وإهداءا، لأن السنة أفضل كما قالت.
وتعظيم امتثال الأمر أو النهي فإن أبا جحيفة بعد ما أمره النبي صلى الله عليه وسلم أمر مخاطب، من الكف بمعنى الصرف والدفع
(1)
- بالكف عن التجشأ، لم يشبع ثلاثين سنة، ولو كان المأمور به مما لا تدركه عقولهم أو يظن فوق مقدورهم، ويلومون أنفسهم في التأخر عن تنفيذه كما قال سعد يوم أحد.
بل إن أحدهم ليغضب إذا عورض قول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بشيء مهما كان السبب كما فعل عمران بن حصين.
ولعل أعظم ذلك كله ما حصل من الصديق رضي الله عنه من كون إيمان أبي طالب كان أقر لعينه من إيمان أبيه، لأن ذلك كان أقر لعين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وهذا ذورة التعظيم وقمة الحب والمتابعة الظاهرة والباطنة، كيف لا وهو الصديق، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.
وقد سار التابعون وتابعوهم على خطا هذا المنهج الرباني، فكان ذلك من دعائهم في الصلوات، وحديثا يذكر في مواعظهم، بل كان من أدبهم في طلب العلم أن أحدهم إذا جاء الحديث كلح تعبيرا عن هيبة
(1)
تحفة الأحوذي (7/ 153).
الحديث في نفوسهم، وكانوا يوصون بالعمل بالحديث ولو مرة.
ومن ذلك التعظيم ما رؤي لبعض الأئمة من الرؤى الطيبة، كما وقع لإمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله المعروف بشدة اتباعه للأثر، ومن هنا كان المقصود من العلم هو العمل بفعل الخير وترك الشر، وليس مجرد المعرفة المجردة.
ونظرا لأهمية هذه المسألة اعتنى بها علماء الإسلام، ودونوها في مؤلفاتهم، فهذه كتب السنة ودواوين الإسلام، لا يكاد يخلو كتاب منها، من باب في الأمر بالاتباع، والحث على التمسك بالكتاب والسنة، وما من علم من العلوم الإسلامية، إلا وتجد فيه شيئا من ذلك، في التفسير والحديث والعقيدة والفقه والأصول وغير ذلك، ناهيك عما أُلِّف فيه استقلالا، كيف لا وهما الأساس الذي بني عليه هذا الدين.
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه مدارج السالكين أن من منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة التعظيم، وشرح قول المصنف أن أول درجاته:"تعظيم الأمر والنهي، وهو أن لا يُعارضا بترخص جاف، ولا يعرَّضا لتشدد غال، ولا يحملا على علة توهن الانقياد"
(1)
.
فقال عن الغلو: "والغلو نوعان: نوع يخرجه عن كونه مطيعا، كمن زاد في الصلاة ركعة. . . وغلو يخاف منه الانقطاع والاستحسار، كقيام الليل كله".
وأما العلة التي توهن الانقياد فقال: "أن لا يتأول في الأمر والنهي
(1)
مدارج السالكين (516 - 523).
علة تعود عليهما بالإبطال"، ذكر من ذلك حمل تحريم الخمر بما كان منه موقعا للعداوة والبغضاء وتجويز غيره، وكذا عدم الامتثال حتى يعلم العلة، ومن اهتم بحكم العبادات ومقصودها عن الإتيان بها بزعم اشتغاله بالمقصود عن الوسيلة، حتى عطل الأمر والنهي.
ثم قال: "وكل هذا ترك تعظيم الأمر والنهي، وقد دخل من هذا الفساد على كثير من الطوائف ما لا يعلمه إلا اللَّه: فما يدرى ما أوهنت العلل الفاسدة من الانقياد إلا اللَّه، فكم عطلت من أمر، وأباحت من نهي، وحرمت من مباح وهي التي اتفقت كلمة السلف على ذمها"
(1)
.
(1)
(2/ 520).