الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: الآثار الواردة في سرعة وقوع البدع في الناس
.
34 -
حدثني عبد الرحمن بن عبد اللَّه الباهلي قال: أخبرنا سفيان ابن عيينة، عن عبيد اللَّه بن عمر، عن نافع، عن صفية
(1)
قالت: "زلزلت المدينة على عهد عمر رضي الله عنه، فقال: أيها الناس، ما هذا؟ ما أسرع ما أحدثتم؟ لئن عادت لا أساكنكم فيها"
(2)
.
التحليل والتعليق
تضمن أثر الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه بيان سرعة وقوع المحدثات في الناس، وجعل ذلك سبب الزلزلة التي وقعت في المدينة النبوية في عهده رضي الله عنه، ولا ريب أن البدع والمحدثات سريعة الوقوع؛ لأن دافعها الهوى، وتزيين الشيطان، وهما مصدرا الشر كما سبق عن ابن القيم، وقد ورد ما يؤيد فراسة عمر رضي الله عنه سرعة الإحداث من قول عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه لما تحلق أولئك القوم في المسجد وجعل أحدهم يقول: سبحوا مائة، فيسبحون مائة ثم يطلب منهم مثله في التهليل والتحميد،
(1)
هي صفية بنت أبي عبيد بن مسعود الثقفية، زوج ابن عمر، قيل لها إدراك، وأنكره الدارقطني، وقال العجلي: ثقة، توفيت في إمارة الزبير، الإصابة (4/ 351) القسم الثاني، التقريب (8623).
(2)
العقوبات (31) رقم (20)، وابن أبي شيبة في المصنف (2/ 221) رقم (8335)، وابن عبد البر في الاستذكار (2/ 418)، والتمهيد (3/ 318)، وذكره العيني في عمدة القاري (4/ 57).
فأنكر أبو موسى الأشعري ما رآه منهم في المسجد، وذهب ليخبره بذلك، فأتاهم وقال مستنكرا:"فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم، هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد، أو مفتتحوا باب ضلالة، قالوا: واللَّه يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير، قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه، إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حدثنا أن قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وأيم اللَّه ما أدري لعل أكثرهم منكم، ثم تولى عنهم، فقال عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الخلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج"
(1)
.
ولعل الذي جعل عمر رضي الله عنه يقول ما قال علمه بأنه سيكون إحداث في الدين بعد وفاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ويقينه بذلك حيث ورد عنه أنه قال: "إنه سيأتي ناس يجادلونكم بشبهات القرآن، فخذوهم بالسنن؛ فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب اللَّه"
(2)
.
(1)
أخرجه الدارمي في سننه (1/ 79) رقم (204) بسند حسن، ومن طريقه ذكره أبو شامة في الباعث على إنكار البدع والحوادث (64 - 65)، وبحشل في تاريخ واسط (1/ 199)، وابن وضاح في البدع والنهي عنها ذكر له عدة طرق وألفاظ.
(2)
أخرجه الدارمي في السنن (1/ 62) رقم (119) بسند حسن وغيره، وهناك بعض المخالفات في أمور عملية ظهرت في عصر الخلفاء الراشدين تصدى لها الصحابة وعاملوها معاملة البدعة لبيان أنها ليست من الدين، حتى لا يلتبس الدين بغيره، انظر =
وينبغي هنا الإشارة إلى أن البدع الكبيرة لم تقع في أوائل عصر الصحابة رضوان اللَّه عليهم، ولا في مدينة الخلافة النبوية، فإنه كما قال شيخ الإسلام:"كان القرن الأول من كمال العلم والإيمان على حال لم يصل إليها القرن الثاني، وكذلك الثالث، وكان ظهور البدع والنفاق بحسب البعد عن السنن والإيمان، وكلما كانت البدعة أشد تأخر ظهورها، وكلما كانت أخف كانت إلى الحدوث أقرب"
(1)
، وقال رحمه الله: "فأما الأعصار الثلاثة المفضلة، فلم يكن فيها بالمدينة النبوية بدعة ظاهرة ألبتة، ولا خرج منها بدعة في أصول الدين ألبتة، كما خرج من سائر الأمصار. . . -ثم ذكر البدع الكبيرة التي حدثت في كل مصر- وأما المدينة النبوية فكانت سليمة من ظهور هذه البدع، وإن كان بها من هو مضمر لذلك، فكان عندهم مهانا مذمومًا؛ إذ كان بها قوم من القدرية وغيرهم، ولكن كانوا مذمومين مقهورين، بخلاف التشيع والإرجاء بالكوفة، والاعتزال وبدع النساك بالبصرة، والنصب بالشام؛ فإنه كان ظاهرا. . . ولم يزل العلم والإيمان بها ظاهرا، إلى زمن أصحاب مالك، وهم أهل القرن الرابع
(2)
حيث أخذ القرن عن مالك وأهل طبقته"
(3)
.
= مثلا الباعث على إنكار البدع والحوادث (68).
(1)
شرح العقيدة الأصفهانية (84)، والمجموع (20/ 301).
(2)
مجموع الفتاوى (20/ 300 - 302) بتصرف.
(3)
أصحاب مالك رحمه الله هم أهل القرن الثالث وليس الرابع؛ لأنه توفي سنة =