المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قد أصاب السمت، أتدرون ما الاقتصاد؟ هو الشيء الذي ليس - الآثار المروية عن أئمة السلف في العقيدة من خلال كتب ابن أبي الدنيا - جـ ١

[حميد بن أحمد نعيجات]

فهرس الكتاب

- ‌مقدِّمة معالي مدير الجامعة الإسلاميَّة

- ‌شكر وتقدير

- ‌أسباب اختيار الموضوع

- ‌أهمية الموضوع

- ‌منهج البحث

- ‌خطة البحث

- ‌تمهيد: في ترجمة موجزة لابن أبي الدنيا

- ‌الفصل الأول: دراسة جوانبه الشخصية

- ‌المبحث الأول: اسمه ونسبه وكنيته ولقبه

- ‌المبحث الثاني: مولده ونشأته

- ‌المبحث الثالث: وفاته

- ‌الفصل الثاني: دراسة جوانبه العلمية

- ‌المبحث الأول: طلبه للعلم ورحلاته

- ‌المبحث الثاني: شيوخه وتلاميذه

- ‌أولا: شيوخه

- ‌ثانيا: تلاميذه

- ‌المبحث الثالث: عقيدته ومذهبه في الفروع

- ‌أولا: عقيدته

- ‌أولا: مسألة حياة الخضر

- ‌ثانيا: بعض المسائل في توحيد العبادة

- ‌ثالثا: الرواية عن أهل الكتاب عموما، وسؤال الرهبان ونحوهم خصوصا

- ‌رابعا: الكلام في الأنبياء

- ‌ثانيا: مذهبه في الفروع

- ‌المبحث الرابع: مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

- ‌المبحث الخامس: آثاره العلمية

- ‌الباب الأول: الآثار الواردة في الاتباع والابتداع

- ‌الفصل الأول: الآثار الواردة في الاتباع

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في تعظيم السلف للكتاب والسنة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في ترك ما ليس للعبد فيه سلف

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في النهي عن الكلام في العلماء

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في الهدي العام للسلف في السلوك

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الفصل الثاني: الآثار الواردة في الابتداع

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في خطورة البدع

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في نهي السلف عن الأهواء وتعوذهم منها

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في تمني الموت قبل وقوع البدع

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في سرعة وقوع البدع في الناس

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في أن البدع سبب هلاك مَن هلك مِن هذه الأمة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الخامس: الآثار الواردة في تألم السلف من ظهور البدع وترك السنن

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في سد الذرائع إلى البدع

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في التحذير من أهل البدع والرأي والقياس الفاسد

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في النهي عن الخصومات في الدين

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في النهي عن الاستماع لأهل البدع

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في منع الحكام أهل البدع من الكلام فيها

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الخامس: الآثار الواردة في عدم الاعتداد بصلاح أهل البدع

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السادس: الآثار الواردة في عدم ذكر محاسن الفاسق المبتدع

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السابع: الآثار الواردة في الحذر من الكلام الذي يكون للمبتدع فيه حجة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثامن: الآثار الواردة في تورع السلف عن أفعالٍ خشية أن تكون بدعة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثالث: الآثار الوادة في أحكام المبتدعة في الدنيا والآخرة

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في أحكام المبتدعة في الدنيا

- ‌المسألة الأولى: الآثار الواردة في حكم غيبتهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثانية: الآثار الواردة في حكم لعنهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثالثة: الآثار الواردة في حكم تزويجهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الرابعة: الآثار الواردة في حكم من خالطهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الخامسة: الآثار الواردة في حكم مجالستهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة السادسة: الآثار الواردة في حكم مغفرة ذنوبهم في شعبان

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة السابعة: الآثار الواردة في حكم قتلهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في أحكام المبتدعة في الآخرة

- ‌المسألة الأولى: الآثار الواردة في تسليط بعض الحيات عليهم بعد موتهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثانية: الآثار الواردة في عذاب أهل البدع في قبورهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثالثة: الآثار الواردة في تحويل وجوههم عن القبلة في قبورهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الباب الثاني: الآثار الواردة في التوحيد

- ‌الفصل الأول: الآثار الواردة في توحيد الربوبية

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في فضل معرفة اللَّه

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في استلزام التفكر والمعرفة للعبادة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الفصل الثاني: الآثار الواردة في توحيد الألوهية

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في أنواع العبادة

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في فضل التوحيد

- ‌أولا: الآثار الواردة في أنه سبب تفاضل الأعمال

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في أنه أفضل نعمة على العبد

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في أن اللَّه وصفه بالإحسان

- ‌رابعا: الآثار الواردة في أنه مكفر للذنوب

- ‌خامسا: الآثار الواردة في أنه مطهر من الشرك والذنوب

- ‌سادسا: الآثار الواردة في أنه عُدَّة أصحاب الكبائر

- ‌سابعا: الآثار الواردة في أنه أعظم ما حورب به إبليس

- ‌ثامنا: الآثار الواردة في الجزاء العظيم الذي أُعَدَّ لصاحبه

- ‌تاسعا: الآثار الواردة في أنه جالب لمحبة الناس للعبد، ودافع لبغضهم

- ‌عاشرا: الآثار الواردة في أنه سبب إجابة الدعاء

- ‌حادي عشر: الآثار الواردة في مشروعية تلقين الميت كلمة التوحيد

- ‌ثاني عشر: الآثار الواردة في أنها شعار الناس إذا خرجوا من قبورهم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في الإخلاص وصلاح العمل

- ‌أولا: الآثار الواردة في الإخلاص وأهميته

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في صلاح العمل

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث: الآثار الواردة في الدعاء

- ‌أولا: الآثار الواردة في أسباب الإجابة

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في إنزال كل الحوائج باللَّه عز وجل وحده

- ‌ثالثًا: الآثار الواردة في الدعاء وكرامات الصالحين

- ‌رابعا: الآثار الواردة في دعاء اللَّه في السراء والضراء

- ‌خامسا: الآثار الواردة في بعض آداب الدعاء

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الرابع: الآثار الواردة في التوكل

- ‌أولا: الآثار الواردة في فضله

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في تعريفه

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في التوكل واتخاذ الأسباب

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الخامس: الآثار الواردة في اليقين

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السادس: الآثار الواردة في حسن الظن باللَّه

- ‌أولا: الآثار الواردة في فضل حسن الظن باللَّه ومعناه

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في حسن الظن والعمل

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في إحسان الظن باللَّه عند الموت

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب السابع: الآثار الواردة في الرجاء

- ‌أولا: الآثار الواردة في رجاء ثواب الطاعة

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في رجاء مغفرة الذنب

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في رجاء لقاء اللَّه

- ‌رابعا: الآثار الواردة في رجاء دفع الضر وجلب النفع

- ‌خامسا: الآثار الواردة في الرجاء والعمل

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثامن: الآثار الواردة في الخوف

- ‌أولا: الآثار الواردة في تعريفه

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في الخوف والعمل

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في الخوف عند الموت

- ‌رابعا: الآثار الواردة في الخوف وتمني الموت

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب التاسع: الآثار الواردة في الجمع بين الخوف والرجاء

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب العاشر: الآثار الواردة في الشكر

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الحادي عشر: الآثار الواردة في التوسل

- ‌أولا: الآثار الواردة في التوسل بالطاعات

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في التوسل بأسماء اللَّه وصفاته

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في التوسل بدعاء الصالحين

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني عشر: الآثار الواردة في حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثالث عشر: الآثار الواردة في التبرك

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في نواقض وقوادح التوحيد

- ‌المطلب الأول: الآثار الواردة في نواقض التوحيد

- ‌المسألة الأولى: الآثار الواردة في النهي عن الشرك

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثانية: الآثار الواردة في ذم الشرك

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثالثة: الآثار الواردة في التحذير من الشرك

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الرابعة: الآثار الواردة في السحر

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الخامسة: الآثار الواردة في سد ذرائع الشرك

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في قوادح التوحيد

- ‌المسألة الأولى: الآثار الواردة في الرياء

- ‌أولا: الآثار الواردة في تعريفه

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في خطورته

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في خوف السلف وتحذيرهم منه

- ‌رابعا: الآثار الواردة في الفرق بينه وبين حب الذكر الحسن

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثانية: الآثار الواردة في الحلف بغير اللَّه

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الثالثة: الآثار الواردة في قول الرجل: لولا اللَّه وأنت

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الرابعة: الآثار الواردة في التمائم

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة الخامسة: الآثار الواردة في الطيرة

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المسألة السادسة: الآثار الواردة في النهي عن بناء القبور بالآجر

- ‌التحليل والتعليق

- ‌الفصل الثالث: الآثار الواردة في توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة في أن أسماء اللَّه حسنى

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة في فهم معاني الصفات

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في قطع الطمع عن إدراك الكيفية

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الرابع: الآثار الواردة في العلو والفوقية

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الخامس: الآثار الواردة في المجيء والنزول

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث السادس: الآثار الواردة في اليد

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث السابع: الآثار الواردة في الساق

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثامن: الآثار الواردة في النظر إلى اللَّه ورؤيته

- ‌أولا: الآثار الواردة في تفسير الزيادة بالنظر إلى اللَّه عز وجل

- ‌ثانيا: الآثار الواردة في أن رؤية اللَّه أعظم نعيم في الجنة

- ‌ثالثا: الآثار الواردة في زيارة المؤمنين ربهم يوم الجمعة

- ‌رابعا: الآثار الواردة في تجلي اللَّه عز وجل لعباده

- ‌خامسا: الآثار الواردة في بروز اللَّه عز وجل لعباده

- ‌سادسا: الآثار الواردة في الفرق بين نظر المؤمنين لربهم ونضارة وجوههم

- ‌سابعا: الآثار الواردة في كون رؤية اللَّه جزاءا لأعمال معينة

- ‌ثامنا: الآثار الواردة في يقين السلف بهذه العقيدة

- ‌تاسعا: الآثار الواردة في الحجب، واحتجابه تعالى عن الكفار

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث التاسع: الآثار الواردة في المكر

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث العاشر: الآثار الواردة في الاستهزاء

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الحادي عشر: الآثار الواردة في الخداع

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثاني عشر: الآثار الواردة في الغضب والأسف

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الثالث عشر: الآثار الواردة في السخط

- ‌التحليل والتعليق

- ‌المبحث الرابع عشر: الآثار الواردة في الغيرة

- ‌التحليل والتعليق

الفصل: قد أصاب السمت، أتدرون ما الاقتصاد؟ هو الشيء الذي ليس

قد أصاب السمت، أتدرون ما الاقتصاد؟ هو الشيء الذي ليس فيه غلو ولا تقصير"

(1)

.

‌التحليل والتعليق

تضمنت الآثار السابقة حرص علماء الأمة على بيان طريق السلف وهديهم، وأن سلوكه هو الذي ينجي صاحبه، والعمل مهما كانت نية صاحبه حسنة، يجب أن يكون على وفق هدي السلف ومنهجهم، فمتى كان مخالفا لذلك فهو مبتدَع مرفوض، فالوليد وعباد الخواص وابن غالب جميعهم أنكروا الهيئة المنكرة التي رأوا بعض العُبَّاد عليها، لما فيها من مخالفة منهج المسلمين واتباع غير سبيلهم، ولذلك كان أثر سفيان رحمه الله معيارا في معرفة الزهد، وأنه ليس بأكل الغليظ، ولبس العباءة، وما حكاه عن السلف أنهم كانوا يكرهون الشهرتين، كل ذلك يؤكد أهمية اتباع سبيل السلف كي لا يقع المرء في البدعة، ويكون فعله وقوله ونياته جميعا على السنة؛ فإنه كما قال الإمام مالك رحمه الله:"ما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا"

(2)

.

وفي قول سفيان بن حسين فائدة مهمة، وهي: أن ما كان مشروعا، فليس الاهتمام به وحده وإهمال باقي أحكام الدين من طريقة السلف، بل

(1)

إسناده لين، عمر بن علي هو المقدمي ثقة وكان يدلس شديدا التقريب (4986)، إصلاح المال (302) رقم (324)، وابن عبد البر في التمهيد (21/ 68) من طريق المفضل به.

(2)

الاحكام لابن حزم (6/ 225)، ومنهج الإمام مالك في إثبات العقيدة (99) ونسبه للشاطبي فقط، وهو فيه غير مسند وعند ابن حزم مسندا.

ص: 115

طريقة السلف هي الوسط بين الغلو والتقصير، وذلك في كل أمور الدين، وهذا مقتضى العبودية للَّه وهو طاعته اللَّه في كل ما شرع أمرا ونهيا، ولهذا كان من سمات أهل السنة أنهم جردوا المتابعة فلا يخصون عملا دون آخر بشيء لم يأت في الكتاب والسنة؛ فإن ذلك من آفة العبودية وهو عبودية مقيدة، قال ابن القيم رحمه الله:"أهل السنة ليس لهم اسم ينسبون إليه سواها، فمن الناس من يتقيد بلباس لا يلبس غيره، أو بالجلوس في مكان لا يجلس في غيره، أو مشية لا يمشي غيرها، أو بزي وهيئة لا يخرج عنهما، أو عبادة معينة لا يتعبد بغيرها، وإن كانت أعلى منها، أو شيخ معين لا يلتفت إلى غيره وإن كان أقرب إلى اللَّه ورسوله منه، فهؤلاء كلهم محجوبون عن الظفر بالمطلوب الأعلى، مصدودون عنه قد قيّدتهم العوائد والرسوم والأوضاع والاصطلاحات عن تجريد المتابعة، فأضحوا عنها بمعزل، ومنزلتهم منها أبعد منزل، فترى أحدهم يتعبد بالرياضة والخلوة، وتفريغ القلب، ويعد العلم قاطعا له عن الطريق، فإذا ذكر له الموالاة في اللَّه والمعاداة فيه، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، عَدَّ ذلك فضولا وشرا، وإذا رأوا بينهم من يقوم بذلك أخرجوه من بينهم، وعدوه غيرًا عليهم، فهؤلاء أبعد الناس عن اللَّه وإن كانوا أكتر إشارة واللَّه أعلم"

(1)

.

ومن هنا كان سبيل المؤمنين، وهديهم العام في أصول الدين وفروعه، من أهم ما يجب تحصيله، للتلازم بينه وبين اتباع الكتاب والسنة،

(1)

مدارج السالكين (3/ 176)، وانظر قبلها (3/ 174).

ص: 116

قال شيخ الإسلام: "طاعة اللَّه والرسول فإنهما متلازمان؛ فمن يطع الرسول فقد أطاع اللَّه، ومن أطاع اللَّه فقد أطاع الرسول، وكذلك قوله تعالى:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)}

(1)

؛ فإنهما متلازمان: فكل من شاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى، فقد اتبع غير سبيل المؤمنين، وكل من اتبع غير سبيل المؤمنين، فقد شاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى، فإن كان يظن أنه متبع سبيل المؤمنين وهو مخطئ فهو بمنزلة من ظن أنه متبع للرسول وهو مخطئ"

(2)

.

وقد بين ابن القيم رحمه الله أن أصل البدع في الدين ينشأ من أحد أمرين، إما جهل بتفاصيل سبيل المؤمنين، أو جهل بتفاصيل سبيل المجرمين، ومن هنا كان الصحابة أكمل الناس دينا وعلما، لأنهم عرفوا السبيلين معرفة تفصيلية، وبضدها تتبين الأشياء، ومن لم يعرف تفاصيل السبيلين يوشك أن يخلط بينهما

(3)

.

وهذه الآثار اشتملت على أمرين مهمين الأول: هو إنكار هذه الأفعال المبتدعة، والثاني: بيان أنها ليست من سبيل المؤمنين.

ولأهمية بيان سبيل المؤمنين، وسبيل أهل البدع، ذكره جماعة من علماء السلف في جملة معتقداتهم، كما علق الشيخ صالح الفوزان في شرحه للعقيدة

(1)

سورة النساء، الآية (115).

(2)

المجموع (7/ 38).

(3)

الفوائد (108)، ثم ذكر أقسام الناس في ذلك.

ص: 117

الواسطية بقوله: "لما ذكر الشيخ طريقة أهل السنة في مسائل العقيدة، ذكر في هذا الفصل والذي بعده

(1)

، طريقتهم في عموم الدين أصوله وفروعه، وأوصافهم التي تميزوا بها عن أهل البدع"

(2)

، ثم علق على ما ذكره شيخ الإسلام من أوصافهم وأخلاقهم فقال:"هذا الفصل كالمتمم للفصل الذي قبله فيه بيان لصفات أهل السنة التي هي من مكملات العقيدة"

(3)

.

بل الأمر تعدى إلى أبعد من هذا حيث أوردوا كثيرا من الفروع في معتقداتهم لأنها صارت شعارا لبعض أهل البدع، فعلا أو تركا، وذلك حرصا منهم أن لا يلتبس طريق الحق بغيره، قال شيخ الإسلام:"يوجد في كلام أئمة السنة من الكوفيين كسفيان الثوري، أنهم يذكرون من السنة المسح على الخفين، وترك الجهر بالبسملة، كما يذكرون تقديم أبي بكر وعمر ونحو ذلك لأن هذا من شعار الرافضة"

(4)

.

بل وجد في بعض كتب المعتقد مسائل اشتهر القول الراجح فيها وصار قول المخالف ظاهر الضعف كتحريم المسكر من غير العنب ونحو ذلك واللَّه أعلم

(5)

.

(1)

وهما آخر فصلين في العقيدة الواسطية.

(2)

شرح العقيدة الواسطية (210).

(3)

المصدر السابق (215)، وانظر شرح خليل هراس (179 - 182).

(4)

المجموع (22/ 423)، وانظر فروعا أخرى ذكرها في المنهاج (4/ 151) كما أنه رحمه الله بين أن ذلك ليس حجة في ترك السنة مطلقا وذكر من وافق بعض أهل البدع في قولهم في مسائل الفروع لأن السنة وردت بذلك، ولم يمنعه قولهم به أن يخالف السنة.

(5)

عقيدة السلف وأصحاب الحديث (297)، انظر المجموع (34/ 187).

ص: 118

ولا تكلم الإمام أبو سعيد الدارمي رحمه الله عن هدي السلف وآثارهم، وبيّن أنها المرجع في فهم الدين، ومعرفة أحكام الكتاب والسنة، ومراد اللَّه ورسوله، واضطراب الآراء والمعقول في ذلك، قال:"فالمعقول عندنا ما وافق هديهم، والمجهول عندنا ما خالفهم، ولا سبيل إلى معرفة هديهم وطريقتهم إلا هذه الآثار، وقد انسلختم منها، وانتفيتم منها بزعمكم، فأنى تهتدون؟ "

(1)

.

ومن هنا كان أفضل هذه الأمة هم الصحابة، وأفضلها بعدهم من سار على هديهم واتبع منهجهم، من أئمة الهدى وعلماء السنة، كما قال شيخ الإسلام:"كل من له لسان صدق من مشهور بعلم أو دين، معترف بأن خير هذه الأمة هم الصحابة، وأن المتبع لهم أفضل من غير المتبع لهم. . . ولا تجد إماما في العلم والدين كمالك والأوزاعي. . . وأمثالهم إلا وهم مصرحون بأن أفضل علمهم ما كانوا فيه مقتدين بعلم الصحابة، وأفضل عملهم ما كانوا فيه مقتدين بعمل الصحابة، وهم يرون أن الصحابة فوقهم في جميع أبواب الفضائل والمناقب، والذين اتبعوهم من أهل الآثار النبوية، وهم أهل الحديث والسنة العالمون بطريقهم المتبعون لها، وهم أهل العلم بالكتاب والسنة في كل عصر ومصر، فهؤلاء الذين هم أفضل الخلق من الأولين والآخرين"

(2)

.

(1)

الرد على الجهمية (127).

(2)

شرح العقيدة الأصفهانية (164).

ص: 119