الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"إن للشيطان مناصب وفخوخا، ومن مناصب الشيطان وفخوخه: البطر بأنعم اللَّه عز وجل، والفخر بعطاء اللَّه عز وجل، والكبرياء على عباد اللَّه عز وجل، واتباع الهوى في غير ذات اللَّه عز وجل"
(1)
.
التحليل والتعليق
تضمنت الآثار السابقة تحذير السلف من الأهواء؛ حيث تضمنت أن اتباع الأهواء يصد عن الحق، وأن من عصم منها فقد أفلح، وأنه من مصائد الشيطان وفخوخه؛ وتعوذ السلف من ذلك، ولا شك أن اتباع الهوى من أهم أسباب البدع، قال الشاطبي رحمه الله:"اتباع الهوى أصل الابتداع"
(2)
، و"الشريعة موضوعة لإخراج المكلف عن داعية هواه، حتى يكون عبدًا للَّه"
(3)
، ويلاحظ أنه من شدة خطورته تعوّذ عمر الفاروق رضي الله عنه من إدراكه أي أن يدركه أصحاب الأهواء المتبعة، فضلا أن يكون هو صاحب هوى متبع، وذلك لشدة خطورته وعظيم ضرره، قال ابن القيم
(1)
إسناده لين، ابن أيهم مقبول التقريب (7743)، إصلاح المال (308) رقم (345)، والبخاري في الأدب المفرد (194) رقم (553)، والتاريخ الكبير (8/ 321)، والفسوي في المعرفة والتاريخ (2/ 260)، والخرائطي في فضيلة الشكر رقم (69)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (62/ 124)، ويروى مرفوعا وضعفه الألباني في ضعيف الجامع رقم (1964) والضعيفة (2463)، وفي مصادر التخريج ما يفيد سقوط الهيثم بن مالك الطائي شيخ ابن أيهم من طبعة ابن أبي الدنيا.
(2)
الاعتصام (412).
(3)
الاعتصام (376)، وانظر تفصيلها في الموافقات (2/ 168).
رحمه اللَّه: "الفتنة نوعان: فتنة الشبهات، وهي أعظم الفتنتين، وفتنة الشهوات، وقد يجتمعان للعبد وقد ينفرد بإحداهما، ففتنة الشبهات من ضعف البصيرة، وقلة العلم، ولا سيما إذا اقترن بذلك فساد القصد وحصول الهوى فهنالك الفتنة العظمى والمصيبة الكبرى، فقل ما شئت في ضلال سيء القصد، الحاكم عليه الهوى لا الهدى، مع ضعف بصيرته، وقلة علمه بما بعث اللَّه به رسوله، فهو من الذين قال اللَّه تعالى فيهم:{إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ}
(1)
، وقد أخبر اللَّه سبحانه أن اتباع الهوى يضل عن سبيل اللَّه فقال:{يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)}
(2)
، وهذه الفتنة مآلها إلى الكفر والنفاق، وهي فتنة المنافقين، وفتنة أهل البدع على حسب مراتب بدعهم، فجميعهم إنما ابتدعوا من فتنة الشبهات التي اشتبه عليهم فيها الحق بالباطل، والهدى بالضلال، ولا ينجي من هذه الفتنة إلا تجريد اتباع الرسول، وتحكيمه في دق الدين وجله، ظاهره وباطنه، عقائده وأعماله، حقائقه وشرائعه"
(3)
.
ولما كان اتباع الهوى بريد البدعة والموصل إليها، كان ذلك صفة
(1)
سورة النجم، من الآية (23).
(2)
سورة ص، الآية (26).
(3)
إغاثة اللهفان (2/ 165).
ملازمة لأهلها، كما قال شيخ الإسلام:"المؤمنون أهل السنة. . . أعمالهم خالصة للَّه تعالى، موافقة للسنة، وأعمال مخالفيهم لا خالصة ولا صواب، بل بدعة، واتباع الهوى، ولهذا يسمون أهل البدع وأهل الأهواء"
(1)
.
وقد مثل شيخ الإسلام تأثير الهوى على اتباع الحق وصده عنه، بالآفات والعاهات الحسية التي تمنع البصر أو أي عضو من الإدراك فقال:"الإرادة الفاسدة هي: الهوى الذي يصد عن معرفة الحق، وهو مرض في القلب يمنعه ما فطر عليه من صحة الإدراك والحركة، كما يمنع مرض العين ما فطرت عليه من صحة الإدراك والحركة، وكذلك المرض في سائر الأعضاء، فهؤلاء الذين لا يجدون في أنفسهم علما ضروريا، وقصدا ضروريا لمن هو فوق العالم، قد مرضت قلوبهم وفسدت فطرتهم، ففسد إحساسهم الباطن كما يفسد الإحساس الظاهر، مثل المُرَّة التي تفسد الذوق، والحول والعشى الذي يفسد البصر وغير ذلك، ولهذا إنما يكون الاعتبار في هذا بذوي الفطر السليمة من الفساد والإحالة"
(2)
.
ولما كان اتباع الهوى هو الميل بالنفس لرغباتها، والانسياق وراء ما تميل إليه، ورد في السنة المطهرة الاستعاذة من شر النفس حيث أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق أن يقول في دعاء الصباح والمساء: "أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه، وأن أقترف على نفسي سوءا أو
(1)
الرد على البكري (2/ 491)، وانظر رسالة في الزهد (9).
(2)
بيان تلبيس الجهمية (2/ 470)، وانظر النبوات (168).
أجره إلى مسلم"، قال ابن القيم رحمه الله: "تضمن هذا الحديث الشريف الاستعاذة من الشر وأسبابه وغايته؛ فإن الشر كله إما أن يصدر من النفس أو من الشيطان، وغايته إما تعود على العامل، أو على أخيه المسلم، فتضمن الحديث مصدري الشر للذين يصدر عنهما، وغايتيه اللتين يصل إليهم"، وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في خطبة الحاجة أن يقول: "ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا"
(1)
.
(1)
انظر: رسالة خطبة الحاجة للشيخ الألباني رحمه الله.