الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحيوان بالحيوان- أي: من جنسه- كبيع البر بالبر، أما إذا كان من غير الجنس فإنه لا بأس بيعه به نسيئة، مثل: أن يبيع بقرة ببعير أو بقرة بثلاث شياه أو أربعة أو ما أشبه ذلك، قالوا: لأنه إذا كان لا يجري الربا في بيع الجنس بغير جنسه في الطعام ففي الحيوان من باب أولى؛ لأن الحيوان لا يكال ولا يوزن فليس فيه علة ربا النسيئة، وإذا قلنا بأن الحديث ليس بصحيح وأنه منقطع فإنه يجوز أن يباع الحيوان بالحيوان نسيئة، كما يجوز بيع الحيوان بالحيوان مقبوضاً غير مؤخر، وسيأتي -إن شاء الله- في حديث ابن عمرو أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشاً فنقدت الإبل، فكان يأخذ البعير بالبعيرين والبعيرين بالثلاثة، فإن هذا الحديث فيه التفاضل مع النسيئة.
من فوائد الحديث: إذا صح النهي عن بيع الحيوان بالحيوان بدون قبض، وجواز بيع الحيوان بالحيوان مع القبض، وظاهره أنه لا فرق بين أن يكونا متساويين كبعير ببعير أو أحدهما أكثر من الآخر كبعير ببعيرين.
بيع العينة:
805 -
وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم» . رواه أبو داود من رواية نافع عنه، وفي إسناده مقالٌ.
- ولأحمد: محوه من رواية عطاءٍ، ورجاله ثقاتٌ، وصححه ابن القطان.
"تبايعتم" يعني: أوقعتم عقود البيوع، وسمي هذا العقد مبايعة؛ لأن كل واحد من المتعاقدين يمد باعه إلى الآخر ليسلمه العوض، فالمشتري يمد باعه إلى البائع ليسلمه الثمن، والبائع يمد باعه إلى المشتري ليسلمه المثمن.
وقوله: "بالعينة"، العينة على وزن فعلة من العين، وهو الورق أو الذهب أو النقد عموماً، والمراد بالعينة: أن يبيع شيئاً بثمن مؤجل ثم يشتريه بأقل منه نقداً، سواء كان هذا الشيء ربوياً أو غير ربوي، مثال ذلك: باع عليه سيارة بعشرين ألفاً إلى مدة سنة ثم عاد فاشتراها منه نقداً بخمسة عشر ألفاً، فإن هذا بيع عينة، وسمي بذلك؛ لأن المشتري لم يرد السلعة وإنما أراد العين، أي: النقد لينتفع به، ودليل ذلك أنه اشتراها بثمن زائد مؤجل ثم باعها على من اشتراها منه، فكأنه لم يقصد هذه السلعة، وإنما قصد الثمن -الدراهم- فلهذا سمي بيع عينة، هذا بيع
محرم؛ لأنه رتبت عليه عقوبة، وإنما كان بيعاً محرماً؛ لأنه وسيلة إلى الربا بحيلة، والحيل لا تبيح المحرمات ولا تسقط الواجبات.
الوصف الثاني: "وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع"، وهاتان الجملتان متلازمتان؛ لأن قوله:"أخذتم أذناب البقر" يعني: للحرث عليها، فإن الحارث على البقرة يكون وراءها يسوقها فيأخذ بذنبها ويسوقها، "رضيتم بالزرع" يعني: زرع الأرض التي حرثتم بها على هذه البقر، "وتركتم الجهاد" يعني: لم تجاهدوا في سبيل الله لا بأموالكم ولا بأنفسكم ولا بألسنتكم، ركنتم إلى الخلود ولم تتحركوا لنصرة دين الله، والغالب أن هذا ملازم لهذا، يعني: أن الذي ينهمك في طلب الدنيا ويتحيل في الحصول عليها حتى بما حرم الله الغالب أنه يترك الجهاد، لأن قلبه اشتغل عنه.
قال إذا حصل هذه الأربع: "سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم" يعني: ضربكم بذل، والذل ضد العز، صرتم أذلة أمام الناس، حتى ترجعوا إلى إقامة الدين على الذي يرضاه الله عز وجل، لأن الإنسان لا يخرج بهذه الأوصاف عن الإسلام، لكنه يخرج عن كمال الإسلام.
هذا الحديث فيه الوعيد الشديد على من اتصف بهذه الصفات الأربع.
ففي هذا الحديث فوائد: الأولى: تحريم بيع العينة وهي كما ذكرت لكم أن يبيع شيئاً بثمن مؤجل ثم يشتريه بأقل منه نقداً، مثل أن يبيع سيارة بعشرين ألفاً ثم يشتريها من مشتريها بخمسة عشر ألفاً نقداً، هذا عينة، فإن اشتراها من غير مشتريها، يعني: بأن باعها الذي اشتراها منه ثم اشتراها الأول من المشتري الثاني، فإن هذا ليس من العينة؛ لأنه ليس فيه حيلة، إلا أن يكون هناك موافقة بأن يقول البائع الأول للمشتري: بعها على فلان فأشتريها منه، فإن الحيلة لا تنفع فإن باعها بعد أن تغيرت صفتها ثم اشتراها البائع بأقل مما باعها به بعد تغير الصفة فهل هذا جائز؟ ينظر في النقص إن كان في مقابل ما نقص من قيمتها التي باعها به فإن هذا لا بأس به مع أن الورع تركه لئلا ينفتح الباب، مثاله: باع عليه سيارة بعشرين ألفاً إلى سنة ثم حصل عليها حادث فنقصت قيمتها خمسة آلاف فاشتراها بخمسة عشر ألفاً فهل يجوز هذا؟ يجوز، لكن مع ذلك الأروع والأحوط تركه لئلا يكون ذلك زريعة إلى بيع العينة، فإن اشتراها بأقل من نقص السعر لا لفوات صفة فالظاهر أن ذلك لا يجوز، يعني: كانت تساوي عشرين ألفاً لكن نزل السعر فاشتراها بقدر ما نزل فقط، لا بالفرق بين النقد والمؤجل، فالظاهر أن ذلك لا يجوز وإن اختلف السعر؛ لأن ذلك حيلة، فإن اشتراها بمثل ما باعها به فهذا لا بأس به؛ لأنه من الجائز أن يبيعها علي بعشرين ألفاً إلى ستة وهي تساوي خمسة عشر ألفاً، ثم
ترتفع الأسعار فتكون تساوي عشرين ألفاً نقداً، فاشتراها بعشرين ألفاً يعني: بمثل ما باعها به فإن هذا لا بأس به، فصارت مسائل العينة لها عدة صور منها الجائز ومنها الممنوعة، الممنوعة أن يبيعها بثمن مؤجل ثم يشتريها بأقل منه، لنقص السعر هذه لا تجوز أن يبيعها بثمن مؤجل ثم يشتريها بأقل منه ويكون النقص بمقدار ما نقص من صفتها لحدوث عيب فيها أو هزال في حيوان فهذه جائزة، ولكن الأولى تركها، الرابعة: أن يشتريها بمثل ما باعها به فهذا جائز؛ لأنه ليس فيه محظور، الخامسة: أن يشتريها بأكثر مما باعها به فهذا جائز من باب أولى؛ لأنه ليس في ذلك محظور.
ومن فوائد الحديث: التحذير من التشاغل ببيع العينة لقوله: "إذا تبايعتم بالعينة".
وهل هذا التحذير على سبيل التحريم أو على سبيل الإرشاد؟ نقول هو على سبيل التحريم، من أين أخذنا ذلك؟ أخذناه من أنه حيلة واضحة قريبة من الربا؛ لأنني إذا بعت عليك هذه السيارة بعشرين ألفاً إلى سنة ثم رجعت فأخذتها بخمسة عشر ألفاً نقداً كأنما أعطيتك خمسة عشر ألفاً نقداً بعشرين ألفاً على سنة، وهذا حيلة؛ ولهذا قال ابن عباس:"إنها دراهم بدراهم دخلت بينهما حريرة" يعني: خرقة، وكأنه سئل عن ثوب من الحرير مؤجل ويشتري بكذا نقداً.
ومن فوائد الحديث: أنه لو اشتراها البائع الأول من غير المشتري فلا حرج، مثل أن يبيعها زيد على عمرو ثم يبيعها عمرو على بكر فيشتريها زيد من بكر فهذا لا بأس به؛ لأن الحيلة فيها بعيدة، وقد تعرضنا في الشرح فيما لو اختلفت السلعة أو اختلفت القيمة فهل هذا مؤثر؟ ذكرنا خمس صور.
ومن فوائد الحديث: التحذير من التشاغل بالزرع عن الجهاد لقوله: "وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع".
ومن فوائد الحديث: أن الجهاد واجب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من التشاغل بغيره عنه بأن الله يصيب الأمة بذل لا ينزعه حتى يرجعوا إلى دينهم.
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للمسلمين ألا ينهمكوا في طلب الدنيا؛ لأنها تشغلهم عن الآخرة، وفتح باب الانهماك في الدنيا لا شك أنه ينسي الإنسان ذكر الله عز وجل، ونحن الآن في عصر انهمكت الناس فيه في طلب الدنيا، فكثر التحيل عليها بالربا وبالميسر وبالأسهم، ولهذا ما أكثر الذين يسألون اليوم عن المساهمات والمضاربات التي لا تحل؛ لأنهم اشتغلوا رأوا مكاسب كثيرة بعمل يسير وزمن قريب، فانهمكوا في الدنيا حتى صار الناس كأنهم ماديون لا شك أن هذا فيه خطر عظيم على المسلمين؛ لأن القلب وعاء إذا امتلأ بشيء لم