الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى الزوج الأول ثم طلقها فلا تحل له مع أن الطلقة التي وقعت واحدة لكنها مبنية على ما سبق. إذن إذا طلقت ثلاثا ثم تزوجت بآخر ثم عادت إلى الأول تعود إليه على طلاق ثلاث، إن طلقت أقل من ثلاث ثم تزوجت ثم عادت للأول فتعود على ما بقى من الطلاق، هذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد وهو الصحيح. فإذا قال قائل: كيف يهدم الزوج الثاني ثلاث طلقات ولا يهدم الطلقتين مثلا؟ قلنا: نعم، لأن نكاح الزوج الثاني فيما إذا طلقت ثلاثا صار له تأثير في الحل للزوج الأول، أما نكاحها للزوج الثاني بعد الطلقتين أو بعد الواحدة فليس له أثر، لا يفيد شيئاً؛ لأن الزوج الأول غير محتاج إليه الآن، فلما لم يكن مؤثرا شيئا بقى الطلاق السابق على ما كان عليه، ولعموم قوله: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ
…
} ثم قال: {فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]. فمذهب أحمد هو الصحيح. وقوله: «في الباب عن علي» إذا أطلق «علي» فالمراد به: علي بن أبي طالب، وإذا قيل: عن ابن مسعود فهو عبد الله، وإذا قيل: عن ابن عباس فهو عبد الله، وإذا قيل: عن ابن عمر فهو عبد الله.
نكاح الزاني والزانية:
956 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله» . رواه أحمد، وأبو داود، ورجالة ثقات. قوله:«لا ينكح» اختلف المفسرون لهذا الحديث وللآية الكريمة في قوله تعالى: {الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً} [النور: 3].ما المراد بقوله: «لا ينكح» ؟ قيل: المراد به: الوطء، يعني: لا يزني الزاني إلا بزانية، الزاني لا ينكح إلا زانية، يعني: الزاني لا يزني إلا بزانية، فجعلوا النكاح بمعنى: الجماع، والجماع بالزنا زنا، ولكن هذا القول ضعيف جدا جدا، لأنه لا يمكن أن يطلق الله النكاح الشرعي الذي ثبت به أحكام عظيمة كثيرة من حل وتحريم ونفقات وإرث لا يمكن أن يطلق هذا النكاح وهو العقد العظيم الذي لا نظير له في العقود على الزنا وهو إن أطلق على الجماع فيمن أضيف إلى زوجته فإنه لا يطلق على الجماع بحال من الأحوال، يعني مثلا: إذا قلنا: نكح الرجل امرأته، أي: جامعها، هذا معقول، لكن نكح الرجل امرأة أجنبية سنة هذا لا يمكن أبدا لهذا نقول: هذا القول ضعيف جدا وهو في نفس الوقت غير مستقيم، لأنه ما معنى لا يزني الزاني إلا بزانية؟ إن أراد إلا بزانية أي: بامرأة، يعني: تمارس الزنا فهذا لا يصدق قضيته، غير صحيح؛ لأن الزاني قد يزني بامرأة بكراً ما تريد الزنا إطلاقا، وإن أراد بالزانية امرأة معروفة
بالزنا وتمارس الزنا، فكأنه يقول: الزاني لا يزني إلا بزانية، فأي فائدة في هذا؟ هذا كما يقال:«الأرض تحتنا والسماء فوقنا، والآكل للخبز آكل للخبز» هذا ليس فيه فائدة، ولهذا كان القول الصحيح: أن معنى الحديث ومعنى الآية: {الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} [النور: 3]. {لا يَنكِحُ} لا يتزوج إلا زانية، لا يتزوج إلا زانية أو مشركة كيف ذلك؟ نقول: الزاني لا ينكح إلا زانية، إذا كان نكاح الزاني لامرأة عفيفة حراماً فهذه المرأة العفيفة إذا تزوجها الزاني فإما أن تكون عالمة بالتحريم المستفاد من قوله تعالى:{وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} ولكنها رفضت التحريم وقالت: ليس بحرام ولم ترض به حكماً وحينئذ تكون مشركة؛ لأنها تعتقد أن هذا الرجل جامعها بعقد حلال؛ حيث إنها لم تقتنع بالتحريم، والذي لا يقتنع بحكم الله كافر مشرك، وإما أن توافق على الزواج به وهي تعترف أنه حرام ولكنها لا تبالي بالحرام فتعتقد أنه جامعها جماعاً محرماً بغير عقد صحيح وحينئذ تكون زانية، حمل الآية على هذا المعنى لا يحتاج إلى تكلف ولا يحتاج إلى تأويل مستكره واضح جداً، فنقول: إذا تزوج زان بعفيفة فإما أن تكون راضية بحكم الله بالتحريم فتكون زانية؛ لأنها تعتقد أن هذا النكاح غير صحيح محرم فيكون وطاها بغير نكاح وهذا هو الزنا، وإما أن ترفض الحكم ولا تعترف به وحينئذ تكون مشركة، لأنها رفضت حكم الله واختارت حكماً ترضاه هي فجعلت نفسها شريكة مع الله في الحكم والتشريع وهذا الذي ذهب إليه ابن القيم، وأظن أنه سبقه شيخه ابن تيمية رحمة الله وهو قول ظاهر جداً. أما حكم المسألة فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم:«لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله» المجلود في الزنا، وإنما قال:«المجلود» من أجل تحقق الزنا، يعني: الذي ثبت زناه فجلد، «لا ينكح إلا مثله» أي: إلا زانية، ووجهه كما قلنا: إنها عالمة بتحريم النكاح ولكنها مرتكبة للمحرم فتكون زانية مثل هذا الزاني، فعلى هذا يكون الحديث دالا على أنه لا يجوز أن يزوج الزاني حتى يتوب من الزنا، فإن طرأ عليه في النكاح، يعني: كان عفيفا وزوجناه ثم انحرف وصار يزني يذهب إلى البلاد الأجنبية ويزني فهل ينفسخ نكاحه؟ لا، لماذا؟ لأن الاستدامة أقوى من الابتداء. فعلى هذا نقول: الزاني لا يزوج حتى يتوب، ولو زنى بعد الزواج فإن النكاح لا ينفسخ:{وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} [النور: 3]. نقول في قوله تعالى: {إِلاّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} كما قلنا في قوله: {إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} فهذا الذي تزوجها إما أن يكون راضيا بحكم الله وهو يعتقد بأنه مرتكب للحرام فيكون زانيا أو يكون غير راض بحكم الله ويرى أنه لا بأس أن يتزوج الزانية
وحينئذ يكون مشركاً، فلو تزوج بزانية قبل أن تتوب فالنكاح باطل غير صحيح يجب أن يفرق بينهما، فإن تابت قبل أن يعقد عليها النكاح صح أن يعقد عليها النكاح، لأنها إذا تابت ارتفع عنها وصف الزنا وصارت الآن عفيفة، لأن العفة تتجدد كما أن الزنا يتجدد، لكن ما علامة توبتها؟ يقول بعض العلماء: علامة توبتها أن تراود فتمتنع؛ يعني: يذهب لها رجل يقول لها: مكنيني من نفسك، فإذا أبت كان دليلا على توبتها، ولكن هذا القول ضعيف جداً، لأن المراودة لا تدل على التوبة، لأن الذي راودها إما أن يكون معروفا بالعفة والصلاح فإنها ستمتنع وإن كانت ترغب، وإن كان رجلاً فاسقاً فهو على خطر عظيم، ما هو؟ أن يفعل الزنا بها، ولهذا نقول: سلوك هذه الطريقة في استطلاع توبتها خطأ جداً، إذن كيف نعلم أنها تابت؟ نعلم أنها تابت بمن يتصل بها من النساء أو بحيث تأتى أهل العلم وتسألهم تقول: إنها أذنبت ذنبا عظيما تعينه أو تكبره عند المسئول وتقول: أنها تابت فهل لها من توبة؟ المهم أن التوبة لها علامات. خلاصة هذا الحديث: «لا ينكح الزاني المجلود» هل يمكن أن يحول الحديث إلى العموم، أي: لا ينكح الزاني المجلود، ونجعل الزاني وصفاً يشمل المرأة والرجل؟ يمكن، وعلى هذا يكون الحديث مطابقا للآية والآية، مفصلة:{الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 3]. والعجيب أن جمهور العلماء على حل تزوج الزاني بالعفيفة والعفيف بالزانية وهذا من الغرائب، وجه كونه غريباً: أن الله قال: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} نصاً في التحريم، لكن هم ذهبوا إلى ما ذهبوا إليه بناء على معنى قوله:{الزَّانِي لَا يَنكِحُ} أي: لا يطأ {إِلَّا زَانِيَةً} وقلنا: إنه ضعيف، إذن لو أن خاطبا خطب وهو متهم بالزنا هل نعطيه؟ لا؛ لأن المتهم لا يرضى دينه بل ولا خلقه؛ لأن من المعاصي ما يهدم الدين والخلق، ومن المعاصي ما يهدم الدين فقط، فالزنا -والعياذ بالله- يهدم الدين ويهدم الخلق، ولهذا يضرب بالزاني المثل في خلقه وسفالته. يؤخذ من هذا الحديث من الفوائد: تحريم إنكاح الزاني بعفيفة ما لم يتب، ما الدليل على أنه إذا تاب جاز تزويجه؟ الوصف؛ لأنه إذا تاب زال عنه وصف الزنا. ومن فوائد الحديث: حماية الشريعة للأخلاق، لأن الزاني -والعياذ بالله- لا يبالي أن تزني امرأته؛ لأنه هو يزني بنساء الناس، والواقع في الذنب لا ينكره على غيره. ومن فوائد الحديث: أنه يجوز -بل يجب- منع تزويج الزاني ولو كان مستقيم الدين في غير الزنا، قد يكون رجل يصلي ويتصدق ويصوم ويحج ويعتمر لكنه مبتلي -نسأل الله العافية- بمسألة الزنا، فهل نزوج هذا الرجل ونقول: هذا دينه جيد ولعله يتوب من الزنا؟ لا يجوز أبدا،
وأشر من ذلك إذا كان لا يصلي؛ بعض الناس يقول: نزوجه لعل الله يهديه، فيزوجوه فتاة دينة طيبة فينكد عليها حياتها بحجة أنه ربما يهديه الله، نحن نقول: ربما يهديه الله، وربما يفسد المرأة، ولهذا يجب علينا إذا استشرنا في أمثال هؤلاء أن نبين النصيحة ولو كان أقرب الناس إلينا:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [النساء: 135].
957 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «طلق رجل امرأته ثلاثا، فتزوجها رجل، ثم طلقها قبل أن يدخل بها، فأراد زوجها أن يتزوجها، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: لا، حتى يذوق الآخر من عسيلتها ما ذاق الأول» . متفق عليه، واللفظ لمسلم. قوله:«طلق امرأته» يعني: مرة، ثم مرة، ثم مرة، وليس المراد: أنه قال: أنت طالق ثلاثا، لأن أنت طالق ثلاثا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لا تعد إلا واحدة، كل ما جاءكم «بت طلاقا» أو «طلقها ثلاثا» فالمراد: واحدة بعد الأخرى، ولهذا في هذا الحديث ألفاظ متعددة طلقها آخر ثلاث تطليقات. وقوله:«قبل أن يدخل بها» أي: قبل أن يجامعها، «فسأل
…
» إلخ، هذا سبقت الإشارة إليه، وأن الزوج الثاني لا بد أن يجامع، فإن عقد عليها وخلا بها دون أن يجامعها ثم طلقها فإنها لا تحل للأول. وقوله:«من عُسيلتها» ، هل العُسيلة هي الإنزال أو مجرد الجماع؟ الجواب الصحيح: أنها مجرد الجماع، وأنها تحل للأول وإن لم يحصل إنزال، لأن الجماع نفسه كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:«عُسيلة» ، ولكم مع الإنزال لاشك أنه أتم. وعلى هذا فنقول: إنه لا تحل للزوج الأول حتى يجامعها الزوج الثاني، فإن طلقها قبل أن يجامعها ولو كان قد خلا بها أو قبلها أو ضمها فإنها لا تحل للزوج الأول لابد من جماع. بقي علينا مسألة: هل العبرة بنية الزوجة أو بنية الزوج أو بنية الولي؟ قال الفقهاء: «من لا فرقة بيده لا أثر لنيته» . وعلى هذا فالمرجع لنية الزوج، لأنه هو الذي بيده الفرقة هي لو نوت أنه إذا حللها للزوج الأول عادت للأول ليس بيدها لو قالت الزوجة: طلقني، قال: لا، فالعبرة بنية الزوج، وقال بعض العلماء: بل بنيتها أو بنية الزوج، أما كون العبرة بنية الزوج فالأمر ظاهر؛ لأنه هو الذي بيده عقدة النكاح، وأما كون نيتها معتبرة؛ فلأنها قد تسعى إلى أن يفارقها الزوج بأي حيلة، ماذا تصنع؟ تنكد عليه إذا قال: سوي الشاي سوت حليباً أو بالعكس، أو تقول: لا
أسوي كلما أمرها تقول: لا، كذلك عند الفراش تتعبه هذا أيضا ربما يضطر الزوج إلى أن يطلقها، أحيانا بعض النساء تتحدى زوجها تقول له: أنت رجل؟ قال: نعم، أنا أكثر رجولية منك، تقول: إن كنت رجلاً فطلقني، تأخذه الحمية الآن ربما يطلقها، كذلك أيضا ربما يكون الرجل عنده حاجة مدين أو غير ذلك تقول: أنا أعطيك أكثر مما أعطيتني وطلقني، على كل حال: هذا القول وجيه جداً إذا علمنا أن هذه الزوجة نيتها سيئة وأنها نكدت على الزوج حتى طلقها لتعود للأول ينبغي أن نمنعها منه؛ لأنها أرادت الزوج الأول على وجه محرم؛ لأنه لا يحل لها أن تعصي زوجها أو تنكره لحقوقه فتعاقب بالحرمان، ونقول: الآن لا تحل لزوجها، الآن ربما تبكي على الزوج الثاني، لو أن القاضي صار جيداً وقال: عرفنا من تصرفك أنك تريدين الأول وتريدين التحليل فالآن لا تحلي للأول، فيما أعتقد أنها سوف تبكي على الثاني وتحاول الرجوع إليه ربما إذا جاءت الثاني قال لها:«الصيف ضيعت اللبن» . وحينئذ تبقى معلقة. على كل حال: الأصل أن النية نية الزوج، ولكن القول بأنه يرجع إلى نية الزوجة قول قوي جداً، قلنا: إن الطلاق كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم الثلاث واحدة وظل كذلك في عهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر فقال: «إني أرى الناس قد تتايعوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم» ، ما معنى «كانت لهم فيه أناه؟ » يعني: كان فيه سعة يطلقون مرة واحدة، هل أنت إذا طلقت مرة واحدة تلتزم بالرجوع إلى زوجتك؟ لا، فبعض الناس عنده جهل يقول: أطلقها ثلاثا من أجل ألا أراجعها، نقول له: أنت إذا طلقت واحدة فإنك لا تلزم بمراجعتها دعها حتى تنقضي العدة وإن شئت راجعها، فهو رضي الله عنه قال:«فلو أمضيناه عليهم» فأمضاه عليهم وهذا صحيح، أي: أثر صحيح، وهو صريح في أن إمضاء الثلاث كان من اجتهادات عمر. الحديث في مسلم. قال بعض العلماء: فأخذ العلماء به فكان إجماعا، أي: من العلماء من قال: إن الطلاق الثلاث يكون ثلاثا تبين به المرأة، وقال بعض العلماء: بل الإجماع على عكس ذلك، لأن حديث ابن عباس وهو في مسلم أيضا يقول: كان الطلاق الثلاث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فعندنا ثلاثة عهود: عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وعهد أبي بكر، وسنتين من خلافة عمر، قالوا: فلو أننا نتساهل في نقل الإجماع لكان الإجماع على ماذا؟ على أن الثلاث واحدة وهذا حق، ولهذا كان الراجح من أقوال أهل العلم: أن طلاق