الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم الوكالة وشروطها:
846 -
وعن غزوة البارقي رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معه بدينار يشتري له أضحية» الحديث. رواه البخاري في أثناء حديث، وقد تقدم.
ذكر المؤلف هذا الحديث للاستدلال على جواز الوكالة، فقد وكل النبي صلى الله عليه وسلم عروة البارقي رضي الله عنه أن يشتري له شاة أضحية بدينار، فاشترى بالدينار أضحيتين ثم باع إحداهما بدينار، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأضحية ودينار، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة في البيع، فكان لا يبيع شيئا إلا ربح فيه حتى التراب ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له.
ففي هذا الحديث دليل على جواز التوكيل في الشراء؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وكل عروة أن يشتري له أضحية بدينار.
ومن فوائده: أن لا يشترط في الوكالة أن يعين الموكل مقدار الثمن فيما إذا وكله في شراء فيقول مثلا: اشتر لي كذا وكذا بدون أن يقدر الثمن، وذلك لأن هذا الوكيل محل ائتمان عند الموكل، وإذا كان محل ائتمان فإنه لن يشتري له إلا بمثل الثمن ولا يمكن أن يشتري بأكثر، ولكن إن خاف الموكل أن يكون الثمن مرتفعا ارتفاعاً لا يخطر له على بال كما لو كانت الأسعار مضطربة ترتفع أحياناً وتنخفض أحياناً، فحينئذ ينبغي أن يقيد له الحد الأعلى، فيقول مثلا: أنت وكيل أن تشتري لي كذا بشرط ألا يتجاوز كذا وكذا، ومثاله يقول: وكلتك أن تشتري شاة أضحي بها بشرط ألا تتجاوز خمسمائة ريال، أما إذا كانت الأسعار ثابتة فإنه لا حاجة إلى تقدير الثمن، كذلك لو وكله أن يبيع له، قال: خذ هذا الثوب فبعه فإنه لا يشترط أن يبين له مقدار الثمن الذي يبيع له، لماذا؟ لأنه قد ائتمنه وإذا كان قد ائتمنه فلا يمكن أن يبيع بأقل من ثمن المثل، ولكن لو خاف أن يبيعه بنقص فحينئذ يحدد الحد الأدني فيقول: بعه على ألا ينقص الثمن عن كذا وكذا حتى لا يقع في مشكلة فيما بعد، لأني قد أوكله أن يبيع لي هذا الثوب وكنت أقدر أن يبيعه بعشرة ثم يأتيني بخمسة، وهذا مشكلة وقد يتهمه الوكيل، فإذا خفت من أن ينقص عما في ضميرك فينبغي أن تحدد الثمن.
وفي الحديث دليل على مشروعية الأضحية؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وكله أن يشتري له أضحية، والأمر كذلك، وقد ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة من حين قدم، ولم يتخلف عن الأضحية إلا في حجة الوداع، لأنه لما حج أهدى ولم يضح، ولهذا لا يشرع للحاج أن يضحي اكتفاء بالهدي.
ومن فوائد بقية الحديث الذي لم يذكره المؤلف هنا: أنه يجوز للوكيل أن يتصرف فيما هو أحظ للموكل وإن لم يستأذن منه، لكن بشرك أن يحافظ على ما وكل فيه، دليله: أن عروة اشترى بالدينار شاتين ثم باع إحداهما بدينار ورجع بشاة ودينار، وهذا ما يسمى عند أهل العلم بتصرف الفضولي، هل هو جائز ونافذ؟ والصحيح أنه جائز نافذ إذا أجازه من تصرف له فيه، أما إذا لم يجزه فإنه يرد ووجه ذلك: أنه إذا أجازه فإنه حق آدمي رضي به فأجيز، أما إذا لم يجزه فإن الممتصرف تصرف فيما ليس له فيه حق، مثال ذلك: لنفرض أني أعلم أنك سوف تبيع سيارتك فجاء شخص وقال: من له هذه السيارة فبعتها عليه بدون أن أستأذن منك وبدون أن توكلني، ثم بعد ذلك أخبرتك بأنني بعتها، فقلت: لا بأس أنا قد أجزتك، فهل يصح بيعي؟ الصحيح أنه يصح، وذلك لأن الأصل في منعي من التصرف في هذه السيارة مراعاة حقك فإذا رضيت بذلك زال المانع، وهذا عروة البارقي رضي الله عنه لم يأذن له الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبيع الشاة الثانية، لكنه رضي الله عنه لما علم أن المقصود الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يريده حاصل إذا باع الشاة الثانية، قال: إذن أتصرف لأنها في مصلحة الموكل، أما لو تصرف على وجه لا يحصل به مقصود الموكل فإن ذلك لا يصح، مثل أني قول: خذ اشتر لي سبع ضحايا فيجد بقرة تباع فقال: أشتريها بدلاً عن السبع، فإن هذا لا يصح، لأن مقصود الموكل يفوت، فإن الأضحية بالغنم أفضل من الأضحية بالبقرة.
على كل حال: هذا الحديث يدل على جواز تصرف الفضولي بشرط أن يجيزه ويمضيه، ولكن لو كان هذا التصرف يحتاج إلى نية مثل أن يؤدي عنه زكاة شخص يعرف أن هذا الرجل الغني عنده زكاة فمر به فقير يعرف حاله تماماً فأعطاه دراهم ينويها زكاة عن التاجر، والتاجر لم يوكله فهل يجوز ذلك؟ في هذا خلاف، فمن العلماء من قال: لا يجوز، ومنهم من قال: إنه جائز، واستدل من قال بالجواز بفعل أبي هريرة رضي الله عنه؛ حيث جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقة الفطر، فجاءه ذات ليلة رجل هو الشيطان على صورة رجل وأخذ من التمر فأمسكه أبو هريرة، وقال لأخبرن عنك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فادعى هذا الرجل أنه فقير وذو عيال، فرق له أبو هريرة وأطلقه، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له:«ما فعل أسيرك البارحة» قال: يا رسول الله ادعى أنه ذو حاجة وعيال فأطلقته وقال: إنه لن يعود، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «كذبت وسيعود» معنى «كذبك» يعني: كذب عليك، يعني: سيعود- فلما كانت الليلة الثانية ترقبته وعلمت أنه سيعود؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنه سيعود، فجاء هذا فأخذ من التمر فأمسكه أبو هريرة وقال: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا تفعل، وادعى أنه ذو حاجة وعيال فرق له أبو هريرة