الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معه الطيش والعلو؛ لأن النار بطبيعتها تطلب العلو ولكنه علو غير منظم لسان خارج من هنا ولسان خارج من هنا
…
إلخ. ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للرجل أن يصبر على عوج المرأة، لقوله صلى الله عليه وسلم:«إن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيراً» وهذا حث من الرسول صلى الله عليه وسلم على أن نستمتع بها على عوجها: إذا غضبت أرضيها، وإذا لقتني بوجه عابس ألاقيها بوجه منبسط؛ لأنك لو قابلتها بمثل ما تعاملك به طال الشجار والنزاع والسب والشتم، وربما يطلق ولا يجد من يفتيه بأن طلاقه لا يقع، حينئذ تكون المشاكل، والإنسان العاقل يستطيع أن يرضي المرأة؛ لأن المرأة ترضى بكل كلمة، ولاسيما من الزوج ترضيها وكل كلمة تغضبها، وينبغي مثلا بعض النساء يكون عندها غيرة عظيمة حتى إذا رأته يكرم أمه جعلت الأم بمنزلة الضرة وصارت تكره الأم وتسبها عنده حتى لو كان له أصحاب من الرجال قامت تتكلم في الرجال هذا فيه وهذا فيه وهو من أطهر الناس، لكن الغيرة، فمثل هذه كيف أعاملها؟ أعاملها على قدر عقلها وأطمئنها وأذكر هذا الشيء وأقول: لا ينبغي أن تضعي نفسك في هذا الموضع تتعبين، فيستمتع بها على عوج. ومن فوائد الحديث: شدة الطلاق على المرأة لقوله صلى الله عليه وسلم: «كسرها طلاقها» وصدق النبي صلى الله عليه وسلم فإن طلاق المرأة لا شك كسر لها، وينبغي لنا في هذا الجانب أن نطالع هدي النبي صلى الله عليه وسلم في معاملته لأهله وزوجاته كيف يرضي الجميع، كيف كان يسابق عائشة على الأقدام، وكان يسترها حتى تنظر الحبشة وهو يلعبون في المسجد، فينبغي لطالب العلم أن يجمع مثل هذه الأشياء حتى يبرزها للناس؛ لأن من الناس من يجعل المرأة بمنزلة الخادم يهينها ويتعبها وربما يخدش كرامتها بسب أبيها وأمها، كل هذا موجود عند الناس وهو خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً.
نهي المسافر عن طروق أهله ليلاً:
974 -
وعن جابر رضي الله عنه قال: «كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة، فلما قدمنا المدينة، ذهبنا لندخل. فقال: أمهلوا حتى تدخلوا ليلاً -يعني: عشاء- لكي تمتشط الشعثة، وتستحد المغيبة» . متفق عليه.
-وفي رواية البخاري: «فإذا أطال أحدكم الغيبة، فلا يطرق أهله ليلاً» . قال: «في غزوة» ولم يعين الغزوة، وعدم تعيينها لا يضر، لأن المقصود الحكم، وهذا يقع كثيراً في الأحاديث يقول:«قال رجل» ، «كنا في غزوة» ، «كنا في سفر» ، والغالب أن تعيين هذا
المبهم لا يحتاج إليه؛ لأن المقصود الحكم، ربما يحتاج إليه ليعرف هل هذا ناسخ أو لا؟ لكنه ليس ضرورياً في أكثر الأشياء. يقول:«فلما قدمنا المدينة ذهبنا لندخل» ، «قدمنا» أي: قاربنا بدليل قوله: «ذهبنا لندخل» ؛ وذلك لأنه لا يتحقق القدوم إلا بالدخول، فلما قال:«ذهبنا لندخل» علمنا أن المراد يقوله «قدمنا» أي: قاربنا، وقد سبق لنا مراراً أن اللغة العربية يطلق فيها الفعل على إرادته أو على قربه، وهذا من سعة اللغة، فقال «أمهلوا» أي: انتظروا وأعطوا أهلكم مهلة، «حتى تدخلوا ليلاً» يعني: عشاء، يعني: ليس ليلاً في آخر الليل أو في وسط الليل، بل في أول الليل، لأن العشاء يكون في أول الليل عند مغيب الشفق الأحمر، ثم علل قال:«لكي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة» ، الشعثة: التي صار رأسها أشعث، لأن المرأة إذا لم يكن عندها زوج لا تهتم بنفسها ولا تتجمل، اللهم إلا ذهبت إلى زيارة أحد من الناس، فإذا كان الزوج عندها وكانت تحبه فإنها لاشك سوف تتجمل له في شعرها وثيابها أو غير ذلك، وإن كانت لا تحبه فالأمر بالعكس إذا كان رأسها ممشوطاً وأحست بقدومه شعثته، إذا كان ثياب لا بأس بها غيرتها، على كل حال: الغالب -الحمد لله- على النساء أنهن يرغبن في أزواجهن وإذا أحست أنه سيقدم فإنها تمتشط، والاستحداد معناه: إزالة ما ينبغي إزالته من الشعر كالإبط والعانة ويلحق بذلك الأظفار وشبهها، المهم: أنها تزيل ما ينبغي إزالته من الشعور، كل ذلك من باب التجمل لزوجها والتنظف له. وفي رواية للبخاري:«إذا أطال أحدكم الغيبة» وهذا تصريح بما يفهم من الحديث الأول عن طريق اللزوم، لأن قوله:«لكي تمتشط الشعثة» يدل على أن الغيبة طويلة أدت إلى شعث المرأة، وكذلك «تستحد المغيبة» يدل على طول الغيبة، ولكن لا شك أن ما دل باللفظ أدل مما دل على سبيل اللزوم، فيكون تصريح البخاري بهذه الرواية تصريح بما يفهم من طريق اللزوم من اللفظ الأول، قال:«فلا يطرق أهله ليلاً» ، الطارق هو الآتي ليلاً، ومنه قوله تعالى:{وَالسَّمَاء وَالطَّارِقِ} [الطارق: 1]. النجم الذي يظهر في الليل، فالآتي ليلاً هو الطارق، ومعنى «يطرق أهله ليلاً» كلمة «ليلاً» من باب التوكيد؛ لأن الطرق هو الإتيان ليلاً، وربما يطلق الطرق على مطلق الإتيان، وعلى هذا فيكون قوله:«ليلاً» من باب التأسيس وليس من باب التوكيد، لأننا إذا جعلناه من باب التوكيد صار يعني أنه يمكن الاستغناء عنه، وإذا جعلناه من باب التأسيس فإنه لا يستغني عنه، وإذا فرضنا أنه لا يكون الطرق إلا ليلاً: نقول إن ذكر التوكيد هنا لإزالة الاحتمال، وما هو الاحتمال؟ احتمال أن يكون الطرق هو الإتيان نهارا. يستفاد من هذا الحديث: أن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم مشاركته في الغزوات هو نفسه يشارك في الغزوات لقوله: «كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة» ، وقد شارك صلى الله عليه وسلم في تسع وعشرين غزاة قاتل فيها صلى الله عليه وسلم.
ومن فوائد الحديث: حسن رعاية النبي صلى الله عليه وسلم لأمته بحيث بلغت إلى هذا الحد إلى أن يعلمهم كيف يدخلون على أهليهم. ومن فوائد الحديث: أن من هدي الصحابة أن المرأة تتجمل لزوجها بإزالة الشعث والتنظيف؛ لقوله: «لكي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة» . ومن فوائد الحديث: جواز كون الإنسان أشعث؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ذلك مقرراً له، وإلا لكان ينهى عن هذا ولكنه وإن كان جائزاً فالأولى للإنسان ألا يكون كذلك إذا رآه إنسان نفر منه، لأن بعض الناس مثلا يتخذ الشعر ولكنه باتخاذه الشعر يجعل الشعر أشعث أغبر إذا رأيته ربما تهرب منه وهذا لا ينبغي، كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخذ الشعر ولكنه يرجله حتى إنه يروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من كان له شعر فليكرمه» ، وهذا خلاف ما يرويه العامة من قولهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أكرموا اللحى وأهينوا الشوارب» ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل هكذا، ولهذا قال بعض الفسقة: أكرموا اللحى، فنقول: سمعاً وطاعة نكرمها بحلقها؛ لأن بقاء الشعر عليها يلوثها فتطهيرها أحسن هذا إكرام. أقول: إن الباطل قد يبني عليه باطل، هم لما قالوا هذا الكلام قالوا: إذا كان الرسول قال: هكذا فسمعاً وطاعة، وهذا إكرام اللحى، ولكن نقول: هذا الحديث باطل ولا يجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وغاية ما روي أنه قال:«من كان له شعر فليكرمه» ، يعني: بالترجيل والتنظيف حتى لا يبقى الشعر مغبر يكون سبباً لتولد الهوام، فالحاصل: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقر هذه الحال لكنها مع ذلك [لا تترك] فإن الله جميل يحب الجمال؛ فكون الإنسان يترك نفسه هكذا هذا أمر غير مقبول. ومن فوائد الحديث: مراعاة حال الأهل ألا يأتيهم الإنسان على غرة ويكونون على حال يتقزز منه، بل الذي ينبغي للإنسان أن يأتي أهله وهم في هيئة توجب المودة والمحبة وانظر إلى حكمة الشارع كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر أهله إذا أراد مباشرة الحائض يأمرهم أن يتزروا؛ لماذا؟ لئلا يرى منها ما يكره من آثار الدم فكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر عائشة فتتزر فيباشرها وهي حائض لئلا يرى منها ما تكره النفس فينطبع في نفسه التقزز منها. ومن فوائد الحديث: أن الإنسان ينبغي له إذا أطال الغيبة ألا يطرق أهله ليلاً ما لم يتقدم خبر منه لهم، فإن تقدم خبر منه لهم فلا بأس، يعني: مثلاً لو قال: سأقدم البلد في الرحلة التي تأتي في