الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شروط النكاح:
950 -
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج» . متفق عليه.
«أحق» اسم تفضيل منصوب على أنه اسم «إن» ، و «ما استحللتم» خبر إن، و «ما» هنا في قوله:«ما استحللتم به» ، اسم موصول؛ أي: الذي استحللتم به الفروج، وقوله:«أحق الشروط أن يوفى به» يعني: أن يوفى به إذا شرط ما استحل به الفرج.
ما معنى قوله: وما استحل به الفرج»؟ لأن الزوجة أو أهلها الذين اشترطوا ذلك لم يبيحوا الفرج للزوج إلا إذا التزم بهذا الشرط، فصار توقف جل الفرج على قبول هذا الشرط، ولهذا قال:«ما استحللتم به الفروج» ، وإلا فإن الفروج تستحل بالعقد، لكن الشرط في العقد كالأصل.
قوله: «إن أحق الشروط» ، «الشروط» جمع شرط، والشرط يُطلق على شرط الصحة وعلى شرط اللزوم، هناك شروط للصحة هذه تسمى شرط العقد، وشروط للزوم تسمى شرطا في العقد، ولهذا يميز العلماء بين شروط النكاح والشروط في النكاح، وشروط البيع والشروط في - البيع، وشروط الوَقف والشروط في الوقف، شرط العقد مثلاً نكاحًا كان أم بيعا أم وَقُفا أو غيره شرط العقد ما تتوقف عليه صحته، بمعنى: أنه إذا فقد لم يصح العقد مثل: العلم بالمبيع وبالثمن في البيع شرط للعقد لا يصلح العقد، إلا به، الولي في النكاح شرط للعقد لا يصح العقد إلا به، الشروط في العقد ما يتوقف عليها لزوم العقد، يعني: يصح، لكن لزومه أو الالتزام به يتوقف على الشرط، لكن لو فقد الوفاء بالشرط فالعقد صحيح.
فرق آخر: شروط العقد موضوعة من قبل الشرع فلا يمكن لأحد إسقاطها، والشروط في
العقد موضوعة من قبل العاقد فلمن له الشرط أن يُسقطه.
قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن أحق الشروط أن يوفي به» ، هل يريد شروط العقد أو الشروط في العقد؟ الثاني الشروط في العقل، والإنسان إذا اشترط في العقد شروطًا صارت هذه الشروط من أوصاف العقل ودخلت في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1].
يعني: أوفوا بأصلها ووصفها، ووصفها هي الشروط التي شرطت فيها، الإنسان يُؤمر بالوفاء بالشروط في البيع والوفاء بها قيام بالحق الواجب عليه، فهل يُؤمر بالوفاء بالشروط في النكاح؟
الجواب: نعم، يؤمر أكثر؛ لأنه قال: «أحق الشروط
…
إلخ». ووجه كونه أحق الشروط: أن
الشروط في البيع يُستحل بها الانتفاع بالمبيع، والشروط في النكاح يُستحل بها الأبضاع، واستحلال الأبضاع أخطر من استحلال التصرف في المبيع والملك أخطر بكثير، فإذا كان أخطر كان الوفاء بالشروط المشروطة فيه أولى وأحق ولهذا يقول: «إن أحق الشروط
…
إلخ».
«الفروج» ، جمع فرج، والمراد به: الفروج التي أحل الله، وهي فروج النساء.
بالنسبة للشروط في النكاح في قوله: «إن أحق الشروط أن يُوفى به ما استحللتم به الفروج» ، تنقسم إلى ثلاثة أقسام: شرط بمقتضى العقد، وشرط لمصلحة العاقدين ولا يُنافي العقد وشرط ينافي العقد.
فالشرط الذي يكون بمقتضى العقد: هُوَ الذي يثبت سواء شرط أو لم يشرط مثل الإنفاق على الزوجة لو اشترطت المرأة في العقد أن يُنفق عليها الزوج، فهذا الشرط ثابت بمقتضى العقد، وشرطه ليس إلا توكيدا فقط، لو اشترطت الزوجة أن يقسم لها مثل ضرتها فهذا شرط ثابت بمقتضى العقد ولو اشترطته فهو توكيد، لو اشترط الزوج على الزوجة أن تُطيعه فيما يلزمها طاعته فيه هذا بمقتضى العقد لا حاجة لشرطه لكن شرطه يكون توكيدًا.
الثاني: ما كان مُخالفا لمقتضى العقد، أي: محرمًا، مثل أن يشترط الزوج على الزوجة ألا تمنعه من الجماع وقت الحيض فهذا الشرط لا يصح وحرام ولا يجوز الوفاء به، ومثل: أن تشترط الزوجة على الزوج أن يقسم لها أكثر من ضرتها أيضا هذا شرط باطل محرّم ولا يجوز الوفاء به أما ما عدا ذلك فهو يثبت بالشرط، والأصل فيه الحل إلا ما دل الشرع على المنع، مثل أن تشترط مهرا معينا تقول مهري ألف درهم أو هو يشترط ألا يزيد المهر على ألف درهم فهذا جائز، ومثل أن تشترط البقاء في بلدها أو البقاء في بيتها فهذا أيضا جائز، ومثل أن تشترط عليه خادمًا يخدمها، يعني: امرأة تخدمها فهذا جائز، والأصل في هذا القسم الحل إلا ما قام الدليل على منعه، إذا اشترط عليها هو ألا يقسم لها وأن يأتيها متى أراد فهذا جائز على القول الصحيح، يجوز أن يشترط ألا يلزمه قسّم لها؛ لأن هذا حق لها أسقطته، ولهذا أسقطت سودة بنت زمعة حقها من القسم لعائشة"، لو شرطت عليه أن يحج بها يصح، لو شرطت عليه ألا تُرضع ولده الظاهر أنه غير صحيح إلا إذا قيل: يصح ما لم يضطر الصبي إليها، فإن اضطر الصبي إليها فلا يصح، على كل حال: اعلموا أن الأصل في هذا هو الجل والجواز إلا ما دل الدليل على منعه
فالأقسام إذن ثلاثة: ما كان ثابتًا بمقتضى العقد وهذا يكون شرطه توكيدًا، وما كان مُحَرَمًا
فهذا باطل ولا يجوز الوفاء به، وما ليس كذلك لا هذا ولا هذا، فالأصل فيه الإباحة حتى يقوم دليل على المنع.
لو شرطت أن لها الخيار إذا لم يناسبها الوضع أن تفسخ النكاح؟ قال شيخ الإسلام هذا شرط صحيح، لاسيما إذا قالت: إذا لم يُناسبني الوضع مع أهلك فلي الفسخ أو طلب الإنزال في بيتي آخر، لأنه يقع كثيرا أن يكون البقاء مع الأهل غير مناسبٍ، فهي تحتاط لنفسها، فتقول: على أني أشترط عليك إن لم يناسبني الوضع مع أهلك فلي الخيار أو أن تسكنني في مسكن آخر، فهذا الشرط صحيح، لأنه لمصلحة المرأة وليس مخالفا لمقتضى العقد، وإذا شرطت أن تكمل دراستها تقول: هذه ينبغي أن تقيد، يقال: نعم نمكنها من الدراسة بشرط إذا قدّرنا أن الباقي عليها ثلاث سنوات نجعل لها أربع سنوات ولا تزيد، أما أن نجعل لها الباب مفتوحًا فهذا مُشكلة لأن بعض النساء لا يهمها أن تنجح أو لا تنجح فترسب نفسها في مادة:{وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ} [يوسف: 16] تقول: رسبت، على كل حال: أنا أقول: ينبغي أن تُقيّد لكي لا يتلاعب بحق الزوج.
من فوائد الحديث: جواز الشروط في العقود، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الشروط على سبيل الإطلاق، لكن هذا مقيد بما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة من قول الرسول صلى الله عليه وسلم:«كل شرط ليس في كتاب فهو باطل وإن كان مائة شرط» ومن قوله صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حرامًا أو حرّم حلالاً» .
ومن فوائد الحديث: سعة الشريعة الإسلامية، حيث لم تضيق على المكلفين بالشروط،
بل جعلت الباب مفتوحًا؛ لأن الإنسان قد يكون له أغراض يحتاج إلى شرطها والالتزام بها.
ومن فوائد الحديث: إثبات الشروط في النكاح وأنها أحق بالوفاء من غيرها.
ومن فوائد الحديث: الرد على من ضيق الشروط في النكاح حتى كادوا لا يصححون إلا ما كان ثابتا بمقتضى العقد، فإننا إذا لم تُصحح إلا ما كان ثابتًا بمقتضى العقد صار هذا الحديث لا فائدة منه، لأن ما كان ثابتًا في مقتضى العقد فهو ثابت شرط أم لم يُشترط.
ومن فوائد الحديث: أن ما كان معلقا بشرط لم يثبت إلا بتحقق هذا الشرط لقوله: «وما استحللتم به الفروج» ، فإذا كان عقد النكاح مشتملاً على شرط فإن هذا العقد يعتبر مانعًا من تحليل الفرج إلا بالوفاء به والتزامه.
ومن فوائده: الإشارة إلى أن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]