الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حسن معاشرة الأزواج:
1017 -
وعن عروة قال: "قالت عائشة رضي الله عنها: يا ابن أختي، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضِّل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا، وكان قلَّ يوم إلا وهو يطوف علينا جميعًا، فيدنو من كلِّ امرأة من غير مسيس، حتَّى يبلغ التَّي هو يومها فيبيت عندها". رواه أحمد، وأبو داود واللَّفظ له، وصحَّحه الحاكم.
قال: "عن عروة رضي الله عنه"، والمعروف في اصطلاح العلماء أن الترضي يكون عن الصحابة- رضي الله عنهم، أما عن غير الصحابة فيقال: رحمه الله وعروة ليس من الصحابة فهو أحد الفقهاء السبعة الذين أشار إليهم الناظم:
إذا قيل من في العلم سبعة أبحٍر
…
روايتهم ليست عن العلم قاصرة
فخذهم عبيد الله عروة قاسم
…
سعيد أبو بكر سليمان خارجة
سبعة من التابعين اشتهروا بالفقه، وأطلق عليهم لقب الفقهاء السبعة، وهؤلاء المذكورون في ألفية العراقي في المصطلح وشرحه على خلاف بين العلماء في تعيين هؤلاء، لكن أكثرهم متفق عليه، قال: "قالت عائشة: يا ابن أختي
…
إلخ" من أختها؟ أسماء بنت أبي بكر- رضى الله عنها وعن أبيها-، تقول: "كان لا يفضِّل بعضنا على بعض في القسم"، وسبق لنا هل القسم واجب عليه أو ليس بواجب، ولكنه لكمال خلقه ألزم نفسه بذلك؟ على قولين.
ثم قالت: "كل يوم
…
إلخ " أي: يزور نساءه بعد صلاة العصر، وإنما كان يزورهن من أجل إبقاء المودة بينهن؛ لأنه لو لم يزر واحدة منهن إلا في يومها لغاب عنها ثمانية أيام أو سبعة بعد هبة سوده يومها لعائشة، وهذا قد يحدث جفوة بينهن وبين النبي صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا: أن وجود النبي صلى الله عليه وسلم بينهن يحصل به فائدة شرعية من تعليم أو تذكير أو ما أشبه ذلك.
وثالثًا: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم يريد أن ينفعهن بقربه منهن، فإن من الكسب العظيم أن يكون النَّبي صلى الله عليه وسلم في بيت امرأة منهن؛ فلأجل هذه الحكم كان النَّبي صلى الله عليه وسلم لا يدعهن كل يوم بعد صلاة العصر، ولكنها تقول:"من غير مسيس" يعني: من غير جماع، ولكنه يدنو فيقبِّل ويلمس وما أشبه ذلك أما الجماع فلا، "حتى يبلغ التي هي يومها فيبيت عندها"، تكون البيتوتة عند من لها اليوم فيبيت عند عائشة بعد هبة سوده ليلتين ويدور عليهن كل يوم.
ففي هذا الحديث فوائد: منها: حسن خلق النَّبي صلي الله عليه وسلم ومعاملته لأهله، وقد قال صلى الله عليه وسلم حاثًا أمته على أن يكونوا لأهلهم خيرًا:"خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي"، ومن تدبر سيرته في معاملته لأهله وجد أن هذا منطبق تمامً على حاله.
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإنسان أن يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا بحيث يكون مع أهله لينًا هينًا أليفًا لا يبعد عنهم.
ومن فوائد الحديث: أنه يجوز لمن له عدة زوجات أن يمر عليهن كل يوم، وأن ذلك لا يعد جورًا في القسم لفعله صلى الله عليه وسلم؛ لأننا نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقوم الناس عدلاً ومع ذلك كان يدور على نسائه.
ومنها: أنه كلما قرب الإنسان من أهله ازدادت المودة بينهم والألفة، وهذا أمر مشاهد، وكلما بعد فإنها قد تحصل الجفوة.
ومن فوائد الحديث: أنه لا يجامع المرأة الَّتي ليس في يومها لقولها: "من غير مسيس"، وكما قلنا: إن المسيس هو الجماع.
ومن فوائد الحديث: أن عماد القسم المبيت؛ يعني: الليل لقولها: "حتى يبلغ التي هي يومها فيبيت عندها" وهو كذلك فإن عماد القسم الليل، قال العلماء: ويستثنى من ذلك ما إذا كان معاش الرجل في الليل فإنه يكون عماده النهار مثل من معاشه الليل كالحارس وكالجنود الآن فإنهم يكونون بالنوبات.
ومن فوائد الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم على كثرة مشاغله وأنه إمام الأمة وسلطانها وحاكمها لا يهمل حق أهله؛ حيث يدور على تسع نسوة أو ثمان نسوة في كل يوم، وهذا لا شك أنه مما يجعله الله- سبحانه وتعالى من البركة في عمر الإنسان، فإن كثيرًا من الناس يضيع عليه الوقت وإذا حاسب نفسه عند النوم وجد أنه لم يعمل شيئًا، وبعض الناس يبارك الله له في يومه وفي عمره، فإذا حاسب نفسه عند النوم وجد أنه عمل وعمل.
فإذا قيل: ما هو السبيل الذي يجعل أوقاتنا مباركة؟
قلنا: ذكر الله ودليل ذلك قول الله تعالى: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطًا} [الكهف: 28]. فالإنسان إذا أعرض عن ذكر الله واتبع هواه نزع البركة من عمره- والعياذ بالله- لكنه إذا كان دائمًا متعلقًا بربه دائمًا يذكر الله بقلبه، إن لم يذكره بلسانه ذكره بقلبه، إن لم يذكره بجوارحه ذكره بقلبه، فهذا هو الَّذي يبارك الله له في عمره.
وليعلم أن الإنسان يمكن أن يحول كل أفعاله ذكرًا لله؛ يعني: لا يتكلم إلا وهو يحتسب أجره على الله ولا يكف عن شيء إلا ويحتسب أجره على الله، ولا يعمل شيئًا حتىَّ يحتسب أجره على الله، حتى قال النَّبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص:"إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتَّى ما تجعله في فم امرأتك"، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الرجل إذا أنفق على نفسه فهو صدقة، فالموفق- وأسال الله أن يجعلني وإياكم منهم- يستطيع أن يحول العادات والشهوات عبادات وحينئذ يكون ذاكرًا لله فإذا أردت أن يبارك الله لك في عمرك وفي زمنك فعليك بذكر الله {الذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم} [آل عمران: 191]. ولا شك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الناس ذكرًا لله وأكثرهم ذكرًا لله؛ ولهذا بارك الله له في عمره وفي عمله في قوله وفي فعله.
1018 -
ولمسلم: عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلَّى العصر دار على نسائه، ثم يدنو منهن". الحديث.
"الحديث" بالنصب؛ يعني: أكمل الحديث فهو مفعول لفعل محذوف تقديره: أكمل، أو اقرأ.
1019 -
وعن عائشة رضي الله عنها "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسأل في مرضه الَّذي مات فيه: أين أنا غدًا؟ يريد: يوم عائشة، فأذن له أزواجه يكون حيث شاء، فكان في بيت عائشة". متًّفق عليه.
وصدقت رضي الله عنها؛ لأننا نعلم من عدل النبي صلى الله عليه وسلم الذي ألزمه الله به أو ألزم به نفسه أنه لن يكون عند عائشة وحدها دون رضا زوجاته؛ ولهذا كان في مرضه يقول: أين أنا غدًا؟ يشير إلى أنه يرغب أن يكون عند عائشة، ولما رأين هواه صلى الله عليه وسلم أذن له أن يكون عند عائشة، فكان عندها ومات في بيتها وفي يومها وفي حجرها، وآخر ما طعم من الدنيا ريقها، وهذه مناقب لعائشة رضي الله عنها؛ لأنه من المصادفات الَّتي أرادها الله عز وجل ليست صدفة في حق الله أنه مات في اليوم الذي هو يومها لا في يوم امرأة أخري، لأنه لو كان في يوم امرأة أخري لاختلف الزمان والمكان بالنسبة لعائشة، لا كان المكان مكانها والزمان ليس لها بل لغيرها، لكن الله عز وجل جعل الزمان والمكان لعائشة رضي الله عنها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يكون عند عائشة.
ففي هذا الحديث من الفوائد: أولاً: أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر يعتريه ما يعتري البشر، وجهه: أنه مرض، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"إنما أنا بشر مثلكم أنسي كما تنسون"، وكان يصيبه المرض، ويحتاج إلي النوم والأكل والتدفئة، ويحتاج إلى الدروع التي يتقي بها السهام، فهو بالنسبة للطبيعة البشرية كغيره من البشر:{قل إنما أنا بشر مثلكم يوحي إلي} [الكهف: 110].
وفيه: رد على ما يروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه لا ظل له، يقولون: إن الرسول صلى الله عليه وسلم يمشي في النهار في الشمس ولا يكون له ظل، لماذا؟ لأنه نور، وبناء على ذلك يكون في الليل كأنه شمعة يمشي في السوق، ولعمر الله إنه لشمعة لكن ليست شمعة النور المادي الحسي لكنه شمعة النور المعنوي الذي يسعد به الناس في دنياهم وأخراهم، فهذا الحديث الذي يروي باطل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كغيره من البشر جسمه كثيف يحجب النور، وليس جسمه مادة نور بل كسائر
الأجسام.
ومن فوائد الحديث: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم مات موتًا حقيقيًا لقولها: "مرضه الَّذي مات فيه" وهذا نص القرآن: {إنك ميت وإنهم ميتون} [الزمر: 30]. {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإين مت فهم الخالدون} [الأنبياء: 34]. {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإين مات أو قيل انقلبتم على أعقابكم} [آل عمران: 144].
وفي هذا إبطال لما يدعيه بعض الجهال الذين يصنعون المولد في شهر ربيع الأول، ثم يجتمعون على ذكر مشروع وغير مشروع، ثم يقومون قيام رجل واحد يقولون: وعليك السلام مرحبًا بالحضرة النبوية، ويدَّعون أنه حضر، وهذا لا شك أنه من الشيطان إن كانوا يرون شيئًا فهو شيطان.
وقد يقول قائل: كيف يتصور الشيطان بالنبي صلى الله عليه وسلم؟
نقول: خيِّل إليهم أنه النَّبي ولكنه ليس على صفة النَّبي، الشيطان لا يستطيع أن يتصور بصورة النَّبي صلى الله عليه وسلم لا في اليقظة ولا في المنام، لكنهم يخيَّل إليهم هذا فيفعلون ذلك، هذا يتبين به ضلال هؤلاء ضلالهم دينًا وسفههم عقلاً.
فإن قال قائل: كيف تقولون إنه ميت والشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، والأنبياء أعلى مقامًا من الشهداء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في قمة المقام بالنسبة للأنبياء؟
فالجواب أن نقول: إن الحياة حياتان حياة دنيوية مادية، فهذه فقدت بموت النَّبي صلى الله عليه وسلم وغيره ممن مات، وحياة برزخيَّة غير معلومة لنا وهي تخالف الحياة الدُّنيا هي مجهولة، لكن نعلم أنها تخالفها لا يحتاج فيها الإنسان إلى أكل ولا شرب ولا نوم ولا غيره مما يحتاجه الأحياء في الدُّنيا، ولو كان الرسول حيَّا حياة دنيوية لكان الصحابة- والعياذ بالله- من أشد الناس عقوقًا للرسول صلى الله عليه وسلم لماذا؟ لأنهم وأدوه ودفنوه وهو حيُّ بل هو مات صلى الله عليه وسلم موتًا حقيقيًا فارقت روحه جسمه، ثُّم تعود إليه بعد دفنه حياة برزخية غير معلومة الصفة لكننا نعلم أنها تخالف الحياة الدُّنيا، وبهذا نتخلص من قول من يقول: إنه حيُّ يرزق، سبحان الله! هل أنت بعته صاعًا؟ بعته أي شيء؟ كيف حيُّ يرزق؟ هو حيُّ يرزق لكن رزق غير الرزق المادي الذَّي في الدُّنيا:{بل أحياء عند ربهم يرزقون} [آل عمران: 169]. انتبه للعنديَّة، هذه تخالف جميع الحياة الدُّنيا.
يستفاد من الحديث: حسن معاشرة زوجات النبي للنبي صلى الله عليه وسلم.
ويفهم منه أيضًا: أن الإيمان أقوى من الغيرة لموافقة أزواج النَّبي صلى الله عليه وسلم للنبي في تمريضه في بيت عائشة، هل يجوز لغير النَّبي من المرضي أن يفعل مثل ما فعل النَّبي صلى الله عليه وسلم؟ نعم، هل الدليل على ذلك التأسي به؟ نعم.
ومن فوائد الحديث: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم بشر تجري عليه أحكام البشرية لقولها: "في مرضه"، فهو يمرض ويجوع ويبرد ويحتر وينسي، كل الطبيعة البشرية تعتريه- عليه الصلاة والسلام.
ومن فوائده: الرد على من قال إن الرسول صلى الله عليه وسلم نور، وأنه لا ظل له؛ لأن كونه يمرض ويسأل ويتحدث يدل على أنه كغيره من الأجساد، جسم كثيف يحجب الشمس، إذا حال بينها وبين الأرض فيكون له ظل.
ومن فوائد الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم مات لقولها: "الَّذي مات فيه"، وهذا الموت حقيقي لكنه موت البدن، وأما البرزخ فهو حي في قبره صلى الله عليه وسلم.
ومن فوائد الحديث: كمال عدل النَّبي صلى الله عليه وسلم حيث يسأل: أين أنا غدًا؟ مع العلم أنه يحب عائشة أكثر من غيرها، وهذا مشهور عند نسائه.
ومن فوائد الحديث: العمل بالقرائن؛ لأن النساء فهمن من ذلك أنه يريد يوم عائشة؛ ولهذا قلن: يريد يوم عائشة، فالعمل بالقرائن ثابت شرعًا، ومنه قصة يوسف حين دعته امرأة العزيز إلى نفسها فأبى ثم اتهمته فشهد شاهد من أهلها:{إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين (26) وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين} [يوسف: 26 - 27]. لأنه إذا قد من قبل دل على أنه هو الطالب وأنها مزقت ثوبه عند فرارها منه، وإذا كان قد من دبر من الخلف- دلَّ على أنه هو المطلوب وأنه هارب وهي التَّي لحقته، فهذه قرينة فكانت القرينة تدل على أنها هي الطالبة:{فلما رءا قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم} [يوسف: 28]. إذن العمل بالقرائن ثابت شرعًا، وهو من أفضل ما يستعين به القاضي على معرفة المبطل، وإذا أوتي الإنسان فهمًا في هذه الناحية حصل له فوز كبير، أرأيتم قصة المرأتين الصغرى والكبرى خرجتا ذات يوم ومعهما ابناهما فأكل الذئب ابن الكبيرة، فادعت الكبيرة أن الابن الباقي ولدها، فاحتكمتا إلى داود فحكم به للكبيرة، ثم خرجتا من عنده فمرتا بسليمان فلعله رأى من حالهما ما رأى فسألهما فأخبرتاه الخبر، فقال لهما: الحكم عندي فدعا بالسكين ليشقه، فأما الكبرى فوافقت، وأما الصغرى فمانعت، فحكم به للصغرى، كيف حكم به للصغرى؟ لأن