الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ليس بكفٍء لكن سيبذل دراهم كثيرة، فقال أبوها: أريد أن زوجها، وقال أولياؤها: لا، فاختصموا تشاجروا يرجعون إلى السلطان، السلطان في هذه الحال ماذا سيقول؟ يحكم بعدم التزويج والعكس بالعكس لو أن الخاطب كفء، فقال أحد الأولياء: تُزوج، وقال الثاني: لا، فالسلطان يأذن لمن قال: إنها تُزوج، فإن امتنعوا كلهم عن التزويج والخاطب كفء فإن السلطان يتولى التزويج.
ومن فوائد الحديث: الإشارة إلى أنه لا يمكن لهذه الأمة أن تبقى بلا سلطان لقوله:
«فالسلطان ولي من لا ولي له» ، ووجه هذا: أنه ليست الأمة كلها لها أولياء وليست الأمة كلها تخلو من التشاجر، فإذا حصل التشاجر أو عدم الولي فمن يتولى أمور الناس إلا السلطان، ولهذا قال أهل العلم: إن نصب الإمام فرض كفاية على المسلمين عمومًا، وأنه لا يجوز للأمة أن تبقى بلا سلطان، وقال ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم:«أن من مات وليس في عنقه بيعة فإن ميتته جاهلية» ، وفي رواية:«فقد خلع ربقة الإسلام من عُنقه» ، وهذه المسألة يوجد بعض الناس -نسأل الله العافية- لشدة غيرتهم وقلة عقلهم يخلع بيعة الإسلام ببيعة الإمام، ويقول: أنا لا اعترف بهذا السلطان ولا أعترف بهذا الرئيس أو ما أشبه ذلك، وحينئذ يموت ميتة جاهلية أو يكون قد خلع ربقة الإسلام من عنقه فيواجه الله عز وجل وهو خال من ربقة الإسلام؛ لأنه خرج عن الجماعة، ومن شدّ شذ في النار.
اشتراط رضا الزوجة:
(939)
- وَعَنْ أبي هُرَيْرَةً رضي الله عنه، أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لا تُنكح الأيمُ حَتَّى تُسْتَأمَرَ، وَلا تنكح البكُرُ حَتَّى تُسْتَأذَنَ قَالُوا: يا رَسُولَ الله، وكيف إذنها؟ قَالَ: أَنْ تَسكُت» . مُتفق عليه. 940
940 -
وَعَن ابن عَبّاس رضي الله عنهما، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الثيّب أحَقُ بنفسهَا مِنْ وَليّها، وَالبكُرُ تُسْتَأمَرُ، وَإذنها سكّوتها» . رواه مسْلِمُ.
- وفي لفظٍ: «ليس للولي مع الثيب أمر، واليتيمة تستأمر» . رواه أبو داود، والنسائي، وصححه ابن حبان.
941 -
وَعَنْ أبي هُرَيْرَةً رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تُزَوّجَ المَرْأَةُ المرأة، وَلا
تزوج المرأة نفسها». رواه ابن ماجه، والدارقطني، ورجاله ثقات.
هذه أحاديث ثلاثة كلها تدور حول شيء واحد وهو رضا الزوجة هل هو شرط أو ليس بشرط، هذه الأحاديث تبين حكم هذه المسألة، فحديث أبي هريرة يقول صلى الله عليه وسلم:«لا تُنكح الأيم» ، أي: لا تزوج حَتَّى تستأمر، والأيم هي التي فقدت زوجها، فهي التي قد تزوجت، وعبّر عنها في الحديث الثاني بالثيب؛ لأنها قد زالت بكارتها بالزوج الأول، «حَتَّى تُستأمر» أي: يؤخذ أمرها، وذلك بأن تقول: نعم زوجوني بفلان، أما البكر فقال:«لا تُنكح البكر حَتَّى تُستأذن» ، فيقال: سنزوجك فلانًا، ولا نقول: هل ترغبين؟ هل توافقين؟ هل تأمرين بذلك؟ لا يقال هكذا، بل يُقال: ستزوجك فلانا، ولكن أشكل على الصحابة رضي الله عنهم كيف تستأذن يعني: كيف يكون صدور الإذن منها؟ فقال: وأن تسكت، وإنما سألوا هذا السؤال؛ لأن الغالب على البكر الحياء وأنها تخجل أن تتحدث بما يتعلق بالزواج.
فيستفاد من هذا الحديث: تحريم إنكاح الثيب حَتَّى تُستأمر لقوله: «لا تُنكح» لأنه نفي بمعنى النهي، والنفي إذا كان بمعنى النهي زاده تأكيدا، كيف ذلك؟ لأنه إذا صيغ بصيغة النفي فالنفي خبر وليس إنشاء، فكأنه يقول: إن هذا الأمر أمر مفروغ منه لا يمكن أن يقع، ولذلك قال أهل البلاغة: إن إتيان النهي بصيغة النفي أو الأمر بصيغة الخبر يكون أشد تأكيدًا، لأنه بمنزلة أن يُقال: إن المنهي عنه ضار أمرا منتفيًا، وإن المأمور به صار أمرا واقعًا، إذن التحريم أخذناه من كلمة «لا تُنكح» .
فإن قال قائل: هذا نفي.
قلنا: هو بمعنى النهي.
فإن قال: ما هي البلاغة، أو ما هي الحكمة في أن يأتي النهي بصيغة النفي؟ فالجواب: لأن هذا أبلغ في التأكيد، كان المنهي عنه صار أمرا منتفيًا لا وجود له.
ومن فوائد الحديث: حكمة الشرع في التفريق بين الثيب والبكر.
ومن فوائده: مراعاة العلل والمعاني في الأحكام، ووجهه: أنه إنما فرق بين البكر والثيب، لأن البكر تستحيي غالبًا ولا تتمكن من المشاورة والائتمار فجعل لها الإذن فقط.
ومن فوائد الحديث: اشتراط الرضا من الزوجة ولو كان المزوج الأب، ووجهه: أن هذا
النهي ليس فيه استثناء، وإذا لم يكن فيه استثناء فالأصل العموم، فالأب لا يزوج ابنته البكر إلا بإذنها ولا الثيب إلا بإذنها كغيره من بقية الأولياء.
ويُستفاد من هذا الحديث بالقياس: اشتراط رضا الزوج، وأنه لو زوج عن إكراه فإن النكاح لا يصح، وهل يمكن أن يزوج عن إكراه؟ يمكن، لأن بعض الناس يُجُبر ابنه على أن يتزوج بنت أخيه -بنت أخ الأب - ويقول: لابد، فإذا أجبره وتزوج ابنة عمه جبرا فإن النكاح لا يصح.
ما تقولون في رجل استأذن ابنته البكر قال: إن فلانا خطبك فهل نزوجك به؟ قالت: نعم أنا لا أطلب إلا مثل هذا الرجل والحمد لله الذي أرشده إلينا هل يزوجها؟ نعم من باب أولى، لكن الظاهرية يقولون: لا يزوجها، لماذا؟ لأن الرسول قال:«إذنها أن تسكت» ، وهذه ما سكتت، هذه امرأة تقول: زوجوني ما نزوجها، والأخرى سكتت نزوجها، أيهما أولى؟ الأولى لو استأذنها أبوها فضحكت أو استأذنها فبكت؟ هذا يُنظر، على كل حال: العلماء اختلفوا، فبعضهم قال: إذا ضحكت فإنه ليس بإذن؛ لأنها قد تضحك تعجبًا من حال أبيها، فيكون الضحك ضحك استنكار وليس ضحك إقرار، ومنهم من قال: إن هذا إذن، لأن الضحك يدل على الانبساط والفرح والسرور فهو أبلغ من السكوت، التي بكت هل هو أقرب للمنع أو للإذن؟ الظاهر أنه للمنع أقرب لكن مع ذلك يقول الفقهاء رحمهم الله ولو ضحكت أو بكت فهو إذن، لكن يظهر أنها إذا بكت فإنها لا تريد أن تتزوج، وقد يكون البكاء من الفرح، ولكن الأقرب أنه ليس بإذن، لكن لو قال: أنت لا تبكين ماذا تقولين؟ فسكتت حينئذ يكون إذنا.
الحديث الثاني -حديث ابن عباس - قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الثيّب أحق بنفسها من وليها» يعني: أنها يُرجع إليها في النكاح، وتُشاور مشاورة دقيقة، فلا يكفي أن يُقال خطبك فلان، فهل تأذنين بالتزويج، لا، فلابد أن تُستأمر ويكشف لها الأمر، فيقال مثلاً: هو شاب أو شيخ عالم أو جاهل، غني أو فقير، ذا شرف أو ليس ذو شرف، يعني: يبين لها الأمر تمامًا؛ لأنها أحق بنفسها، ولهذا لا تزوج حَتَّى تُستأمر، أما البكر يقول: تُستأمر، أي: تُستأذن، والدليل قوله:«إذنها سكوتها» ، ولم يقل: وأمرها سكوتها، بل قال: إذنها وهذا التفسير يدل على أن المراد بقوله:
«تُستأمر» أي: تُستأذن، وإذنها سكوتها، والذي يستأذنها أبوها أو وليها غير الأب، ويكفي في البكر أن نقول: خطبك رجل كفء فهل تأذنين؟ إذا قالت: نعم صح الإذن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما طلب إذنها، استدل بعض العلماء بهذا الحديث على أن الثيب تُزوج نفسها قال: لأنه قال: «أحق بنفسها من وليها» ، «والبكر تُستأمر» يعني: تُستأذن ولكن لا دليل فيه، وذلك لأن قوله:«أحق بنفسها من وليها» هذا من باب أنه يكشف لها عن الأمر تمامًا حَتَّى تكون كأنها تشاهده عيانًا ثم بعد ذلك تأذن أو لا تأذن، وهذا الذي قُلناه وإن كان خلاف ظاهر الحديث لكنه لا يمكن الجمع بين هذا الحديث وبين ما سبق من النصوص الدالة على اعتبار الولي إلا بهذا التأويل.
وفي لفظ: «ليس للولي مع الثيب أمر واليتيمة تُستأمر» ، «ليس للولي مع الثيب أمر» أي: في تزويجها، بل الأمر إليها إن شاءت أذنت وتولى العقد وليها، وإن شاءت لم تأذن، «واليتيمة تُستأمر» ، واليتيمة هي التي مات أبوها ولم تبلغ، «وتُستأمر» أي: تُستأذن كما في الأحاديث السابقة، ولكن هل المراد باليتيمة هنا حقيقة اليتيمة أو المراد باليتيمة التي لم تتزوج وهي قد بلغت قريبًا؟ الثاني، وذلك لأن التي دون البلوغ لا يزوجها أحد من الأولياء؛ لماذا؟ لأن إذنها غير مُعتبر عند كثير من العلماء، وإلا بعضهم يقول: يعتبر الإذن من السنة التاسعة، لكن أكثر العلماء على خلافه، وَعَلى هذا فيكون المراد باليتيمة: البالغة القريبة البلوغ؛ لأنها هي التي يصح إذنها، أما ما قبل البلوغ فليس لها إذن مُعتبر؛ وذلك لأنها لا تعرف، صغيرة لا تعرف مصالح النكاح، فيكون إذنها كالعدم، على كل حال: هذه الأحاديث كلها تدل على أنه لابد من إذن الزوجة في إنكاحها.
ثم قال عن أبي هريرة: «لا تُزوّج المرأة المرأة
…
» إلخ، «لا تزوج» ، عندي بالرفع، وعلى هذا فيكون نفيا بمعنى النهي، والخبر بمعنى الطلب يأتي كثيرًا سواء كان أمراً أو نهيًا، «لا تزوج المرأة المرأة» حَتَّى ولو كانت بنتها فإنها لا تزوجها ولا تزوج نفسها حَتَّى وإن كانت كبيرة عاقلة فإنها لا تزوجها، لو وكلتها امرأة أخرى جاءت امرأة إلى امرأة كبيرة في السن عاقلة رشيدة وقالت لها: قد وكلتك أن تزوجيني فزوجتها؟ لا يصح؛ لأنه إذا كان لا يصح العقد لنفسها فلغيرها من باب أولى، وهذا الحديث يضم إلى ما سبق؛ لأنه لابد من الولي في النكاح، وقد سبق الكلام عليه، وبينا أن القرآن والسنة كلاهما يدل على اشتراط الولي.
أما الفوائد فحديث أبي هريرة أخذنا فوائده.