الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وشئت قال: «أجعلتني لله نداً؟ » ، أما الأمر الشرعي فهو كثير في القرآن:{وأطيعوا الله والرسول} [آل عمران: 132]. {ومن يعص الله ورسوله} [الجن: 23]
حكم عدم إجابة الصائم لدعوة الوليمة:
999 -
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول لله صلى الله عليه وسلم: «إذا دُعِيَ أحدكم فليُجب: فإن كان صائماً فليصلََّ، وإن كان مفطر فليطعم» . أخرجه مسلم أيضًا.
قوله: "وعنه" أي: عن أبي هريرة رضي الله عنه وقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا دُعِيَ" ولم يبين النبي صلى الله عليه وسلم ماذا دُعِيَ إليه، وعلى هذا فيكون مطلقاً، أي: غير مقيد بالدعوة إلى وليمة العُرس، وقوله:"فليُجب" أي: فليجب الداعي، واللام للأمر، وسكنت لأن القاعدة أن لام الأمر إذا جاءت بعد الفاء والواو وثم فإنها تسكن وفيما عدا ذلك تُكسر، أما لام التعليل فإنها تكسر دائماً، حتى لو جاءت بعد الواو وثم والفاء، قال الله تعالى:{ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا} [العنكبوت: 66].
ولا يجوز أن نقول: "وليتمتعوا"؛ لأن اللام في قوله {وليتمتعوا} لو كانت للأمر لسكنت، قال الله تعالى:{فليمدد بسببٍ إلى السماء ثم ليقطع فلينظر} [الحج: 15]. وقال تعالى: {ثم ليقضوا نفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا} [الحج: 29].
وهنا قال: "فليجب" على القاعدة.
«فإن كان صائماً» أي: المدعو «فلُيصَلََّ» أي: فليدع، وليس المعنى: فليصل الصلاة المعهودة.
فإذا قال قائل: كيف نحملها على الدعاء مع أن الصلاة المطلقة في لسان الشارع تحمل على الصلاة الشرعية.
قلنا: لقرينة لفظية ومعنوية، أما اللفظية، فلأن الحديث رواه أبو داود بلفظ:«فإن كان صائما فليدع» ، وهذا مفسر لقوله:«فلُيصَلََّ» ، ولا يحتمل بعد هذا التفسير النبوي أن يكون المراد بها الصلاة الشرعية.
فإن قال قائل: هل لهذا نظير أن تأتي الصلاة في النصوص الشرعية بمعنى الدعاء.
قلنا: نعم مثل قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم} [التوبة: 103]. ليس المراد: أن تصلي عليهم صلاة الجنازة بل المراد: أن تدعو لهم، وقد فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فكان إذا أتاه القوم بصدقاتهم، قال:«اللهم صل على آل فلان» والقرينة المعنوية أنه لا
علاقة بين الصلاة الشرعية وبين كون هذا المدعو صائماً، ثم يقول قائل: كيف يؤمر بالصلاة في هذه الحال بحضرة الطعام وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة بحضرة طعام» ؛ إذن يتعين أن المراد بالصلاة: الدعاء.
«وإن كان مفطراً فليطعم» : فليأكل وليشرب، وقوله:«فليطعم» يشمل الأكل والشرب لأن الشرب يسمى طعاماً، قال الله تعالى:{فمن شرب فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني} [البقرة: 249]. وقوله: «فإن كان صائماً» ظاهره الوجوب، لكن قال:
1000 -
وله من حديث جابر رضي الله عنه نحوه: وقال: «فإن شاء طعم وإن شاء ترك» .
لكن من الذي إن شاء طعم وإن شاء ترك؟ الصائم، وإن كان ظاهر كلام المؤلف أنه يريد به المفطر من أجل أن يصرف الأمر في قوله:«فليطعم» إلى الاستحباب لا إلى الوجوب.
ففي هذا الحديث لم يبين النبي صلى الله عليه وسلم ما يدعو به، فيدعو بالدعاء المناسب، مثل أن يقول: زادكم الله، أنعم الله عليكم، غفر الله لكم، المهم أن يكون منه دعاء مناسب.
فيستفاد من هذا الحديث: أولاً: وجوب إجابة الدعوة، لقوله:«فليجب» ، وظاهر الحديث أنه عام لكل دعوة، وبهذا أخذ الظاهرية، وقالوا: إنه يجب على من دُعي أن يجيب بالشروط التي أشرنا إليها من قبل، وجمهور العلماء على أن الإجابة في غير العرس سنة وفي العرس واجبة، ولكن التفريق ليس بظاهر، إنما الظاهر وجوب الإجابة في الدعوة، لاسيما إذا كان يترتب على عدم الإجابة مفسدة مثل أن يكون الداعي من الأقارب أو من الأصدقاء الذين إذا لم تجبهم فسروه بتفاسير أخرى.
ومن فوائد الحديث: أن الإجابة واجبة حتى للصائم الذي لا يأكل لقوله: «فإن كان صائماً فليصل
…
» إلخ.
ومن فوائد الحديث: أنه إذا كان صائماً فلا يأكل بل يدعو، ولكن إذا رأى أن في ترك الأكل مفسدة فالأفضل أن يأكل، وإلا فالأفضل أن يبقى على صومه، ولاسيما إذا كان قال للداعي: إنه صائم، ويمكن أن يحضر الإنسان إذا كان صائماً ويجلس مع الناس ويكون خادماً لهم، كيف يكون خادماً؟ يقرب لهم الطعام، يقطع لهم اللحم، إذا كان الطعام حاراً يروح عليه بالمروحة، يضع يده في الطعام ثم يعها على رأس ركبته، ويتحدث كأن الذي ألهاه عن الأكل الحديث، المهم: أن الإنسان يستطيع أمام الناس أن يخفي صومه.
ومن فوائد الحديث: أن المشروع لمن كان مفطراً أن يطعم لقوله: «فليطعم» ، وأنه لا ينبغي أن يحضر الناس إلى الدعوة ثم لا يأكلون.