المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

المشتري وحاجة البائع، فإذا كانت تجوز للمشتري من أجل التفكه - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٤

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌2 - باب الخيار

- ‌ خيار المجلس

- ‌خيار العين:

- ‌3 - باب الربا

- ‌تحريم الربا:

- ‌أنواع الربا:

- ‌مسألة: هل يلحق بالأصناف التي فيها الربا غيرها؟ خصص فيه الرسول ستة أشياء فهل يلحق بها غيرها

- ‌بيع التمر بالتمر وشروطه:

- ‌بيع الذهب بالذهب:

- ‌بيع الحيوان بالحيوان:

- ‌بيع العينة:

- ‌الشفاعة المحرمة:

- ‌الرشوة:

- ‌بيع الحيوان بالحيوان نسيئة:

- ‌المزابنة:

- ‌مسألة في بيع العرايا وشروطه:

- ‌بيع الدين بالدين:

- ‌4 - باب الرخصة في العرايا وبيع الأصول والثمار

- ‌بيع العرايا:

- ‌بيع الثمار:

- ‌5 - أبواب السلم، والقرض، والرهن

- ‌الرهن:

- ‌غلق الرهن:

- ‌الترغيب في حسن القضاء:

- ‌حكم الجمعية وهل هي ربا أو لا

- ‌6 - باب التفليس والحجر

- ‌التحذير من مماطلة الغني:

- ‌ الحجر

- ‌تصرف المرأة المالي:

- ‌7 - باب الصلح

- ‌8 - باب الحوالة والضمان

- ‌حكم الحوالة وشروطها:

- ‌ضمان دين الميت:

- ‌الكفالة:

- ‌9 - باب الشركة والوكالة

- ‌الوكالة:

- ‌حكم الوكالة وشروطها:

- ‌جواز التوكيل في قبض الزكاة:

- ‌جواز التوكيل في ذبح الهدي والأضحية وتفريقهما:

- ‌جواز الوكالة في إثبات الحدود وتنفيذها:

- ‌10 - باب الإقرار

- ‌11 - باب العارية

- ‌حكم العارية:

- ‌وجوب العناية بالعارية وردّها على المُعير:

- ‌أنواع العارية:

- ‌12 - باب الغصب

- ‌حكم الغصب:

- ‌حكم الزرع في الأرض المغصوبة:

- ‌13 - باب الشفعة

- ‌شفعة الجار وشروطها:

- ‌14 - باب القراض

- ‌15 - باب المساقاة والإجارة

- ‌حكم المساقاة:

- ‌إجارة الأرض:

- ‌ المزارعة

- ‌حكم أخذ الأجرة عن الحجامة:

- ‌التحريز من منع الأجير حقه:

- ‌جواز أخذ الأجرة على القرآن:

- ‌الأخذ على كتاب الله له ثلاث صور:

- ‌16 - باب إحياء الموات

- ‌17 - باب الوقف

- ‌18 - باب الهبة والعمرى والرقبى

- ‌الهبة وضوابطها:

- ‌حكم الرجوع في الهبة:

- ‌حكم رجوع الوالد في هبته لولده:

- ‌شروط قبول الهدية:

- ‌فائدة في الإثابة على الهدية وحكمها:

- ‌صور العمرى والرقبى:

- ‌حكم شراء الهبة:

- ‌الحث على الهدية:

- ‌19 - باب اللقطة

- ‌حكم إيواء الضالة دون تعريفها:

- ‌الإشهاد على اللقطة وحكمه:

- ‌حكم اللقطة في مكة:

- ‌حكم لقطة المعاهد:

- ‌20 - باب الفرائض

- ‌أصحاب الفروض

- ‌مراتب العصوبة:

- ‌ميراث الزوجين:

- ‌ميراث الأم:

- ‌ذكر المسألتين العمريتين:

- ‌ميراث الأب:

- ‌ميراث الجد والجدة:

- ‌ميراث البنات والأخوات والإخوة:

- ‌حكم ميراث المسلم للكافر والكافر للمسلم:

- ‌ميراث الجد:

- ‌ميراث الجدة:

- ‌ميراث الخال وذوي الأرحام:

- ‌حكم ميراث الحمل:

- ‌21 - باب الوصايا

- ‌حكم كتابة الوصية:

- ‌ضوابط الوصية:

- ‌حكم الصدقة عمن لم يوص:

- ‌حكم الوصية للوارث:

- ‌الوصية بثلث المال:

- ‌22 - باب الوديعة

- ‌كتاب النكاح

-

- ‌ حكم النكاح

- ‌النهي عن التبتل:

- ‌الحث على تزوج الولود الودود:

- ‌تنكح المرأة لأربع:

- ‌الدعاء لمن يتزوج:

- ‌خطبة الحاجة:

- ‌آداب الخطبة: حكم النظر إلى المخطوبة وضوابطه:

- ‌نهي الرجل أن يخطب على خطبة أخيه:

- ‌حديث الواهبة:

- ‌إعلان النكاح:

- ‌اشتراط الولي:

- ‌نكاح المرأة بغير إذن وليها:

- ‌اشتراط رضا الزوجة:

- ‌حكم الشغار:

- ‌تخيير من زوجت وهي كارهة:

- ‌حكم من عقد لها وليان على رجلين:

- ‌حكم زواج العبد بدون إذن سيده:

- ‌حكم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها أو أختها:

- ‌حكم خطبة المحرم ونكاحه:

- ‌شروط النكاح:

- ‌حكم زواج المتعة:

- ‌مسألة: هل نية المتعة كشرطها

- ‌حكم زواج المحلل:

- ‌مسائل مهمة:

- ‌نكاح الزاني والزانية:

- ‌مسألة شهر العسل:

- ‌1 - باب الكفاءة والخيار

- ‌حكم زواج العرب الأحرار بالموالي:

- ‌أنواع الخيار:

- ‌حكم من أسلم وتحته أختان:

- ‌حكم من أسلم وتحته أكثر من أربعة:

- ‌رد من أسلمت إلى زوجها إذا أسلم:

- ‌من أسلم وهو أحق بزوجته:

- ‌فسخ النكاح بالعيب:

- ‌حكم العنين:

- ‌2 - باب عشرة النساء

- ‌حكم إتيان المرأة في دبرها:

- ‌مسألة في حد إتيان الرجل الرجل:

- ‌الوصية بالنساء:

- ‌نهي المسافر عن طروق أهله ليلاً:

- ‌النهي عن إفشاء الرحل سر زوجته:

- ‌حقوق الزوجة على زوجها:

- ‌جواز إتيان المرأة من دبرها في قبلها:

- ‌ما يقال عند إتيان النساء:

- ‌لعن المرأة إذا عصت زوجها:

- ‌الملائكة حقيقتهم ووظائفهم:

- ‌حكم الوصل والوشم:

- ‌حكم الغيلة والعزل ووسائل منع الحمل:

- ‌3 - باب الصداق

- ‌تعريف الصداق لغة وشرعًا:

- ‌جعل العتق صداقا:

- ‌صَدَاق زوجات النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌صداق فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌الصداق والحباء والعدة:

- ‌مهر من لم يفرض لها صداق:

- ‌مقدار الصداق:

- ‌تقليل الصداق:

- ‌4 - باب الوليمة

- ‌حكم الوليمة ووقتها:

- ‌شروط إجابة الدعوة إلى الوليمة:

- ‌حكم عدم إجابة الصائم لدعوة الوليمة:

- ‌أيام الوليمة:

- ‌التحذير من مشاركة الرياء للعبادة:

- ‌صفة ولائم النبي صلى الله عليه وسلم لبعض زوجاته:

- ‌حكم الأكل في حالة الاتكاء:

- ‌التسمية عند الطعام:

- ‌آداب الطعام:

- ‌آداب الشراب:

- ‌5 - باب القسم بين الزوجات

- ‌تحريم الميل إلي إحدى الزوجتين:

- ‌مسألة: كيف يكون العدل بين الزوجات

- ‌القسم للبكر والفرق بينهما وبين الثَّيب عند الزواج:

- ‌جواز تنازل المرأة عن حقها في القسم لأخرى:

- ‌حسن معاشرة الأزواج:

- ‌القرعة بين الزوجات في السفر:

- ‌النهي عن الشدة في معاملة الزوجة:

- ‌6 - باب الخلع

- ‌الخلع ورد ما أخذت الزوجة:

- ‌عدة المختلعة:

- ‌ أوَّل خلعٍ في الإسلام

الفصل: المشتري وحاجة البائع، فإذا كانت تجوز للمشتري من أجل التفكه

المشتري وحاجة البائع، فإذا كانت تجوز للمشتري من أجل التفكه بالرطب فجوازها للبائع من أجل حاجته للتمر من باب أولى، والمسألة لا شك أن تجاذبها الدليلان دليل القياس الذي قد يكون جلياً أو مساوياً؛ ودليل الاقتصار على النص فيما ورد فيه التخصيص، على كل حال هذه الحال واردة.

ومن فوائد هذا الحديث: أنه إذا تعذر اليقين رجعنا إلى غلبة الظن وهذه قاعدة معروفة في الفقه لاعتبار الخرص، وهو أمر ظني من أجل تعذر اليقين، وهذا أمر مطرد، بمعنى: أنه إذا تعذر رجعنا إلى غلبة الظن، ولكن هذا الرجوع إلى غلبة الظن أمر مطرد أم ماذا؟ أحيانا نقول: ارجع لغلبة الظن، وأحيانا نقول: ارجع إلى اليقين، فالظاهر لي بعد تتبع بعض المسائل أن ما كان من العبادات اكتفي فيه بغلبة الظن، مثلاً: إنسان استنجى وغلب على ظنه أنه طهر المحل يكفي ولا نقول باليقين، فقد يتعذر اليقين، وقد يكون هذا الرجل عنده شيء من الوسواس لو يبقى من المغرب إلى العشاء ما تيقن في الوضوء، فيكفى غلبة الظن، ولولا أنه يكفي غلبة الظن لقلنا بوجوب الدلك كما قال به مالك، فالدلك ليس بفرض يكفي أن تضع يديك تحت الماء أو تلقي الماء وترده على ذراعك إذا غلب على ظنك، الصلاة إذا شككت في عدد الركعات وغلب على ظنك الزيادة أو النقص تعمل بها، الطواف كذلك، المهم أن الظن له اعتبار في الشرع حتى فيما يشترط فيه اليقين، إذا تعذر اليقين رجعنا إلى غلبة الظن، في المعاملات لابد من اليقين، فمثلاً: لو أن رجلاً له مريض مورث يرث هذا المريض وغلب على ظنه أن المريض مات قال: الحمد لله مات وأنا وارثه وذهب يبيع أمواله بناء على ظنه أن هذا مات، نقول: لا يجوز هذا، لماذا؟ لأن هذا تصرف في مال الغير والأصل بقاء ملكه، فلا يجوز أن تتصرف حتى تتيقن أنه ميت، ففي المعاملات لابد من اليقين مع أنها قد تخرج في بعض المسائل كتصرف الفضولي.

‌بيع الثمار:

814 -

وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، نهى الباع والمبتاع» . متفق عليه.

- وفي رواية: "وكان إذا سئل عن صلاحها؟ قال: حتى تذهب عاهتها".

"النهي": طلب الكف على وجه الاستعلاء مثل قوله تعالى: {ولا تشركوا به شيئا} [النساء: 36].

ص: 58

{ولا تقربوا الزنى} [الإسراء: 22]. {ولا تبخسوا الناس أشياءهم} [الأعراف: 85]. وأمثلة هذا كثير، المهم: أنه طلب الكف على وجه الاستعلاء، أي: أن الناعي يشعر بأنه أعلى من المنهي، فإن كان على سبيل المساوي والند فهو التماس، وإن كان من الأدنى إلى الأعلى فقول المسلمين:{ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} [البقرة: 286] لا تقول: هذا منهي نقول: هذا دعاء؛ لأنك لست تلتمس ولا تستعلي ولكنك تستجدي تشعر بأن الذي تقول له: لا تؤاخذنا فوقك وأعلى منك؛ إذن "نهى" نقول: طلب الكف على وجه الاستعلاء.

واختلف العلماء في قول الصحابي: "نهى"، هل يحمل على الصيغة التي هي المضارع المقرون بلا الناهية أم ماذا؟ لأن بعض العلماء قال: ليس كالصيغة الصريحة؛ لأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا تبيعوا الثمار» هذا نهي صريح ليس فيه إشكال، لكن قول الصحابي:"نهى" زعم بعض العلماء أن هذا ليس بصريح في النهي لأنه قد يفهم ما ليس بنهي على أنه نهي بخلاف ما إذا نقل الصيغة نفسها فقال: لا تبيعوا، لو قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تبيعوا لكان الأمر واضحاً وصريحاً، ولكن إذا قال:"نهى" فقد يفهم ما ليس بنهي على أنه نهي، لكن هذا القول مرفوض لوجهين:

الأول: أن الصحابة رضي الله عنهم أعلم الناس بمدولولات ألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم عاصروه وسمعوه، ومن المعلوم أن الإنسان إذا عاصر الشخص عرف كلامه ومدلول كلامه كما يعرف وجهه، نحن الآن إذا طالعنا كلام عالم من العلماء وأكثرنا مطالعته فإننا نعرف كلامه بمجرد ما يمر بنا، وإن كان لم ينسب إليه، فالصحابة رضي الله عنهم لا شك أنهم أعلم الناس بمدلولات ألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم.

الوجه الثاني: أن الصحابة أورع الناس فيما ينقلونه عن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره، فلا يمكن أن يتجرءوا يقول: نهى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو لم ينه هذا مستحيل، وعلى هذا فهذا القول مردود، والذي نرى أن قول الصحابي:"نهى" كقوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفعل ولا فرق.

وقوله: "نهى عن بيع الثمار"، الثمار جمع ثمر، والمراد به: ثمر النخل وغيرها كل ما يسمى ثمراً كالتمر والعنب والتين والرمان والخوخ وغيرها مما يسمى ثماراً، نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعه "حتى يبدو صلاحه"، وصلاح كل شيء بحسبه، منها ما يكون صلاحه باللون، ومنها ما يكون بالطعم، ومنها ما يكون باللمس، وقد يكون منها ما يكون بالرائحة، المهم: أن صلاح كل شيء بحسبه، وصلاحه أن يطيب أكله ويكون مهيأ لما ينتفع به فيه.

وقوله: "نهى البائع والمبتاع" البائع: الباذرل للتمر، والمبتاع: الآخذ له، وإنما نص رضي الله عنه على البائع والمبتاع لئلا يقال: إن النهي خاص بالبائغ، لأنه هو الغابن دون المشتري لأنه مغبون، والمشتري إذا غبن لماذا ينهى وهو راض بالغبن، وجه ذلك: أن الثمار إذا يبعت قبل الصلاح

ص: 59

فإنها عرضة للآفات والعاهات، فإن انتظر بها الإنسان صلاحها فقد يأتيها عاهات نفسدها، وإن أخذها قبل الصلاح فهذا إضاعة مال، فالضرر في كل حال على المشتري أكثر، ولهذا قال:"نهى البائع والمبتاع"، أما البائع فلأن عقده فلأن عقده هذا قد يكون سببا لأكل مال أخيه بغير حق، وأما المشتري فلأنه يبذل ماله بما لا فائدة فيه، لو أصيب بعاهة تضرر وحصلت خصومة بينه وبين البائع، فالحاصل: أن النهي يشمل البائع والمبتاع.

وقوله: وفي رواية "حتى تذهب عاهتها" العاهة: ما يصيب الثمر من فساد، ففي النخل مثلاً الغبير والحشف وتغير الطعم، وكذلك في العنب عاهته أن يتسلط عليه الطير وينقذه حتى يذهب ماؤه وما أشبه ذلك، المهم أنها حتى تذهب العاهة ويأمن من حدوث العاهات، ولكن سيأتينا ما ذكر المؤلف، على كل حال المراد: حتى يطيب أكله ويكون متهيئا للانتفاع به.

من فوائد الحديث: أولاً تحريم بيع الثمار فبل بدو صلاحها، دليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعها حتى يبدو صلاحها.

ومن فوائد الحديث - وهي متفرعة على ما قبلها -: أنه لو وقع العقد عليها لكان العقد باطلاً، لماذا؟

لأن النهي عائد إلى ذات المنهي عنه، والنهي إذا عاد إلى ذات المنهي عنه كان فعله فاسد؛ لأنك لو صححت مع نهي الشارع عنه كان لازم ذلك أنك جعلته معتبراً والشارع ما نهى عنه إلا من أجل إفساده والبعد عنه وعدم أثره وتأثيره، فلهذا لو بيعت الثمرة قبل بدو الصلاح لكان البيع فاسداً والثمرة للبائع والثمن للمشتري.

استثنى العلماء من هذا مسألتين:

الأولى: إذا باعه بشرط القبض على شرط أن تقطعه اليوم أو غداً، قالوا: هذا جائز، لماذا؟ قالوا: لأن عاهته مأمونة الآن، سيقطع قبل أن يتعرض للعاهات.

فإن قال قائل: هو إذا اشتراه بهذا الشرط فهذا إضاعة للمال؛ لأنه إذا لم يبدو صلاحه فماذا يفعل به والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال؟

فالجواب على ذلك: أن يقال يمكن أن يشتريه الإنسان علفاً لبهائمه كالبلح مثلاً فينتفع به، أما إذا علمنا أنه اشتراه ليجزه ثم يرمى به في الأرض فمنعه؛ لأنه سفيه ولا نمكنه من إضاعة المال.

المسألة الثانية مما استثنوا: قالوا: لو باعه على مالك الأصل فلا بأس به وإن لم يبدو

ص: 60

صلاحه، كيف على مالك الأصل؟ رجل أخذ هذا النخل مساقاة، المساقاه الشجر فيما لمن؟ لصاحب الأرض؛ القلاح ماله ما اشترط له من الثمر فجاء الفلاح وباعه على مالك الأرض باع نصيبه على مالك الأرض، يقول بعض العلماء: إن هذا جائز؛ لأنه باعه على مالك الأرض.

ومثال آخر: رجل باع نخلاً بعد أن أبرت، فلمن الثمر؟ للبائع، والتأبير: التلقيح، الثمر هنا للبائع، لكن البائع أراد أن يبيع الثمر على مشتري النخل، بعض العلماء يقول: هذا جائز، لماذا؟ قال: لأنه باعه على مالك الأصل، ولكن هذا الاستثناء يحتاج إلى دليل، فالنبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها" استثناء الصورة الأولى وهي ما إذا شرط القطع وقطعه؛ لأنه مال ينتفع به، لكن هذه المسألة يحتاج من ادعى جوازها إلى دليل، قالوا: عندنا دليل وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من باع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع"، من المبتاع؟ المشتري، قالوا: فأجاز اشتراط المشتري النخل مع أن الثمر لمن؟ للبائع، بمقتض، لكن لو قال المشتري: الثمر معها جاز لنص الحديث، مع أن الثمر لم يبدو صلاحه، قالوا: فهذا دليل أنه إذا اشترى الثمرة مالك الأصل فذلك جائز، لننظر هل هذا الاستدلال بهذا الدليل صحيح؟ إذا نظرنا إلى هذا الدليل وجدنا أنه لا دليل لهم فيه؛ لأنه في هذه المسألة صار الثمر تبعا للشجر ويثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالا، أليس الرجل يجوز له أن يبيع الحيوان الحامل وحمله تبعا له ولو باع الحمل وحده ما جاز؟ فنقول: في هذا الحديث الذي ذكرتم بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن الثمر إذا أبر يكون للبائع إلا أن يشترط المبتاع، ووجه ذلك: أنه تابع للثمرة والعقد واحد، لكنه عقد مستقل، يعقد على الثمرة تباع على مالك الأصل، ونقول: هذا جائز؟ لا يصح هذا القياس، إذن ما الذي يستثنى من هذا الحديث على القول الصحيح؟ الصورة الأولى، وهي: إذا ما باع الثمر بشترط القطع؛ لأن العلة التي من أجلها كان النهي قد زالت.

من فوائد الحديث: حكمة الشرع في المعاملات بين الناس والحفاظ على أموالهم؛ لأن هذا العقد -بيع قبل الصلاح- يؤدي إلى أحد أمرين: إما إلى ضياع المال، وإما إلى النزاع والخصومة، وهذا لا شك أنه من حفظ الأموال من وجه، ومن حفظ المودة بين المسلمين ومن الإبقاء عليها.

ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإنسان إذا ظن توهم خلاف المراد أن ينص على المراد، وذلك أنه نهى عن بيع الثمر قبل صلاحها قال:"نهى البائع والمبتاع"، مع أنه يكفي أن يقول: نهى عن بيع الثمر قبل بدو صلاحها؛ لكن لما كان قد يتوهم واهم أن المنهي هو البائع وحده لأن الضرر إنما يخشى على المشتري قال: "نهى البائع والمبتاع".

ص: 61

ومن فوائد الحديث: الإشارة إلى علة المنع؛ حيث قال لما سئل عن صلاحها: "حتى تذهب عاهتها".

ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإنسان ألا يتعامل معاملة مخاطرة وإن كانت جائزة؛ وذلك لئلا يقع في الندم، لأن الناس إذا عامل معاملة مخاطرة ثم صار الأمر على خلاف ما توقع ندم وحصل له حزن، والشرع يحارب الندم والغم والهم والأحزان، ولهذا شرع الأوراد للإنسان لأجل أن يبقى دائما في سرور.

815 -

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهى. قيل: وما زهوها؟ قال: تحمار وتصفار» . متفق عليه، واللفظ للبخاري.

هذا الحديث كالذي قبه النهي عن بيع الثمار، إلا أن هذا الحديث يشعر بأن المراد بالثمار: ثمار النخل؛ لأنها هي التي تحمار أو تصفار، وقوله:"تزهى" أو تزهو من الإزهاء وهو الطيب زها يزهو يعني: طاب ولذ، ولكنه سئل:"ما زهوها؟ " قال: "تحمار وتصفار"، فأحال على اللون؛ لأن اللون دليل على الصلاح، ولو قلنا: إن الزهو هو الطعم لاحتاج الإنسان أن يأكل قبل أن يبيع، لينظر هل حصل فيها طعم أو لا، لكن اللون كاف، وقوله:"تحمار وتصفار". لا شك أن في هذا الفعل زيادة، وكأن أصلها تحمر وتصفر فزيدت الألف، فهل الزيادة هنا تدل على المبالغة، وأن المعنى تحمار احمراراً بينا وتصفار اصفراراً بينا، أو أن هذا الألف تدل على المقاربة؟ يعني: تحمار يظهر فيها الحمرة وإن لم تكن بينة مثل ما نقول: هذا الثوب محمر أو مصفر هذا دون قولنا: هذا الثوب أحمر وأصفر؟ في هذا قولان للشارح: قول بأن المعنى: تحمار أي: تبلغ غاية الحمرة، وتصفار كذلك؛ لأن زيادة المبنى يدل على زيادة المعنى في الغالب، وقول أن هذه الصيغة تفعال تدل على المقاربة دون الكمال، يعني: حتى تقرب من كمال الاحمرار والاصفرار، فعلى القول الأول ننتظر حتى يتبين اللون تماما، وعلى الثاني مجرد ما تميل إلى الحمرة، وتبين أنها من النوع الأول يكفي، فمن احتاط وقال: أؤخر حتى تتبين الحمرة تماماً كان أولى، ومن ترخص وقال: إن ابتداء الحمرة دليل على ابتداء الصلاح اكتفى بذلك.

من فوائد الحديث: فيه دليل على ما سبق من النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، فإن وقع العقد عليها بدو الصلاح فالعقد باطل.

ومنها: جواز -بل وجوب- السؤال عن الكلمة التي لا يتبن معناها إلا بالسؤال؛ لأنهم سألوا أنس بن مالك عن الزهر ففسرها لهم.

ص: 62

ومنها: أنه لا يجوز بيع النخل حتى يحمر أو يصفر، لكن هذا فيما يحمر أو يصفر، وأما بعض النخيل الذي يبقى أخضر لكنه يثمر فهذا يكتفى فيه بطيب الطعم، ولا حاجة إلى اللون.

ومن فوائد الحديث: لو بدا اللون في نخلة ولم يبد في النخلة الأخرى فإنه يصح بيع النخلة التي بدا فيها اللون ولا يصح بيع النخلة الأخرى، لماذا؟ لأن الحكم يدور مع علته، فهذه وجد فيها علة بيعها، وهذه لم يوجد فلا يصح، فإن باع الإنسان بستانه جميعاً فهل يكفي فيه أن يظهر اللون في واحدة منه؛ لأن الصفقة واحدة، وما لم يظهر فيه اللون فهو تبع، أو لابد أن يكون اللون في كل شجرة أو يكتفى في اللون في كل نوع؟ هذه ثلاث احتمالات، فمن العلماء من قال بالأول وقال: إذا بيع البستان وفيه نخلة واحدة ملونة لكنه صفقه واحدة صح البيع، ومنهم من قال: لا يصح البيع إلا إذا وجد اللون في كل شجرة بمفردها، ومنهم من فصل وقال: إن كان النوع واحداً جاز وإلا فلا، وهذا القول -كما ترون- قول وسط، والغالب أن خير الأمور الوسط، وعلى هذا فإن باع البستان جميعاً وكان فيه أربعة أنواع قد ظهر فقط فالرابع لا يصح في نوعين، فالثالث والرابع لا يصح في واحد، فالثاني والثالث والرابع لا يصح، فإن قلت أرأيت لو باع نوعا من النخل ولم يبد الصلاح إلا في حبة واحدة من شجرة واحدة وقد باع النوع صفقة واحدة فلا يجوز؟ هذا نخل سكري عشر نخلات باعه شخص باعه شخص ولم يكن فيه إلا حبة واحدة من شجرة واحجة فإنه يجوز، قال: فإن صعد الشجرة وأكلها ثم باعها بعد أن أكلها هذه وقعت كانوا يبيعون ثمار النخل وشكوا هل هذه فيها شيء أو لا فصعد واحد الشجرة فوجد فيها حبة ملونة فأكلها ثم نزل فهل يصح بيعها؟ الظاهر لي أنه يصح، لماذا؟ لأنه قد بدا فيها الصلاح، وكونه يأكل أو لا يأكل هذا لا أثر له، نعم لو فرض أنه أكل قبل أن يبحث في الموضوع ونحن لم نعلم قلنا: لا نبيعها حتى يتلون.

816 -

وعنه رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العنب حتى يسود، وعن بيع الحب حتى يشتد» . رواه الخمسة، إلا النسائي، وصححه ابن حبان، والحاكم.

هذا كالذي قبله تقريبا إنما هو مثال مما قبل، "نهى عن بيع العنب حتى يسوده؛ لأن قبل اسوداده لم يبد صلاحه، وهذا في العنب الذي يلون ويكون أسود، أما الذي لا يلون، كما هو معروف يوجد أصناف كثيرة من العنب لا تلون، فالعبرة بكونها صالحة للأكل تكون لينة وحلوة، فإذا لانت واحلوت حل بيعها، "وعن بيع الحب حتى يشتده، ما هو الحب؟ القمح،

ص: 63

الذرة الشعير، وفول، وعدس، المهم الحب لا يباع حتى يشتد، أما ما دام لينا فإنه لا يباع؛ لأنه لا يبدو صلاحه وتذهب عاهته إلا إذا اشتد، هل يستثنى من هذا شيء؟ نعم يستثنى من ذلك ما إذا شرط قطعه، فإذا اشترى الزرع قبل أن يشتد يريد أن يكون علفاً فالبيع صحيح، يعني: ينتفع به الآن؛ كذلك العنب إذا اشترى عنبا حصرما، لكن هو يرد الحصرم يخلطه في أدوية أو غير ذلك وسيقطعه الآن فهذا لا بأس به، فإن باعه على مالك الأرض في الحب وعلى مالك الشجر في العنب، ففيه قولان لأهل العلم، منهم أجازه، ومنهم من منعه والصواب مع المنع.

ومن فوائد الحديث: جواز بيع الحب في سنبله؛ لقوله: "حتى يشتده" ووجه الدلالة: أن ما بعد الغاية مخالف لما قبلها، إذا كان الكلام في سياق النفي أو نهيا وجاءت "حتى"، فإن ما بعدها يخالف ما قبلها، فقوله:"لا تبيعوه حتى يشتد" إذن وبعد الاشتداد يحل، وهنا سؤال: كيف يجوز بيع الحب في سنبله وهو مستتر غير معلوم، ثم السنبل في وسط الزرع غير معلوم؛ لأنكم -كما تشاهدون- الزروع بعضها مرتفع قد بدا سنبله وبعضها نازل لا يرى سنبله، فكيف يصح بيعه مع أنه مجهول من جهتين؟ أولاً: لأنه مغلف بالقشر، والثاني: أن السنبل لا يرى كله في الغالب؟ الحاجة داعية إلى ذلك، ولو كلف الناس ألا يبيعوا إلا بعد إخراج الحب لكان في ذلك مشقة شديدة وربما نخرج الحب ونحن نريد ادخاره يفسد الحب، لأن الحب إذا أخرج من قشره صار عرضة للفساد، وإذا بقي في قشره صار أسلم له، ولهذا قال يوسف عليه السلام للذي قص عليه الرؤيا:{فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلاً مما تأكلون} [يوسف: 47]- لماذا؟ لأن بقاءه في السنبل حفظ له، ولهذا يقال: إذا بقي الحب في السنبل لا يمكن أن يدخله السوس أبداً، وإذا أخرج لحقه السوس.

إذا نقول: الحكمة في استثناء ذلك: أن هذا مما دعت الحاجة إليه ويتعذر فيه الوصول إلى اليقين، فصار الظن جاريا مجرى اليقين لدعاء الحاجة إليه.

817 -

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو بعت من أخيك ثمرا فأصابته جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً، بم تأخذ مال أخيك بغير حق". رواه مسلم.

- وفي رواية له: «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح» .

"لو" هذه شرطية، وهي حرف امتناع لامتناع، تقول:"لو جاء زيد لأكرمه" فقد امتنع الإكرام لامتناع المجيء، ويقابلها "لما" فإنها حرف وجود لوجود، تقول لما زرتني أكرمتك، فقد وجد الويقابلها "لما" فإنها حرف وجود لوجود، تقول لما زرتني أكرمتك، فقد وجد الإكرام لوجود الزيارة، ويتوسط بينها "لولا" فإنها حرف امتناع لوجود تقول: "لولا تخلفك عن

ص: 64

زيارتي لأكرمتك" امتنع الإكرام لوجود التخلف فصارت هذه الحروف الثلاثة استغرقت الأحوال، "لو" حرف امتناع لامتناع، و"لما" حرف وجود لوجود، و"لولا" حرف امتناع لوجود، و"لو" هنا شرطية بمنزلة إذا.

وقوله: "لو بعت من أخيك""من" بمعنى على، يعني: على أخيك ووصفه بالأخوة من باب التغليب، وإلا فمثله لو باعه على كافر فإن الحكم لا يختلف، لكن علقه بالأخوة من باب التغليب.

وقوله: "ثمرا فأصابته جائحة"، "ثمرا" يعني: ثمر النخل، ثمر العنب، ثمر التين، ثمر البر، تقال: أي ثمر، الحديث عام، صيغة العموم فيه التنكير فيه سياق الشرط، والنكرة في سياق الشرط تفيد العموم.

وقوله: "فأصابته جائحة" اسم فاعل، والجائحة: ما يحوج الشيء، والاجتياح الاستئصال، ومنه الحديث:"إن أبي اجتاح مالي"، فإذن جائحة يعني: أصابه ما يستأصله مثل برد أو عواصف أو حر شديد أيبسه أو غير ذلك هذه الجائحة.

قال: "فلا يحل لك أن تأخذ منه" أي: من أخيك، والشرع يذكر الحل ويقابله التحريم، فإذا نفى الحل يثبت التحريم فهما متضدان شرعا، وإن شئت فقل: متناقضان شرعاً لا حساً وعقلاً فإن الشيء إذا انتفى عنه الحل الشرعي ثبت تحريمه، ألا ترى إلة قوله تعالى: {حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخلاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم التي أرضعناكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم التي في حجوركم من نسائكم التي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بنه فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفوراً رحيما والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم) [النساء: 23، 24]. فجعل هذا مقابل هذا.

وقوله: "فلا يحل لك أن تأخذ منه" الضمير يعود على الأخ المشتري، "شيئاً" أي شيء يكون؛ لأن الثم فسد كله فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً، ثم علل فقال:"بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟ " بين السبب والاستفهام هنا للإنكار والتوبيخ، يعني: أنه يوبخ من أخذ المال الذي باع به هذه الثمرة، لأنه أخذه بغير حق، وضد الحق الباطل أخذه بباطل، لماذا؟ لأن هذا الثمر الذي باعه لم يستفد منه المشتري شيئاص، جاءه ما يجتاحه، فالحديث كما ترون صورته واضحة:

ص: 65

رجل باع تمر نخل على آخر، وليكن بمائة ريال، ثم أصاب هذا التمر جائحة نزل عليه مطر وأفسده حتى انهمر في الأرض، فالمشتري إذا لا يستفيد منه شيئا، نقول: لا يحل للبائع أن يأخذ من المشتري مائة ريال، ويكون الثمن الذي فسد للبائع، وهنا يقول:"بم تأخذ مال أخيك؟ " فيدل هذا على أن الثمن لم ينتقل إلى البائع؛ لأنه لو انتقل إلى البائع لم يصح أن يقال: مال أخيك؛ إذن ما زال على المشتري، ولا يحل للبائع منه شيئاً.

ففي هذا الحديث: دليل على مسائل الأولى: ما يعبر عنه أهل العلم بـ"وضع الجوائح" يعني: هل توضع الجوائح أو لا؟ اختلف في هذا أهل العلم، فقال بعضهم: إن الجائحة لا توضع وإنها على المشتري؛ لأن المشتري اشتراها على وجه صحيح الثمن معلوم، والمثمن معلوم، ودخلت ملك المشتري وحصل التسليم؛ لأن تسليم الثمر على النخل يكون بالنخلية، وقد خلى البائع بين الثمرة وبين المشتري، وإذا كان كذلك فإن الجائحة لا توجب انفساخ البيع، ويكون الثمن حلالا للبائع والثمر الذي أصيب بالجائحة للمشتري، وهذا حبه، هذا قول وعرفنا تعليله وهو أن المشتري تملك هذا الثمر بعقد شرعي صحيح، وأن التسليم حصل كاملاً، فالمبيع مقبوض، والبيع صحيح، والخراج بالضمان، فيكون ضمانه على المشتري وليس على البائع شيء في المسألة: أن ثبوت وضع الجوائح، يعني: أننا نثبت ذلك، وأنه إذا أصيب الثمر بجائحة فإنه لا يحل للبائع أن يأخذ شيئاً من المشتري، ويكون التلف على البائع، قال هؤلاء: وبيننا وبينكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والسنة حاكمة لا محكوم عليها، وكل شيء يخالف السنة ولو بني على رأي ونظر فهو باطل، وعلى هذا فنحن أسعد بالدليل منكم، يقولونه لمن يقولون بعد وضع الحوائج؛ لأن معنا حديث للرسول صلى الله عليه وسلم قالوا: يمكن أن يحمل الحديث على أنه من باب المروءة وحسن الخلٌ، فلا ينبغي أن نأخذ منه شيئا؛ لأن الرجل اشترى الثمر للأكل ولم يحصل له أكله، فلا يحسن أن نأخذ منه شيئا، قالوا لهم: هذا يبطله النص؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «فلا يحل لك؟ فالحديث صريح، ونقول: وضعه ليس من باب المروءة، بل من باب الإلزام بالشرع، فلا يحل للبائع شيء، قالوا: إذن هذا الحديث على خلاف الأصول الشرعية، فما الجواب؟ الجواب: أن هذا جاز على الأصول الشرعية، ووجه ذلك: أولا: أن النص أصل شرعي بنفسه؛ لأن بعض الناس يقول: الإجارة على خلاف الأصل؛ لأنها بيع معدوم المنافع تأتي شيئا فشيئا السلم على خلاف الأصل لأنه غرر ويأتون على مثل هذه الأشياء، ويقولون: خلاف الأصل، فنقول: بارك الله فيكم، الدليل أصل

ص: 66

برأسه فلا حاجة لقولكم: على خلاف الأصل، بل نقول: الدليل هو الأصل، فإذا ثبت الحديث وثبت الدلالة، فهذا هو الأصل، إذن فنقول: هذا على وفق الأصل؛ لأنه نص حديث، والحديث أصل، أنتم دائنا تقولون: الأصل في هذا الكتاب والسنة إذن فهو أصل، ثانيا: من جهة النظر هو جار على الأصل؛ لأن المشتري إنما اشترى الثمرة لينتفع بها ويأكلها فجاءتها جائحة قبل أوان الأكل [فلم ينتفع] هل قضى ما أراد؟ لا، فإذا قالوا: التخلية، قلنا: أي فائدة في التخلية؟ إنما تكون التخلية في العقار في البيت صح إذا أجرته أعطه المفتاح ويدخل، لكن بعت الثمرة ليأكلها وقد أتاها العاهة قبل أوان الأكل ما الفائدة، المشتري يقول: اجعل نخلك عندك حتى يطيب أكلها وتؤكل، إذن فالحديث موافق للأصول من وجهين؛ إذا صار هذا جار على الأصول.

فيستفاد منه: أنه إذا أصيبت الثمرة بجائحة فإنه لا يكون للبائع شيء.

ومن فوائد الحديث: لو أصيب بفعل آدمي غير الجائحة وغير المشتري فهل يأخذ البائع من المشتري شيئا أو لا؟ نقول: إن كان هذا الذي أخذ الثمرة مما لا يمكن تضمينه فهو كالعاهة السماوية، كالجائحة السماوية، مثال من لا يمكن تضمينه كالجنود جاء الجند وأخذوها جاء الكفار وأخذوها ولا يمكن تضمينه، نقول: هذه كالجائحة من السماء لعدم إمكان تضمين الآخذ، وإن كان الآخذ ممن يمكن تضمينه كرجل معين فماذا يكون الحكم؟ قال أهل العلم يخير المشتري بين الرجوع على الذي أخذها أو على البائع، فإن رجع على الذي أخذها سلم البائع، وإن رجع على البائع أخذ البائع من الذي أسلف الثمرة، مثاله: بعت ثمرة على شخص فجاء السارق في الليل فجزها ومشى بها وهو معروف، أو جاء إنسان غلط فيها يحسب أنها نخلة فأخذها معه، فماذا نقول؟ نقول: يخير المشتري بين أن يبقى العقد ويطالب من أخذ الثمرة، أو يفسخ العقد ويكون المطالب البائع، أيهما أحسن؟

ينظر للمصلحة، لأن الخيار هنا خيار تشه إن شاء أمضى البيع ورجع للذي أخذ الثمرة، وإن شاء فسخ البيع والبائع يرجع على الذي أخذ الثمرة، هذه خمس مسائل، بجائحة هذه واحدة، الثانية: بفعل المشتري، والثالثة: بفعل أجنبي، وذكرنا أن هذا ينقسم إلى قسمين إذا أتلفه من يمكن تضمينه أو لا يمكن، الرابعة: إذا تلفت ببهائم جاعت بالليل وأكلت الثمرة ولا يعلم لها مالك فكيف يكون الحكم؟ هذا كالجائحة السماوية، يعني: أن المشتري يرجع على البائع،

ص: 67

المسألة الخامسة - لو أن المشتري أخر جني الثمر عن وقته حتى أصيب بجائحة فهل على البائع ضمان؟ لا، الضمان على المشتري؛ لأنه مفرط بتأخيرها عن وقت جزها حتى تلفت.

ويستفاد من هذا الحديث: أنه إذا تلفت بعض الثمرة دون بعضها فلكل حكم لقوله: "يم تأخذ مال أخيك بغير حق"، فإذا أخذ البائع عوضاً عن التمر الباقي صالحاً فقد أخذه بحق، لكن لا يأخذ عن التمر التالف وهل يأخذه بقسطه من القيمة أو بقسطه من الثمن؟ مثال ذلك: اشترى هذه الثمرة بمائتي درهم وأصاب نصفها جائحة وبقي النصف الثاني بمائة عندما أردنا تقويمها، قالوا: الآن الثمرة لو كانت صالحة لا تساوي إلا مائة فقط، فهل نقول: يأخذها باعتبار القيمة فيكون عليها خمسون أو باعتبار الثمن ويكون عليه مائة؟ نقول: باعتبار الثمن؛ لأن الرجل اشتراها بمائتي درهم فذهب نصفها يسقط عنه نصف الثمن، ولو قلنا: نصف القيمة كم يسقط عنه؟ يسقط عنه خمسون، والعكس بالعكس، وقد تكون القيمة أكثر مما وقع عليه العقد.

ومن فوائد الحديث: أن دين الإسلام دين العدل، بحيث لا يحكم بجوز على أحد المتعاقدين، بل هو دين العدل، وهذه الفائدة يتفرع عليها مسائل كثيرة في باب الجنايات، وفي باب القصاص، وفي مسائل كثيرة، فمثلا لو أن رجلا قطع يد رجل في مخلب -الذي يحصد به الزرع وتجظ به الثمرة- وحكمنا عليه بالقصاص، يعني: على القاطع فهل نقطع يده بمخلب أو بآلة حادة سريعة؟ نقطعها بمخلب؛ لأن هذا هو العدل، كيف نقطع هذا الجاني المجرم بشيء سريع مريح وهو قد آذى المجني عليه، ويدل لذلك عموم قوله تعالى:{والجروح قصاص} [المائدة: 45]. وقوله تعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} [البقرة: 194]. ويدل له أيضا خصوص الحديث الوارد في قصة اليهودي الذي رض رأس الجارية الأنصارية وأخذ منها أوضاحها، وهي من ذهب أو من فضة فأدركوها وهي في آخر رمق، فقالوا: من فعل بك هذا فلان، فلان، فلان حتى وصلوا إلى اليهودي، فأومأت برأسها: أن نعم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يرض رأسه بين حجرين مع أنه ممكن أن يذبحه بالسيف لكن العدل يقتضي أن يفعل بع كما فعل، والمهم أن دين الإسلام مبين على العدل:{إن الله يأمر بالعدل والإحسان} [النحل: 90]. ومر علينا مسائل كثيرة تنبني على هذه القاعدة مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «الخراج بالضمان» . وأمثلتها كثيرة.

من فوائد الحديث: حسن تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وذلك بذكر العلة بعد الحكم؛ لأن في ذكر العلة بعد الحكم فوائد:

ص: 68

منها: بيان سمو الشريعة وأنها مبنية على العلل والمعاني الصحيحة الموجبة للأحكام.

والثانية: طمأنينة النفس بالحكم؛ لأن الإنسان إذا عرف مأخذ الحكم ازداد طمأنينة، لا شك في هذا، ولهذا أنتم الآن تسألون إذا قلنا: هذا حرام، تقولون ما الدليل، وإن كان ليس عندك دليل أعطنا تعليلاً حتى وإن كنتم موافقين بالمجيب لكن تريدون زيادة الطمأنينة.

الثالثة: إن كان القياس فيما وجدت فيه هذه العلة.

الرابعة: أنه لو تخلف العلة لتخلف الحكم، مثال ذلك: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يتناجي اثنان دون الثالث من أجل أن ذلك يحزنه» ، يعلم من هذا أنه إذا كان لا يحزنه فلا نهي، لأن انتفاء العلة يقتضي انتفاء الحكم، وأنه لو وجدت العلة في غير المناجاة وهو إحزان الجليس لثبت الحكم وإن لم تكن مناجاة، ومثال ذلك: رجلان يعرفان اللغة الفارسية وأنا عندهما لا أعرف الفارسية، فبدأ كل واحد يكلم الآخر باللغة الفارسية ويجعل كلما كلمه جعله ينظر إليه، هذا أمر يحزنني مع أنهما لم يتناجيا، بل حصل ذلك هنا برفع صوت لكن لما كانت لا أدري ما يقولون بحسب اللغة صارا كالمتناجيين اللذين يتكلمان سرا إذن فوائد قرن الحكم بالتعليل أربعة.

818 -

وعن ابن عمر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من ابتاع نخلا بعد أن تؤبر، فثمرتها للبائع الذي باعها، إلا أن يشترط المبتاع» . متفق عليه.

"ابتاع" بمعنى اشترى، وباع، بمعنى: شرى ومثله قوله تعالى: {ومن الناس من يرشى نفسه ابتغاء مرضات الله} [البقرة: 207]. يشري بمعنى: يبيع.

قوله: "من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبر" هل المراد: أصل النخل، أو المراد: ثمر المخل؟ المراد: أصل النخل، يعني: رجل باع نخله، وقوله:"بعد أن تؤبر"، التأبير هو التلقيح، "فثمرتها للبائع" يعني: هذه الثمرة الموجودة في النخلة تكون للبائع مبقاة إلى أوان أخذها، "إلا أن يشترط المبتاع" يعني: يشترط أن هذه الثمرة المؤبرة له، فإن اشترط ذلك وتنازل عنها البائع فالحق له فلا بأس، هذا معنى الحديث.

وقوله: «من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبر

إلخ» يستفاد منه فوائد:

الفائدة الأولى: أن من اشترى نخلا بعد التأبير فثمرتها للبائع، والحديث في ذلك صريح، والحكمة هو أن البائع عمل في هذه الثمرة عملاً يصلحها لأن التأبير يصلح الثمرة، فلما عمل فيها عملاً يصلحها تعلقت نفسه بها، وصار له تأثير فيها فلذلك جعلها الشارع له.

ص: 69

ومن فوائد الحديث: أنه لو باعها قبل التأبير فثمرتها للمشتري؛ لأن البائع لم يفعل فيها شيئاً، وظاهره حتى وإن تشقق الثمر، يعني: انفرج الكافور عن الثمرة حتى بدت، خلافاً لقول بعض العلماء: إنه إذا تشقق الثمر فهو للبائع، وهذا القول ضعيف بلا شك؛ لأننا لو علقنا الحكم بالتشقق لكنا محرفين للنص من وجهين:

الوجه الأول: أننا اعتبرنا مناط الحكم شيئاً لم يعتبره الشارع وهو التشقق.

الثاني: أننا ألغينا وصفا اعتبره الشارع، وهذا لا شك أنه جناية، الشارع جعل الوصف للتأبير والعلة واضحة فيه، فلا يصح إلحاق التشقق به، ونظير هذا التحريف -تحريف بعض العلماء رحمهم الله قول النبي صلى الله عليه وسلم:«العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» .

وقوله: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة» . حيث حرفوا الحديث إلى أن المراد به: من تركها جاحداً لوجوبها، ولا شك أن هذا القول ضعيف، لأن من جحد وجوبها كفر سواء تركها أو لم يتركها، حتى لو جاء الإنسان مبكرا إلى الصلاة وحافظ عليها، لكن يرى أنها سنة فهو كافر، فحينئذ نقول: اعتبرنا وصف لم يعتبره الشرع، وألغينا وصفا اعتبره الشارع، وهو الترك، وهذا تحريف بلا شك أن يلغي الإنسان وصفا علق الشارع الحكم عليه، ثم يأتي بوصف آخر ثم هو منتقض بمن يصلي وهو يعتقد عدم الفرضية فإن عندهم كافر، والحديث لا يدل على كفره لو أخذنا بالدلالة التي زعموها؛ لأن الحديث يدل على من ترك، وهذا التأويل الذي يصح أن نقول: إنه تحريف بعضهم قوله تعالى: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤهم جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما} [النساء: 93]. قال المراد بذلك: من قتله مستحلاً لقتله، وقد عرض هذا القول على الإمام أحمد فتبسم، وقال: إذا استحل قتله فهو كافر وإن لم يقتله والوعيد على القاتل، فهذا اعتبار وصف لم يعتبره الشارع وإلغاء وصف اعتبره الشارع.

وسبب ارتكاب مثل هذه الأمور العلة التي يجب التخلي منها وهي أن الإنسان يعتقد ثم يستدل؛ لأنه إذا اعتقد أولاً ثم استدل حاول في كل النصوص التي تخالف اعتقاده أن يحولها إلى ما يقتضيه اعتقاده، وحينئذ يجعل النصوص تابعة لا متبوعة، والواجب على كل مؤمن أن يستدل ثم يعتقد، فيجعل الاعتقاد تابعاً للاستدلال حتى تكون الأدلة متبوعة لا تابعة، على كل حال: نحن نريد استطراد هذا، لكن (زيادة شرح)، إذا باع نخلاً قبل أن تؤبر وقبل أن تشقق فثمره للمشتري، لأن هذا ظاهر الحديث قالوا جب العمل به.

ص: 70

فمن فوائد الحديث: مراعاة النفوس فيما تتعلق به؛ لأن الشارع راعى البائع الذي أبر النخل حيث تتعلق نفسه به، وهذه حتى في مسائل العبادة، يعني: في المعاملات قد تكون ظاهرة ألم تروا إلى الرجل الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في عام الفتح فقال: إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس، قال:«صل هاهنا فأعاد عليه، قال: صلى هاهنا فأعاد عليه قال: شأنك إذن، فلما رأى نفسه متعلقة أن يذهب إلى بيت المقدس قال: دعوه يذهب، وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أحرمت متمتعة بالعمرة إلى الحج في حجة الوداع فأصابها الحيض في سرف ولم تتمكن من إتمام العمرة، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تدخل الحج على العمرة، ويحصل لها بذلك أجر عمرة وحجة، حتى قال لها: «طوافك بالبيت وبالصفا والمروة يسعك لحجك وعمرتك» ، لكن لم انتهى الناس من الحج ألحت على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن تأتي بعمرة، فأذن لها الرسول صلى الله عليه وسلم وأرسل معها أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر، ولم يقل له: أحرم بالعمرة؛ لأنك ذاهب إلى الميقات ولم يرشده لذلك؛ مما يدل على أن العمرة بعد الحج خاصة بمن كان مثل عائشة لا لكل أحد.

على كل حال: إن الشرع يعطي النفس شيئا من الحظوظ أجاز النبي صلى الله عليه وسلم من إنسان يموت أن يحد في خلال ثلاثة أيام إذ أن النفس قد تنكسر بالمهيبة ولا تستطيع أن نفعل ما كان يفعله الإنسان وهو غير مصاب، فأذن له الشرع بأن يحد ثلاثة أيام فقط، المهم أننا نقول: هذا أن الشرع -ولله الحمد- مناسب للفطرة ولما تقتضيه النفوس وهذه من نعمة الله عز وجل.

ومن فوائد الحديث: جواز بيع النخل وعليه الثمرة وجواز بيعه قبل التأبير وبعده، ولكن إذا باع النخل فما الذي يتناوله البيع؟ هل يتناول البيع الشجرة نفسها والأرض أو الشجرة وحدها، يعني مثلا بعت عليك نخلة فهل يشمل أرضها أو هو خاص بالنخل فقط، والفرق بين الأمرين أننا إذا قلنا: إنه يشمل الأرض فماتت تلك الشجرة أو أصابها ما يتلفها فهل تبقى الأرض للمشتري أو لا؟ إن قلنا: إن الأرض تتبع النخل فإنه تبقى للمشتري، وإن قلنا: إن الأرض لا تتبع النخل فإن الأرض باقية للبائع، هذه المسألة نقول: المرجع فيها إلى العرف، والعرف عندنا أنه إذا قال الناس: باع فلان نخلة يريدون البستان كله، أرضه وشجره، فإذا كان العرف يقتضي أن النخل هو الشجر فقط دون الأرض، فإن النخلة إذا تلفت فإن المشتري لها لا يملك غرس شيء مكانها؛ لأن البيع لا يشمل الأرض، وهذا قال العلماء فيما إذا رهن نخلا أو أو أوقف نخلا أو ما أشبه ذلك، هل الأرض تتبع النخل أو لا؟ فالأصل أن الأرض لا تتبع، لأن الأرض أصل

ص: 71

والشجر فرع كما أن الشجرة أصل والثمر فرع، إلا أن يكون هناك عرف يخالف هذا فالمرجع فيه إلى العرف، فالحديث الذي معنا يقول:"من باع نخلا" فالمعقود عليه هو النخل ومعلوم أن النخل في الغالب أنه إذا بيع بعد التأثير سيبقى، ولكن إذا الذي ذكرناه لا يؤخذ في الحيقية من الحديث لا نقيا ولا إثباتا لكن ذكرناه للأهمية.

ومن فوائد الحديث: أنه يجوز للمشتري أن يشترط الثمرة بعد التأبير لنفسه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إلا أن يشترط المباع» .

ومن فوائد الحديث: أنه يثبت تبعا ما لا يثبت استقلالا وجهه: أنه لو اشترى إنسان الثمرة وحدها بعد التأبير وقبل بدو صلاحها فقد سبق لنا أنه لا يجوز، ولو اشترى النخل بعد التأبير والثمر في هذه الحال للبائع، واشترطه لنفسه جاز، لماذا؟ لأن الثمر الآن صار تبعا للشجر، أما ما ورد النهي عنه فهو بيع الثمر وحده، وهذه القاعدة أقرها أهل العلم مستندة إلى ما جاءت في السنة أنه يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالا، لو أنه باعه قبل التأبير واشترط على المشتري أن تكون الثمرة له فهل يجوز، يعني: عكس ما جاء به الحديث؛ لأن الحديث باع بعد التأبير واشترط المشتري أن الثمرة له، الصورة التي ذكرت الآن باعه بعد التأبير فالثمرة للمتري لكن البائع اشترطها لنفسه هل يجوز؟ إذا قلنا: يجوز فيبقى هنا إشكال وهو أن البائع تملك الثمر قبل بدو صلاحه، فما الجواب؟ نقول: هذا استدامة ملك، وليس استحداث ملك بمعنى: أن البائع لما باعه استثنى هذه الثمرة من البيع، أي: أبقى ملكه عليه، فظهر الفرق بين شخص يشتري الثمر مستقلا، وبين أن يبقى ملكه عليه.

فإن قال قائل: وإذا قلنا بصحة البيع وأصاب الثمرة جائحة فهل يضمن المشتري البائع؟ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «لو بعت من أخي شيئا فأصابته فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا» ، فهل هذا البائع الذي اشترط أن الثمرة له إذا أصيبت الثمرة يرجع على المشتري؟

الجواب: لا يرجع، فإن أشكل عليه فإن الحديث واضح يقول:«لو بعت من أخيك ثمرا» ، والبائع هنا لم يشتر وإنما استبقى ملكا، فهو لم يملكه من جهد المشتري حتى يضمن إياه ولكنه أبقى ملكه عليه، وعلى هذا فلو أصيب هذا الثمر الذي اشترطه المشتري الثمر الذي يستحقه البائع فأصيب بجائحة، فهل يرجع المشتري على البائع؟

ص: 72

الظاهر لي أنه لا يرجع، وعلى كل حال: لو قيل: يرجع بقدر النخل خاليا من الثمرة وبقدر فيه الثمرة وما بينهما هو قيمة الثمرة، لكنه لا يقدر؛ لأن هذا تابع والحديث يقول:«لو بعت من أخيك ثمرا» ، وأنا ما بعت، فهو يشبه -والله أعلم- الصفة، والقول بالرجوع له وجه قوي في الواقع؛ لأن الظاهر أن اشتراط المشتري للثمر سوف يزيد به الثمن يعني: ليس سواء عن البائع أن يبيعه والثمرة له أو أن يبيعه والثمرة للمشتري، فلا شك أن الثمن سيزيد، فلهذا يترجح القول بأنه يرجع على البائع؛ لأن المشتري اشترط أن يكون الثمر له، ويكون قول الرسول صلى الله عليه وسلم:«لو بعت من أخيك ثمراً» هذا بناء على الغالب أما من باع نخلا وعليه ثمر للبائع واشترطه، الظاهر أن القول بأنه يرجع كما لو اشتراه استقلالا قوي، والمسألة تحتاج إلى تأمل؛ لأنه -كما ذكرت- إذا اشترط المشتري أن الثمرة له فسوف يزيد في الثمن بلا شك.

ومن فوائد الحديث: جواز الشرط في البيع، أو بعبارة أصح: جواز البيع مع الشرط، وهذا له أصول كثير تشهد له عموما وخصوصا، فمن الأدلة العامة على جواز الشروط في العقد قوله تعالى:{يا أيها الذين أمنوا أوفوا بالعقود} [المائدة: 1]. والوفاء بالعقد يتضمن الوفاء بأصله والوفاء بوصفه وكل شرط يشترط قي العقد فهو من أوصافه، والأمر في الآية عام للوفاء بالأصل والوصف ولقوله تعالى:{وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا} [الإسراء: 34]. والمشترط على نفسه شروطا معاهد لمن اشترطه، فتكون هذه الآية تدل على جواز الشروط والوفاء بها، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم:«أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج» كل هذه أدلة عامة من الكتاب والسنة، دليلان من القرآن، ودليلان من السنة، أما الخاصة فقد ثبت في الصحيحين وغيرها من حديث جابر أن الرسول صلى الله عليه وسلم اشترى منه جملا واشترط جابر عليه أن يحمله إلى المدينة، فقبل الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الشرط، وهذا نص في الشرط في البيوع.

وثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها في قصة بربرة حيث اشترطوا أن يكون الولاء لهم فأبطله الرسول صلى الله عليه وسلم وقال كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل فهو دليل على أن هذا الشرط الخاص بالعقد -عقد البيع- لو كان لا يخالف الشرع لكان صحيحاً، وهذا الحديث معناه واضح، إذن فيكون ما جاء في الحديث:«أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط» يجب أن يكون محمولا على شرط له أثر في إبطال العقد، وأما ما لا أثر في إبطال العقد فلا يعمه هذا الحديث، وقد سبق لنا مثل هذا كثيرا مثل نهي عن بيعتين في بيعة، وقلنا: إن مثل هذه المنهيات تنزل على بقية النصوص، وتحمل على ما دلت النصوص على بطلانه.

ص: 73